Author

بناء ثقافة الادخار من خلال نظرية الوكز

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
الكتاب الذي كان أحد أسباب حصول الدكتور ريتشارد تايلور على جائزة نوبل للاقتصاد، هو كتاب الوكز Nudge. وهذا الكتاب يتحدث عن الوكز كأداة يمكن أن تؤثر في سلوك الإنسان لتحسين حياته فيما يتعلق بالثروة والصحة والسعادة، كما جاء في عنوان الكتاب، حيث تضمن الكتاب مجموعة من الأمثلة التي تدعم تأثير الوكز في تغيير سلوك الأفراد، وكيف أن الشركات في العالم تستخدم أداة الوكز في توجيه المستهلك إلى اتخاذ القرارات التي ترغب الشركة منه في اتخاذها، وهذا بالتالي يعزز من إمكانات الشركات في توجيه رغبات وذوق المستهلك، كما أنه من الممكن الاستفادة منها في مسألة الصحة، من خلال وكزات يمكن أن تغير في سلوك الفرد، ومن ذلك القرار الذي اتخذته هيئة الغذاء والدواء فيما يتعلق بإعلان السعرات الحرارية للوجبات في المطاعم، المتوقع أن يكون له تأثير في صحة المستهلك، فعندما ترى أن البطاطا French fries الملحقة بالوجبة فيها ضعف السعرات الحرارية الموجودة في الوجبة الرئيسة الهامبرجر، سيؤثر ذلك في اتخاذ القرار، دون أن تطلب هيئة الغذاء والدواء ذلك من المستهلك. ومن الأمثلة على ذلك، الصوت الذي تسمعه في السيارة عند بدء سيرها، الذي يقف عند ربط حزام مقعد السيارة، حيث إنه لا يتطلب سير السيارة ربط هذا الحزام، ومع ذلك فإن وجوده يغير في سلوك بعض السائقين ويزيد نسبة الانضباط في ربط حزام المقعد، رغم أنه لا يلزم السائق بذلك. هذه الأمثلة أصبح كثير من العلماء والمهتمين بالاقتصاد يتحدثون عنها باعتبارها نظرية في علم الاقتصاد قد تغير الكثير، وبدأت بعض الحكومات تعتني بها باعتبارها وسيلة لتحسين حياة المجتمع، أي متعلقة بجودة الحياة، وهي ما يسمى "الاقتصاد السلوكي"، الذي استغل بشكل واسع لدى الشركات بغرض توجيه قرارات المستهلك، وكما جاء في الموسوعة العالمية ويكيبيديا "الاقتصاد السلوكي Behavioral economics هو الدراسة التي تعنى بتحليل القرارات الاقتصادية والمالية التي يتخذها كل من الأفراد والمؤسسات التي تقوم بوظائف اقتصادية بما في ذلك المستهلكون، المقترضون والمستثمرون، عن طريق دراسة العوامل الاجتماعية والفكرية". على الرغم من كثرة النقاش حول واقعية هذا العلم الجديد نسبيا، فإن الأدلة التي يستند إليها هذا العلم قوية إلى حد ما، وليس من السهل تجاهلها. إن المختصين بعلوم السلوك لا يهتمون فقط بآثار الأفراد والمؤسسات في الأسواق، بل تهمهم أيضا قرارات العامة وأفراد المجتمع على صعيد اقتصادي. يعد علم الاقتصاد السلوكي فرعا من فروع الاقتصاد الحديث، الذي نجم عن تداخل "تقاطع" بين علم الاقتصاد وعلم النفس، حيث يرى رواد هذا العلم أن الاقتصاد فيه متغيرات غير عقلانية، تؤثر في قرارات الفرد والمجتمع، هذه القرارات دفعت الباحثين الاقتصاديين إلى دراسة العوامل النفسية التي تؤثر في اتخاذ مثل هذه القرارات". وفي هذا السياق، هل يمكن الاستفادة من "الاقتصاد السلوكي" في تغيير سلوك الأفراد فيما يتعلق بالادخار؟ بناء على الأمثلة التي سردها المؤلف، يمكن أنه لو تم تجربة أن يطلب من الموظف عند التعيين التخلي عن 10 في المائة من راتبه ليتم ادخارها له واستثمارها في أدوات منخفضة المخاطر أو ادخارها واستثمارها، ومن ثم يقترح عليه أن يستفيد منها بعد خمس سنوات لشراء منزل، فإنه من الممكن أن يتأثر بهذا الإجراء نسبة لا بأس بها من الموظفين الذين تعرض عليهم هذه الفكرة، إذ إن الموظف يمكن أن يتكاسل عن اتخاذ القرار مع بداية توظيفه ومن ثم يسوف، لكن إذا وجد من يقدم له هذا الخيار ويجعله الرغبة الأولى، التي يتطلب الأمر إلغاءها إذا لم يرغب في ذلك، فإنه سيميل عدد لا بأس به إلى مثل هذا الخيار، وهذا نتاج لنظرية الوكز. فالخلاصة، إن "الاقتصاد السلوكي" أصبح اليوم محل دراسة عميقة نتيجة لفت الدكتور ريتشارد تايلور إليه من خلال حشد مجموعة من الأمثلة الواقعية، ومثل هذه النظرية يمكن أن تغير كثيرا وتجعل من المؤسسة الحكومية وصاحب القرار له دور في التأثير الإيجابي في المجتمع دون إجباره على ذلك القرار، ولعل أحد هذه المجالات التي يمكن توجيه المواطن إليها هو مسألة الادخار من خلال توجيه الموظف إلى ذلك، بأن يتم إبلاغه مثلا أنه "سيتم خصم جزء من راتبك بغرض ادخاره، وفي حال لم تكن لديك رغبة فيمكنك إلغاء ذلك وإعادة المبلغ في أي وقت".
إنشرها