Author

«هات من الآخر»

|
من الأمور التي يحار كثيرون في فهمها - أسلوب اللف والدوران الذي يستخدمه البعض. التبرير غير مطلوب منك إن كنت لا ترغب في إطلاع الآخرين على أمور معينة في حياتك، لكن لا تبرير مقبولا منك لكي تلف وتدور مع شخص منحك ثقته وصداقته بكل أبعادها. أذكر في أحد الأيام أنني اتصلت بصديقة لي لأطلب منها الحضور “لدورية” الصديقات التي نقيمها شهريا، وحين رفعت سماعة الهاتف، جاءني صوتها متعبا مرتجفا، ولما استفسرت منها أخبرتني أنها تعاني التهاب اللوزتين وحمى وحرارة شديدة، وأنها لا تكاد تفارق فراشها، وفوق ذلك تعاني ألما في ركبتها، لا يجعلها تنهض ولا تجلس إلا بمساعدة بناتها. قلقت عليها كثيرا، وقبلت اعتذارها، ووعدتها بزيارتها للاطمئنان عليها، ثم بدأت في الإعداد “لعزومتي”، وتفقدت ما ينقصني، فوجدت الزعفران قليلا عندي، فقررت أن أذهب لأحد المحال لأشتري ما يلزمني منه، وحين دخلت للمحل الذي اعتدت الشراء منه، كدت أن أتسمر مكاني، كانت صديقتي بشحمها ولحمها تفاصل البائع ليخفض لها مشترياتها “وما فيها إلا العافية”، في تلك اللحظة المؤلمة - سبحان الله - تذكرت المثل الذي كان أجدادنا دوما يقولونه: “كل خينة عليها من الله بينة”. لم أرغب أن يمر الموقف مرور الكرام، فاقتربت منها، وسلمت عليها، ومن نظرة عينيها شعرت بأنها تتمنى لو انشقت الأرض وابتلعتها..! مهما كانت براعتك في اختلاق القصص الكاذبة، فثق بأنك في أي لحظة معرض لانكشاف أمرك. لا شيء يحول بينك وبين قول الصدق من دون لف ودوران. استخدامك هذا الأسلوب سيجعلك شخصا مراوغا، ولن يثق بك الآخرون، ومع مرور الزمن لن تحظى باحترامهم. لا شيء إطلاقا يدفعك لأن تضلل الآخرين، وتتفنن في اختلاق القصص الكاذبة من أجل غاية في نفسك. ولا أتوقع أن أي شخص يتقن ثقافة اللف والدوران يتمتع بالشجاعة والثقة؛ لأنه غالبا شخص جبان، لا يجيد المواجهة، إنما يأخذك معه في قصة طويلة عريضة تستنزف “مخك”؛ لتكتشف فيما بعد أنها مجرد ترهات. ثقافة اللف والدوران قد نقع جميعا ضحايا لها في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا في الدعايات والإعلانات التي يلف أصحابها ويدورون، ويستخدمون كل الكلمات المحفزة التي تدفعك إلى الشراء لتكتشف أنهم خدعوك ببضاعة لا تساوي ثمنها. حين يخبرك قلبك أن الشخص الذي أمامك يلف ويدور، فلا تضيّع وقتك معه، وببساطة قل له: “هات من الآخر”.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها