FINANCIAL TIMES

الصين تواجه خيار الإنفاق أو تباطؤ النمو

الصين تواجه خيار الإنفاق أو تباطؤ النمو

في الوقت الذي يتباطأ فيه اقتصاد الصين، يزيد الضغط على الحكومة لكي تلجأ مرة أخرى إلى التحفيز قصير الأجل من النوع الذي فعل الكثير لتعزيز النمو خلال فترات الركود الأخيرة. وإذا تصاعد نزاعها التجاري مع الولايات المتحدة في عام 2019، يمكن أن تضعف مقاومتها.
قد تخفض القيادة الصينية هدف النمو السنوي لعام 2019 اعترافا منها بالتحول الهيكلي للاقتصاد إلى وتيرة نمو أبطأ، لكن أيضا الاعتراف بالرياح المعاكسة قصيرة الأجل. مع ذلك، الهدف المخفض قد لا يوفر فرصة لالتقاط الأنفاس من أجل تجنب اتخاذ خطوات أكثر قوة لتحفيز النشاط، بما في ذلك تخفيف القيود على أسواق الإسكان المحلية.
تزايدت التكهنات بأن الحكومة تستعد لذلك بالضبط بعد أن أصدر المكتب السياسي بيانا يتحدث فيه عن الحاجة إلى مواجهة تباطؤ الاقتصاد، وفي الوقت نفسه تجنب الحديث عن الأمور التي تحدث عنها في السابق، مثل تقليص الديون وإبقاء قطاع العقارات تحت السيطرة.
رحبت الأسواق أيضا بالإشارات التي تفيد بأن الرئيس دونالد ترمب قد يرغب على الأقل في تجميد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين عندما يلتقي بالرئيس تشي جين بينج على هامش قمة مجموعة العشرين هذا الشهر في الأرجنتين.
استجابة لذلك، ارتفعت أسهم البر الرئيسي 7 في المائة من أدنى مستوياتها هذا العام، لكن المشاعر السائدة تبقى ضعيفة. الخبر الذي يقول إن النمو الاقتصادي في الصين تباطأ إلى 6.5 في المائة في الربع الثالث تم أخذه باعتباره علامة على القدر المحتوم، على الرغم من أن هذه هي بالضبط وتيرة التوسع التي كانت تستهدفها الحكومة في الأعوام الثلاثة الماضية. نمو الاقتصاد 6.7 في المائة في الأرباع الثلاثة الأولى يعني أن هدف النمو هذا العام ربما يكون مضمونا، الأمر الذي يحول التركيز إلى توقعات عام 2019.
ينبغي الاتفاق على هدف النمو لعام 2019 في الشهر المقبل في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، وهو اجتماع مهم للقيادة لتحديد أولويات السياسة للعام المقبل، وإعلانها في بداية الجلسة السنوية للمؤتمر الشعبي الوطني في أوائل آذار (مارس).
هدف النمو المذكور تعرض للانتقاد باعتباره من مخلفات الاقتصاد الموجه الذي يلقى عليه باللوم في سوء تخصيص الموارد الذي غذى مشاكل الديون في الصين. وقد تتوقف الحكومة عن نشر الهدف السنوي بعد الخطة الخمسية الحالية (2016-2020) لكن حتى ذلك الحين سوف يستمر في التأثير بقوة في البيروقراطية.
وتقلل الحكومة من التأكيد على هدف النمو لمصلحة مقاييس التنمية الأخرى، لكنها تراه ضروريا لتحقيق هدفها المتمثل في استحداث 11 مليون وظيفة حضرية جديدة سنويا وإبقاء معدل البطالة في المناطق الحضرية أقل من 5.5 في المائة. وفقا لذلك، قد يتم تخفيض هدف عام 2019 إلى نطاق يقع بين 6 و6.5 في المائة.
وحتى دفع الاقتصاد لينمو بنسبة 6 في المائة قد يشكل تحديا، خاصة إذا فشل التقارب مع واشنطن واستمرت الولايات المتحدة في رفع المخاطر في النزاع حول الممارسات الصناعية الصينية. حتى الآن تم فرض رسوم جمركية على ما قيمته 250 مليار دولار من واردات السلع من الصين، ويمكن أن تمتد لتشمل جميع الشحنات الصينية ما لم يتم التوصل إلى اتفاق (الرسوم الجمركية بنسبة 10 في المائة التي فرضت على 200 مليار دولار من الواردات في أيلول (سبتمبر) من المقرر أن ترتفع إلى 25 في المائة في بداية عام 2019).
