FINANCIAL TIMES

انحسار هوس العملات الرقمية .. «الإيثر» يلحق بـ «البيتكوين»

انحسار هوس العملات الرقمية .. «الإيثر» يلحق بـ «البيتكوين»

خلال فترة طويلة من العام الماضي، اعتقد كثير من المتحمسين للعملات الرقمية أن عملة إيثر ستسرق التاج من منافستها البيتكوين لتصبح العملة الرقمية الأكثر قيمة في العالم من حيث القيمة السوقية، وهي لحظة وصفوها بـ "الانقلاب".
لكن هذا العام، كلتا العملتين تعاني هبوطا مفاجئا. موجة البيع الكبيرة لعملة إيثر كانت أكثر حدة بكثير من نظيرتها الأكبر. بعد الارتفاع بمعدل خمسة أضعاف في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، خسرت نحو 70 في المائة ليتم تداولها بحدود 200 دولار. وانخفضت البيتكوين نحو 50 في المائة إلى 6500 دولار.
هذا التراجع يشير إلى أن الإيثر، مثل البيتكوين، كان جزءا من هوس العملات الرقمية العام الماضي، من دون أن يصبح استثمارا ضمن التيار السائد.
قال فادي أبو الوفا، مؤسس شركة ديار لأبحاث البلوكتشين: "الرواية التي كان يتوقعها الجميع، وهي أن يأتي كل هؤلاء المستثمرين المؤسسين لضخ أموالهم – لم تحدث. الرواية انفجرت. كان كل ذلك فقاعة كبيرة جدا جدا".
لكن كانت هناك عوامل أخرى لها دورها خلف سقوط الإيثر.
خلال طفرة عام 2017 سارع أصحاب المشاريع والباحثون عن الثراء السريع إلى إنشاء مئات العملات الرمزية الخاصة بهم عبر ما يسمى "عروض العملة الأولية"، وهي طريقة بالكاد تخضع إلى أي ضوابط تنظيمية، تهدف إلى الاستفادة من أموال المستثمرين الأفراد. كثير من عروض العملة الأولية هذه تستخدم منصة التكنولوجيا الأساسية لعملة إيثر، المعروفة باسم "إيثريوم"، ويستخدم المستثمرون عملة الإيثر لشراء العملات الرمزية الجديدة.
وفقا لخبراء، في الوقت الذي بدأ فيه الإيثر بالتراجع، كثير من مشاريع عروض العملة الأولية باعت أرصدة الإيثر التي كانت تحتفظ بها، بتحويلها إلى عملة وسيطة ووضع الضغط على سعر الإيثر. حذر بعضهم من أن هذا الاتجاه قد يستمر، خاصة إذا فشلت المشاريع الجديدة في البدء بتوليد الإيرادات.
قال مارتن ووكر، المدير في مركز "الإدارة القائمة على الأدلة"، وهو مؤسسة فكرية: "الطلب على عروض العملة الأولية أدى إلى ارتفاع السعر. الآن، الأموال الخارجة من عروض العملة الأولية هي أحد العوامل التي ألحقت الضرر حقا بعملة الإيثر في الأشهر الأخيرة". وتشير بيانات إلى أن المستثمرين الأفراد إلى حد كبير هم الذين تحملوا عبء انخفاض السعر، وليس مشاريع عروض العملة الأولية.
ووجد تحليل لأكثر من 220 عرضا أوليا للعملات، أجرته منصة التداول BitMEX، أن جهات العرض باعت حتى الآن من عملة الإيثر بقدر ما جمعته تقريبا من حيث القيمة الدولارية – ما يساوي نحو خمسة مليارات دولار – بينما كثير منها لا تزال تجلس على "مكاسب غير متحققة".
قال أبو الوفا: "جمعوا كثيرا من المال، وانهار السعر، لكن بحلول ذلك الوقت كانوا قد قبضوا مليارات الدولارات".
مع ذلك، يقول كثير من المعجبين بعملة الإيثر إن سعر العملة ليس هو الطريقة التي يقاس بها نجاحها. بدلا من ذلك، ينبغي أن يكون التركيز الرئيسي على منصة عملة الإيثر وإمكاناتها التكنولوجية.
يمكن استخدام المنصة التي اقترحها أول مرة في عام 2013 المبرمج الكندي ـ الروسي، فيتاليك بوترين، وكان مراهقا حينها، لإنشاء ما يسمى العقود الذكية – التي هي في الأساس برنامج كمبيوتر يتم تشغليه تلقائيا عند تحقيق شروط معينة.
هذا يجعل منها منصة توزيعية لجميع أنواع تعاملات الأعمال التي تتجاوز الدفعات، في حين أن إيثر كانت ببساطة طريقة لمكافأة المطورين مقابل إنشاء تطبيقات على المنصة.
قال سايمون تايلور، وهو نائب رئيس سابق في "باركليز" والمؤسس المشارك لشركة 11:FS الاستشارية في مجال التكنولوجيا المالية: "الرؤية التأسيسية لمنصة عملة الإيثر (...) لم تكن الحصول على عملة تتنافس مع الدولار الأمريكي". بدلا من ذلك، صممت للسماح لمستخدمي الإنترنت ليكونوا "أكثر سيطرة على بياناتهم"، على حد قوله. في حين أن البيتكوين يهدف إلى القضاء على الوسطاء في التعاملات المالية – المصارف والبنوك المركزية – إلا أن منصة عملة الإيثر تأمل في تجاوز عمالقة الإنترنت مثل "أمازون" و"فيسبوك" و"أوبر"، من خلال السماح بإجراء اتفاقيات مؤتمتة لضمان الخدمة للمستخدمين.
جذبت العملة الأتباع والأنصار الخاصين بها ومعهم مجتمعا نشطا للغاية من مبرمجي المصادر المفتوحة. قال أحد المحللين، لم يرغب في ذكر اسمه: " الناس المهتمون ببناء التطبيقات يميلون نحو عملة الإيثر. بالنسبة للأشخاص المهتمين بالبيتكوين – كل (الحديث) هو عن ’الذهب الرقمي‘". قال المؤيدون إن اهتمام المطورين لم يتراجع على الرغم من انخفاض السعر. جيرمي ميلار، عضو مؤسس في مجلس إدارة "إيثيريوم إنتربرايز ألاينس" وكبير الموظفين في "كونسينسس"، شركة تكنولوجيا البلوكتشين التي تضم 900 موظف، لاحظ أن المجال مستمر في اجتذاب المواهب ورأس المال.
وقال: "يمكننا تحديد المشاريع التي كان يحوطها قدر كبير من المبالغة (...) تلك المشاريع قد لا تكون قادرة على تحقيق الوعود التي قطعتها. هذا لا يعني أن القطاع ليس تحويليا بشكل كبير. نحن نرى هذا النضوج يحدث".
أليستير ميلن، أستاذ الاقتصاد المالي في جامعة لوبورو، قال إن هناك "تحقيقا جادا في التطبيق التجاري لعملة الإيثر" في مجموعة من القطاعات، بما في ذلك القطاع المصرفي.
"إي إي إيه" EEA، وهي مؤسسة غير ربحية تأسست في عام 2016 لاختبار استخداماتها المؤسسية، تتباهى بأعضاء منهم جيه بي مورجان وبريتش بتروليوم. في الشهر الماضي، أعلنت مجموعات في مجال الطاقة منها رويال داتش شل ومصارف منها سوسييتيه جنرال وسيتي جروب أنها تدعم تطوير "كومجو"، وهو مشروع لعملة الإيثر يهدف إلى تحسين تمويل تجارة السلع.
لكن لا يوجد نقص في عدد المتشككين الذين يعتبرون منصة عملة الإيثر تجريبية للغاية، مع قليل من الاستخدامات العملية حتى الآن خارج عالم الألعاب. واحد من المشاريع الأكثر شعبية كان Cryptokitties: لعبة تسمح للمستخدمين بتربية وتبادل القطط الافتراضية.
ويسلط كثيرون الضوء على القيود التكنولوجية، مثل نقص قابلية التوسع أو سهولة الاستخدام. وبإمكان منصة عملة الإيثر تسيير نحو 15 معاملة في الثانية – أقل بكثير من 45 ألف معاملة تعالجها شركة فيزا.
في عام 2016 استغل أحد المتسللين خللا في البرنامج لسرقة 50 مليون دولار من عملة الإيثر، ما دفع المطورين إلى إنشاء وحدة منفصلة من منصة عملة الإيثر هي النسخة المستخدمة على نطاق واسع اليوم.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES