السياسية

فارون من جحيم إيران ولا مفر من الاستهداف

فارون من جحيم إيران ولا مفر من  الاستهداف

فارون من جحيم إيران ولا مفر من  الاستهداف

في 30 تشرين الأول (أكتوبر)، استدعت الدنمارك سفيرها لدى طهران ودعت الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات جديدة على إيران بعد أن اكتشفت "كوبنهاجن" أن عملاء استخبارات النظام خططوا لتنفيذ عملية اغتيال على الأراضي الدنماركية. وتفيد التقارير أن المستهدف كان الزعيم المنفي لـ "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز" - الجماعة التي اتهمتها طهران بتنفيذ هجوم إرهابي في تلك المنطقة المسمّاة على اسمها خلال أيلول (سبتمبر)؛ وتجاهلت إيران بما يلائم مصالحها ادعاء تنظيم داعش مسؤوليته عن وقوع الحادثة قبل أسابيع، وواقع أن القوات الإيرانية أطلقت صواريخ على قواعد تابعة لـ تنظيم داعش في سورية، ردا على ذلك. وجاء قرار الدنمارك في أعقاب تطورات مماثلة في فرنسا حيث طُرِد دبلوماسي إيراني في 26 تشرين الأول (أكتوبر) بعد أن كشفت السلطات الفرنسية مخططا لاستهداف تجمع في باريس نظمته جماعة معارضة أخرى، هي "حركة مجاهدي خلق".
وعلى مدى سنوات، افترض عديد من المراقبين أن إيران تخلّت إلى حد كبير عن أجندتها الرامية إلى قتل المعارضين في الخارج من أجل بناء الثقة بالغرب وتطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي. إلا أنّ هذه الحوادث وغيرها بحسب مهدي خلجي، المختص في الشأن الإيراني في معهد واشنطن، تُظهر أن النظام كان يسعى منذ بعض الوقت وباهتمام شديد إلى التخطيط لتنفيذ اغتيالات جديدة في الخارج، بالتوازي مع المناورات المحلية التي تهدف إلى منع الاحتجاجات السياسية المستمرة فضلاً عن ممارسة ضغوط إعلامية مكثفة على المستوى المحلي.

استئناف الهجمات

خلال السنوات الأولى من حكم الجمهورية، تردد أن عملاء النظام قتلوا مئات المعارضين الإيرانيين في دول مختلفة. ففي عام 1991، على سبيل المثال، قاموا باغتيال شهبور بختيار رئيس الوزراء السابق في عهد الشاه، في إحدى ضواحي باريس. وبعد ذلك بعام، لقي عدد كبير من قادة المعارضة الأكراد الإيرانيين حتفهم في مطعم ميكونوس في برلين، ما دفع بالقضاء الألماني إلى اتهام المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس أكبر هاشمي رفسنجاني ووزير الاستخبارات علي فلاحيان بإصدار الأوامر بتنفيذ الاعتداء.
وتراجعت وتيرة هذه العمليات عند وصول الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي إلى سدة الرئاسة عام 1997. ومع ذلك، عاد النظام على ما يبدو إلى اعتماد هذه السياسة في عام 2009 عندما شنت "الحركة الخضراء" احتجاجات واسعة ضد الانتخابات الرئاسية المزوّرة. وفي 5 تشرين الثاني (نوفمبر) من ذلك العام، وعد المسؤول العسكري الكبير الجنرال مسعود جزايري بأن إيران "ستحدد هوية المعارضين سواء داخل البلاد أو خارجها، وستقوم بقمعهم في الوقت المناسب"، في إشارة صريحة إلى احتمال تنفيذ عمليات على أراض أجنبية. وأضاف، "إذا ارتأت الجمهورية الإيرانية أنه لا مفر من ذلك، يمكنها ملاحقة داعمي الانقلاب حتى خارج الحدود".
وشهدت السنوات التالية عديدا من الاغتيالات لأشخاص رفيعي الشأن في الخارج. فعلى سبيل المثال، في 29 نيسان (أبريل) 2017، أُردي سعيد كريميان صاحب قناة جي إي أم تي في GEM TV وشريكه الكويتي قتيلين أمام مكتب كريميان في إسطنبول. وكوْن هذه القناة شبكة الأقمار الصناعية الإيرانية الأكثر شعبية، فغالبا ما تقوم ببث برامج ترفيهية تروّج للقيم الثقافية الغربية، ما دفع بمحكمة في طهران بالقيام بمحاكمة كريميان غيابياً والحكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات بسبب نشره حملات دعائية معادية للجمهورية الإيرانية.
وأخيرا في 8 أيلول (سبتمبر)، أطلق "الحرس الثوري" صواريخ على المقر العراقي لـ "الحزب الديمقراطي الكردي الإيراني". وبعد يومين، كرر الجنرال يحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري للمرشد الأعلى والقائد الأعلى السابق لقوات "الحرس الثوري" الإيراني، التهديد الذي أطلقه جزايري عام 2009 حول استهداف أشخاص في الخارج، وقال "إذا لزم الأمر، فسيطارد "الحرس الثوري" المعارضين والأعداء ويقضي عليهم خارج الحدود وما وراء البحار".