استطلاع "فاينانشيال تايمز" الشهري للمصدرين والبيانات الجمركية الرسمية يشيران إلى أن الشحنات الصينية لم تتأثر في الغالب حتى الآن – اقتصاد الصين يتباطأ على خلفية تشديد الائتمان الناتج عن تنظيف النظام المالي – لكن هذا قد لا يستمر. تشير بيانات قسم الأبحاث الخاصة لـ "فاينانشيال تايمز" إلى أن النشاط تراجع بشكل هامشي فقط في الأشهر الأخيرة، لكن خطر حدوث تباطؤ أعمق يصبح أكبر إذا ترافق تراجع الصادرات مع ظروف الائتمان المتشددة بالفعل وتدهور ثقة المستهلكين.
كانت استجابة الحكومة حتى الآن هي خفض الضرائب والرسوم، ونسب متطلبات احتياطيات أقل، وتدابير إغاثة مستهدفة ترمي إلى تخفيف التأثير على الشركات الخاصة في حملتها للتخلص من المخاطر. خطوات التخفيف هذه كانت قليلة نسبيا مقارنة بالاستجابات القوية عام 2008، عندما طرحت حزمة تحفيز حجمها أربعة تريليونات رنمينبي (578 مليار دولار) لمواجهة الأزمة المالية العالمية، وبعام 2015 عندما خفضت الحكومة أسعار الفائدة وخففت القيود على سوق الإسكان. تلك الإجراءات منحت النمو الاقتصادي دفعة قوية، لكنها أيضا ساهمت في تدهور صورة الديون في الصين.
هذا التعاطي الضعيف بشكل متعمد مع مسألة التحفيز يفسر السبب في استمرار تباطؤ الاقتصاد. فعلى الرغم من أن صناع السياسة يحثون الحكومات المحلية على زيادة الاستثمار في البنية التحتية، إلا أن هذا المصدر المهم من النمو استمر في التباطؤ في أيلول (سبتمبر). وتبينت منذ فترة أهمية قنوات التمويل لنظام مصرفية الظل في دفع الاستثمار في البنية التحتية، لكن مع استمرار تراجع نشاط التمويل الغامض هذا يبقى النمو ضعيفا.
صمدت سوق الإسكان على نحو أفضل بكثير مما كان متوقعا، لكن استطلاعنا الشهري للمطورين أظهر أخيرا انخفاضا في المبيعات وضعفا في نمو الأسعار، ما يشير إلى أن هذا المحرك الاقتصادي المهم يتعثر أيضا.
إذا فشل نمو الائتمان الإجمالي في الانتعاش ودعم الاقتصاد، عندها فإن الضغط سيزيد من أجل استجابة أكثر قوة.
بيان المكتب السياسي ربما يكون قد عمل على تعزيز الآمال في تحفيز أكثر نشاطا وقوة، لكن القيادة ليست مستعدة حتى الآن للجوء إلى القواعد القديمة لضخ الائتمان عند أول إشارة على حدوث مشكلة. وعلى الرغم من كل الحديث عن التخلي عن تقليص المديونية، إلا أن بيان بنك الشعب الصيني في أواخر الأسبوع الماضي شدد على أن "المعركة الحاسمة" في التعامل مع المخاطر المالية ستستمر. هذا أكثر من مجرد صناعة سياسة اقتصادية قصيرة الأجل؛ الاستقرار المالي، المهدد من كومة الديون المتنامية في الصين، يعتبر بمنزلة قضية أمن قومي.
من المحتمل أن تعمل السلطات عل هندسة انتعاش حاد في النمو، إذا تخلت تماما عن الحذر في السياسة النقدية وسياسة المالية العامة. وحقيقة أنها لم تفعل ذلك هي دلالة على بعض الالتزام لتفادي تفاقم حالة الديون في البلاد. لكن الضغط السياسي للتراجع سيزيد إذا استمرت الرياح الاقتصادية في التحرك، وستتعرض الحكومة لضغوط قوية من أجل استعادة السيطرة في عام 2019.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES