الطاقة- المعادن

التعدين في الفضاء .. ثروات طائلة بفعل التطور التكنولوجي

 التعدين في الفضاء .. ثروات طائلة بفعل التطور التكنولوجي


حينما يصدر تعليق عن عالم الفضاء من وكالة الطيران والفضاء الأمريكية ناسا، فلا شك أنه يتمتع بكثير من المصداقية، والمؤكد أيضا أن كثيرا من الدول والشركات الدولية العملاقة المعنية بعالم الفضاء ستأخذه على محمل الجد.
وفي هذا السياق، يحظى إعلان "ناسا" بأن المعادن الموجودة في حزام الكويكبات بين المريخ والمشتري تتضمن ثروة معدنية تعادل 100 مليار دولار أمريكي لكل شخص على وجه الأرض، بأهمية كبيرة.
الرقم صادم بكل المعايير، ومثير للتساؤلات ابتداء من واقعيته وانتهاء بمدى قدرة التكنولوجيا الحالية، وربما المستقبلية على استخراج المعادن من الفضاء.
وتبرز أهمية الموضوع اقتصاديا من تصريحات نيل تايسون عالم الفيزياء الفلكية الشهير، وآخرين بأن أول ترليونير "أول شخص سيمتلك تريليون دولار في العالم" سيصنع ثروته من التنقيب على المعادن في الفضاء.
فالأبحاث الفلكية تشير إلى أن نحو 13 ألف كوكب صغير تمر بالقرب من الأرض كل عام، ولا تعد تلك الكويكبات أجساما فضائية مثيرة لتساؤلات الفلكيين، إنما يمكن اعتبارها مناجم طائرة توفر ثروات غير مسبوقة للحضارة الإنسانية.
وبينما يجعل التطور التكنولوجي المتسارع فكرة التعدين في الفضاء فكرة منطقية على الأمد الطويل على الأقل بالنسبة إلى الشركات العاملة في مجال الفضاء، فإن هذا لا ينفي وجود عديد من المصاعب في ظل غياب وضوح قانوني حول ملكية الموارد الفضائية، ما يجعل من عملية التعدين صعبة، وتتضمن بيئة مغامرة محفوفة بالمخاطر ومرتفعة التكلفة وغير مضمونة العواقب.
ومع هذا، فإنه مع اقتراب السياحة الفضائية من أن تصبح حقيقة واقعة للبشر، فإن التعدين الفضائي يبدو أيضا فكرة مشروعة وقابلة للتحقيق خاصة في ظل الأرباح الضخمة الممكن تحقيقها من تلك المشروعات.
ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور إيان سوري أستاذ علوم الفضاء في جامعة كامبريدج، "إن إطلاق مكوك الفضاء في الفضاء الخارجي والعودة الناجحة إلى الأرض، يجعل من الممكن مستقبلا نقل حمولات ثقيلة إلى الفضاء، وأعني آلات للتنقيب والحفر، والعودة مرة أخرى لكن بكميات ضخمة من المعادن خاصة النادر منها".
ويضيف سوري، أنه "خلال المرحلة الأولى من التنقيب الفضائي، فإن عملية التعدين لن تتم من أجل العودة بالمعادن إلى الأرض، لأن قيمة نظيرتها على الأرض ستكون أرخص، إنما سيتعلق الأمر بالتنقيب لاستخدام المعادن التي سيتم استخرجها لصناعة أدوات في الفضاء تمكننا من استخراج كميات أكبر بكثير من المعادن، ما سيقلل تكلفة الإنتاج بشكل كبير للغاية، بل سيكون بإمكاننا اكتشاف مزيد من أبعاد مجموعتنا الشمسية والكون بتكلفة أقل".
وفي الواقع، فإن عديدا من الشركات الفضائية الممولة من القطاع الخاص، بدأت تدخل بصورة أولية في مجال التعدين الفضائي، كما أن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية تقوم بعملية تقييم دائم للموارد الفضائية من أجل التعدين المستقبلي.
وتشير الدراسات الأولية إلى أن عديدا من الكويكبات التي تمر بالقرب من الأرض تحتوي على تركيزات عالية من المعادن الثمينة مثل البلاتين والذهب.
وقد أجرت "ناسا" أبحاثا مكنتها من التعرف على 750 ألف كويكب، لكن جزءا كبيرا منها يستبعد في الوقت الحالي أن يكون هدفا محتملا للتعدين، ولهذا تم تضييق نطاق البحث لحصره في حدود 17 ألف كويكب، ويقدر علماء الفيزياء الفلكية أن الكويكب الذي يستحق التعدين يحتاج إلى أن تكون قيمته السوقية مليار دولار على الأقل.
إلا أن تلك الرغبات الباحثة عن الربحية، تصطدم بوجهات نظر لعلماء فضاء يعتقدون أن التنقيب في الفضاء يحمل في طياته "لعنة" قد تعود على البشرية بكثير من المتاعب.
البروفيسور هايدن هاريس أستاذ الفلك والاستشاري الأسبق في هيئة الفضاء البريطانية، أحد الداعين إلى تحويل الفضاء إلى مجال للبحث العلمي بعيدا عن القيم التجارية.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أنه "إذا تم اكتشاف كويكب على سبيل المثال يحتوي على معدن نادر مثل البلاتين يوازي جميع احتياطي الكرة الأرضية، فإن الشركات ستتنافس على الموارد، وستتحول المنافسة إلى معركة عبر الأقمار الاصطناعية المسلحة، وهذا قد تنجم عنه صراعات على كوكب الأرض، بل إن عملية التعدين نفسها ربما تتحول إلى خطر إذا أسفرت عن تفكيك وتفتيت أجزاء من الكويكب، بما يضر بالأقمار الاصطناعية والمركبات الفضائية، بل سيكون هناك صدام طبيعي بين النزعة الربحية والمصلحة العامة". وبطبيعة الحال، تعد وجهة النظر تلك ذات طبيعة مثالية، وربما غير واقعية بالنسبة إلى الشركات الدولية العاملة في مجال الفضاء، أو المؤسسات الحكومية العاملة في ذات المجال.
لكن وجهة نظر البروفيسور هايدن تشير إلى مشكلة حقيقية في مجال التنقيب الفضائي، تتمثل في غياب أطر قانونية تنظم العمل في مجال التعدين الفضائي.
وأثارت خطوة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بتكوين جيش فضائي، حفيظة عدد من البلدان التي تمتلك شركات فضاء راغبة في الاستثمار في مجال التعدين الفضائي، فالجيش الفضائي الأمريكي يمكن أن يستخدم في الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة، والشركات الخاصة الأمريكية العاملة الساعية إلى التعدين الفضائي، إذا ما اصطدمت بمنافسين آخرين، خاصة في ظل غياب اتفاقية دولية تنظم العمل الدولي في هذا المجال.
ويقول لـ "الاقتصادية"، كرد وايت المختص في القانون الدولي، "إنه ما من شك في أن استخراج المعادن من الكويكبات ستنجم عنه مشكلات قانونية على أصعدة مختلفة سواء بين الشركات وبعضها البعض أو الشركات والدولة التي تنتمي إليها أو بين الشركات والدول المنافسة، ونلاحظ أن الولايات المتحدة ولوكسمبورج حققتا سبقا قانونيا على باقي دول العالم في هذا المجال".
ويشير وايت، إلى أن "القانون يعترف بأن القمر والكويكبات لا يمكن أن تخضع للملكية الخاصة مثلها مثل المحيطات على سبيل المثال، إنما ما تحتويه يمكن أن يخضع للملكية الخاصة أي ما فيها من معادن وثروات تماما كالأسماك والكنوز الغارقة في قاع المحيطات، وهذا يتيح للشركات الخاصة أن تستثمر في الفضاء، وأن تحصل على ما تريد من معادن دون أن تمتلك الحق في ملكية الكويكبات".
ويلاحظ في مجال التعدين الفضائي أن التكنولوجيا تسبق التشريعات القانونية، فلا توجد سلطة قانونية متخصصة تشرف على تنفيذ التشريعات الصادرة من الحكومات بشأن تنظيم عملية التعدين الفضائي.
ويعتقد البعض أن قبول دول العالم بأن تسلك في مجال التعدين الفضائي ذات المسار الذي تبنته لتوقيع اتفاقية المناخ في باريس، قد يكون خطوة أولية جيدة على طريق توحيد التشريع الدولي بشأن التنقيب الفضائي
إلا أن غياب تلك التشريعات سواء في جانبها التفصيلي الدقيق أو في مفاهيمها الكلية الشاملة، يعتبرها عددا من رجال الأعمال الراغبين في الاستثمار في الفضاء مستقبلا، فرصة جيدة لوضع أرضية صحية لتحديد الأطر الاستثمارية في هذا المجال.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، إل. دي تيم المختص الاستثماري أن القيود الحالية على قدرات استكشاف الفضاء والسفر تعني أن التنقيب في الفضاء سيتطور مستقبلا كعلاقة بين القطاع الخاص والحكومة، إلا أنه لا يستبعد خصخصة الأنشطة الفضائية بمجرد نضج الصناعة.
ويضيف قائلا "يمكننا القول إن الفضاء الذي كانت تعتبره المؤسسات الاستثمارية خطرا استثماريا لأنه مكلف للغاية، بات منطقة أكثر طبيعية للاستثمار، لكن التعدين الفضائي على الأقل في مراحله الأولى مكلف بما لا يمكن أن تتحمله الشركات الدولية بمفردها، ويتطلب أن تكون الحكومات شريكا رئيسيا، ويمكن أن تكون الحكومات بحكم ما تمتلكه من قدرات اقتصادية وتكنولوجية متقدمة، شريكا يمهد الأرضية للشركات الخاصة للولوج إلى عالم التعدين الفضائي".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من الطاقة- المعادن