تعريف "أعداء" إيران

حافظ النظام الإيراني بصورة غير محددة على تعريفه لمصطلح "العدو" رهناً بالوضع السياسي المحلي. ففي كانون الثاني (يناير) 2010، وفي وقت قريب من ذروة "الحركة الخضراء"، أفادت بعض التقارير أن وزارة الاستخبارات أطلقت قائمة ضمّت أسماء 60 منظمة أجنبية "متورطة في حرب ناعمة" ضد الجمهورية الإيرانية، بما فيها شبكات إعلامية، ومراكز أبحاث، وجامعات، وكيانات تابعة. وحذّرت الوزارة من أن إقامة علاقات مع أي من هذه المنظمات "مخالف للقانون"، حيث منعت على المواطنين الإيرانيين التوقيع على عقود أو طلب أموال أو أي دعم آخر منها.
وقد وفّر هذا التعريف الواسع النطاق لمصطلح "العدو" الأساس القانوني للنظام لاعتقال مواطنين مزدوجي الجنسية. وفي مقابلة أجريت مع محمود علوي وزير المخابرات الإيراني في 28 آب (أغسطس)، صرّح للتلفزيون الحكومي بأنه تمّ اعتقال "عشرات الجواسيس" العاملين في الجهاز البيروقراطي للدولة. وشدّد بعدها قائلاً "إننا نمنع تولّي المواطنين مزدوجي الجنسية أي مناصب حكومية". وعلى نحو مماثل، أفادت وكالة "رويترز" في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 بأن "الحرس الثوري" اعتقل "ما لا يقلّ عن 30 من مزدوجي الجنسية خلال العامين الماضيين، ومعظمهم بتهم التجسس، وفقا للمحامين والدبلوماسيين والأقارب".
ومن أجل تنفيذ مثل هذه العمليات القمعية، يستخدم النظام شبكة واسعة من أجهزة الاستخبارات. فإلى جانب وزارة الاستخبارات الرئيسية و"فيلق القدس" - جناح القوات الخاصة في "الحرس الثوري" المسؤول عن العمليات الخارجية - يشرف المرشد الأعلى بشكل مباشر على عدة وكالات قادرة على اتخاذ إجراءات ضد المعارضين، بما فيها مكاتب الاستخبارات ضمن "الحرس الثوري"، والشرطة، والجيش النظامي، والسلطة القضائية، ومكتب الرئيس، ووزارة الداخلية. فعلى سبيل المثال، تم اعتقال عديد من الرعايا الإيرانيين المزدوجي الجنسية من قبل جهاز الاستخبارات التابع لـ "الحرس الثوري"، "مثلاً المواطن البريطاني نازانين زاجاري راتكليف، المعتقل منذ عام 2016".
ويؤدي انتشار هذه المنظمات في بعض الأحيان إلى قيام خلافات علنية بين الوكالات الحكومية. فعلى سبيل المثال، حين تمّ اعتقال دري نجف آبادي، مواطن يحمل الجنسيتين الإيرانية والكندية كان يعمل مع فريق التفاوض النووي، في العام الماضي، أعلنت استخبارات "الحرس الثوري" مسؤوليتها عن اعتقاله واتهمته بالتجسس. غير أن وزارة الاستخبارات دعت مرارا إلى إطلاق سراحه، مشددةً على أنها لا تعده جاسوساً. وفي النهاية، قام "الحرس الثوري" بنقض قرار الوزارة، كما يفعل عادة في مثل هذه الأمور.

"لا أمل في أوروبا"

قد ينظر البعض إلى العمليات الإرهابية الإيرانية المتجددة في الخارج على أنها تكتيك متشدد لتقويض حكومة الرئيس حسن روحاني وإظهار مزيد من عدم فعالية الاتفاق النووي بعد انسحاب واشنطن منه في وقت سابق من هذا العام. ومع ذلك، فبعيدا عن كون مخططات النظام في أوروبا بمنزلة مؤشرات على الثقة بالنفس، تبدو أنها أشبه بفقدان الأمل من قدرة الاتحاد الأوروبي على مقاومة الضغط الأمريكي وإنقاذ الاتفاق النووي. فعلى سبيل المثال، نقل مقال في صحيفة "فاينانشيال تايمز" صدر في 28 تشرين الأول (أكتوبر) عن دبلوماسيين قولهم "إن الاتحاد الأوروبي واجه صعوبات في إيجاد دولة عضو من أجل استضافة قناة مالية جديدة لحماية التجارة مع إيران من العقوبات الوشيكة".
ولا شك في أن خامنئي يعتبر مثل هذه التقارير دليلاً على ما ذكره في خطاب ألقاه في 17 تشرين الأول (أكتوبر)، حيث قال "يجب أن ينصب تركيزنا بشكل أساسي على الشرق. فالتطلع إلى الغرب وأوروبا ليس سوى ضياع للوقت، ويسبب لنا المتاعب والإذلال". وعلى نحو مماثل، خلال اجتماعه في 29 آب (أغسطس) مع الرئيس والحكومة، طلب من المسؤولين تعديل توقعاتهم حول الاتحاد الأوروبي بقوله "لا بأس في إقامة علاقات مع أوروبا واستمرار المفاوضات معها، لكن حتى في خضم ذلك، يجب ألا نبني أي أمل حول أمور مثل "الاتفاق النووي" أو الاقتصاد". وطلب منهم أيضاً "أن يراقبوا الأمور بحذر دائم" عند التفاوض مع أوروبا.
وترافقت الخطابات المماثلة مع توجيه تحذيرات للحكومات الأوروبية، الأمر الذي زاد من الشعور باليأس. ففي 3 تموز (يوليو)، قال وزير الداخلية عبدالرضا رحماني فضلي - المعروف بأنه مقرّب من خامنئي - بصورة تُنذر بالشؤم، "إذا أغمضتُ عيني لـ 24 ساعة، فسيمر أكثر من مليون لاجئ عبر حدود إيران الغربية إلى أوروبا". وفي هذا الصدد، وصف مقال نُشِر على موقع "مرصاد نيوز" التابع لـ "الحرس الثوري" التهديد الذي وجّهه فضلي "بأنه أخطر من إغلاق مضيق هرمز".

أرضية جديدة للتعاون

في الوقت الراهن، يعمل آلاف الإيرانيين الموجودين خارج البلاد في الأوساط الأكاديمية، والمنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام باللغة الفارسية، وغيرها من المؤسسات. ويعتبر النظام الإيراني المتشدد أن القسم الأكبر من هؤلاء المواطنين يشكل تهديدات أمنية كبيرة، وأظهر مؤشرات على تكثيف جهوده لقمعهم أينما كانوا - سواء عبر تنفيذ أعمال إرهابية على الأراضي الأوروبية، أو منع مزدوجي الجنسية من دخول إيران، أو اعتقال أولئك الذين يحملون الجنسية الأوروبية أو الكندية أو الأمريكية.
وبناء على ذلك، يتعين على حكومات الدول الغربية الوقوف إلى جانب أبناء الشعب الإيراني، ولا سيما أولئك الذين يعيشون ضمن حدود هذه البلدان أو يحملون جنسية مزدوجة. إن استعداد طهران لترهيب الجالية الإيرانية في الشتات من خلال مثل هذه الانتهاكات الصارخة يوفر أساسا مشتركا لتحرّك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويشمل ذلك فرض عقوبات مكثّفة على كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الإيرانيين في قضايا حقوق الإنسان.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من السياسية