Author

هل ستكون الصحاري مصدرا لغذاء العالم؟

|
على الرغم من بيئة الصحراء الفقيرة، نتيجة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، فإنها تعد من المصادر الرئيسة للنفط والغاز الطبيعي، أي مصدرا لغذاء المصانع والأجهزة والآلات منذ عقود عديدة. فهل ستُصبح مصدرا رئيسيا لغذاء الإنسان والحيوان في العالم كذلك؟ لا شيء مستحيل أمام التقدم التقني السريع والمذهل! ويخطئ من يعتقد أن هناك حدودا "معروفة" للتقدم التقني. برزت فكرة هذا المقال خلال قراءتي مقال الكاتب جورج مونبيوت في صحيفة «الجارديان» البريطانية Guardian في 31 أكتوبر 2018م حول الغذاء الكهربائي Electric Food، ما دفعني إلى مزيد من القراءة حول هذا الموضوع. وعلى أي حال، تكمن الفكرة في إنتاج الغذاء دون الحاجة إلى التربة، وذلك باستخدام الطاقة الشمسية والهواء. تخيل إنتاج غذاء الإنسان والحيوان من الشمس والهواء فقط! يبدو أن مجموعة من الباحثين في مراكز بحوث فنلندية على وشك فتح آفاق جديدة أمام نوع جديد من الغذاء، قد يغير منظومة إنتاج الغذاء والتعامل معه في المطاعم والمنازل في المستقبل، وربما يسهم في الحد من المجاعات حول العالم. فقد نجحوا في إنتاج بودرة "البروتين" التي يمكن أن تُستخدم في غذاء الإنسان والحيوان، ما سيحد من قطع الغابات واستصلاحها للزراعة والمراعي لتلبية الطلب المتزايد على الغذاء، ومن ثم يوفر إنتاج الغذاء الجديد مساحات غابية أكبر تزيد من التهام ثاني أكسيد الكربون. ويتمنى الباحثون أن يُصبح "مولد البروتين" واحدا من الأجهزة المنزلية التي يستخدمها المستهلك لإنتاج حاجته من البروتين، مع تأكيدهم أن البودرة المنتجة مصدر غذاء صحي، يتكون من 60 في المائة بروتين والبقية كربوهيدرات ودهون، ولتأكيد فاعلية التقنية الجديدة، يشير العلماء إلى أن الأراضي المطلوبة لإنتاج كمية الغذاء من الصويا التي ينتجها العالم في الوقت الحاضر أكبر 20 ألف مرة من الأراضي المطلوبة لمصانعهم لإنتاج الكمية نفسها من الغذاء. ولا شك أن الخطوة المقبلة هي إنتاج كمية كافية من البروتين لاختبار الغذاء على الحيوان، ومن ثم تحقيق الهدف المتمثل في إنتاج كمية استهلاكية بأسعار معقولة، خاصة مع استمرار انخفاض أسعار التقنيات بشكل ملحوظ. وبناء على هذه الطموحات، ترتفع أحلامنا إلى عنان السماء عندما يؤكد هؤلاء العلماء أن إنتاج الغذاء سيكون من دون آثار بيئية ضارة، خاصة إذا كان إنتاج الكهرباء من مصادر متجددة كالطاقة الشمسية. ينبغي أن نعلم أن هذه التقنية لا تزال وليدة، فجهاز إنتاج البروتين الذي هو بحجم آلة صنع القهوة يستغرق أسبوعين لإنتاج جرام واحد من بودرة البروتين، لكن تواكب ذلك جهود جادة، مثل تأسيس شركة باسم "الغذاء الشمسي" Solar Foods ستبدأ الإنتاج في 2021م. والحديث عن الغذاء الكهربائي يثير كثيرا من التساؤلات في الذهن، فمثلا: هل سيحل هذا الغذاء الجديد محل اللحوم الحيوانية والزيوت النباتية؟ هل سيكون بأسعار منافسة لإنتاج اللحوم الحيوانية وزيوت النخيل؟ وهل سيُسهم في حل مشكلة التغير المناخي والتسخين الكوني؟ على الرغم من أن الصحاري تتميز بقلة الأمطار والتطرف المناخي، فإنها على مدى عقود تُعد مصدرا رئيسا للطاقة التي تغذي العالم بالنفط والغاز الطبيعي، إلى جانب غناها بكثير من المعادن، وعلاوة على ذلك كله، فقد حباها الله ساعات طويلة من سطوع الشمس خلال اليوم، فأشعة الشمس الحارقة ربما تتحول إلى ثروة طبيعية وتكون سببا في رفاهية مواطنيها، إذا أحسنوا الاستفادة منها في تبني تقنيات نوعية جديدة مثل "الغذاء الكهربائي" أو إنتاج "الطاقة الشمسية" وتصديرها إلى الدول المجاورة، خاصة أنها طاقة نظيفة وصديقة للبيئة، وكذلك متجددة لا تنضب أبدا. وأخيرا أتمنى أن تبادر الجامعات السعودية خصوصا والعربية عموما لبناء شراكات بحثية مع مراكز البحوث الفنلندية للاستفادة من هذه المخترعات الجديدة وتطويرها بما يعود بالنفع لتنمية الدول العربية. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن تكون بحوث الطاقة الشمسية ومخترعاتها أولوية وطنية سعودية بحيث تكون المملكة الدولة الأولى في بحوث الطاقة الشمسية ومنتجاتها، خاصة مع صعوبة المنافسة على الساحة الدولية في المجالات الأخرى.
إنشرها