FINANCIAL TIMES

الفضائح تشوّه النموذج المصرفي الاسكندنافي البرّاق

الفضائح تشوّه النموذج المصرفي الاسكندنافي البرّاق

الفضائح تشوّه النموذج المصرفي الاسكندنافي البرّاق

تفخر البلدان الاسكندنافية بسمعتها للنزاهة والمستويات العالية من الثقة.
حيث إن عددا من المصارف الكبرى في المنطقة عالقة في فضائح غسل الأموال وما هو أكثر من ذلك، فإنها تواجه الآن الانتقادات بسبب الضوابط المتراخية، ويبدو أن البريق يزول عن نموذج الأعمال الاسكندنافي.
كان ينظر إلى المصارف الاسكندنافية على أنها النجوم التي يجب أن نهتدي بها بعد الأزمة المالية العالمية، لأن الكثير منها خرجت في حالة أفضل من المصارف في ألمانيا، أو المملكة المتحدة أو جنوب أوروبا، إلا أنها أسهمها تتعرض الآن للضغط وسط عدد متزايد من الادعاءات.
قيم الأسهم في "دانسكي بنك"، المتورط في واحدة من أكبر فضائح غسل الأموال على الإطلاق، انخفضت بنحو النصف منذ شباط (فبراير) الماضي، بينما انخفضت أسهم "نورديا" أكبر مصرف في المنطقة، الذي يعاني كثيرا من مشاكل الامتثال، انخفضت بنحو الخمس، وتراجعت أسهم مصارف أخرى كذلك. كيف اختلت الأمور، وإلى أي مدى يمكن أن تصل الفضائح؟
قال بيل براودر، أحد المنتقدين البارزين للكرملين الذي تقدم بشكاوى جنائية ضد "دانسكي" و"نورديا" في عدد من البلدان: "سأستغرب إن لم نعثر على المزيد من الحسابات في كافة أنحاء المصارف الاسكندنافية التي ستعلق في هذه الفضيحة".
يتركز الكثير من الاهتمام على منطقة البلطيق حيث أسست المصارف الاسكندنافية مواقع مهيمنة في التسعينيات والعقد الأول من الألفية.
يقول "دانسكي بنك" إن 200 مليار يورو من أموال غير المقيمين – من روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق – تدفقت عبر فرعه الصغير في إستونيا بين عامي 2007 و2015 وحيث جزء كبير من ذلك المبلغ تحيط به الشبهات.
يدعي براودر أن مبالغ مقدارها 409 ملايين دولار من التزوير الضريبي الروسي المزعوم مرت بين مصرفين من منطقة البلطيق، ونحو 900 حساب في "نورديا"، وذلك وفقا لعدة شكاوى جنائية للمدعين في السويد، وفنلندا، والدنمارك والنرويج.
قال بو بيكر، أستاذ في كلية ستوكهولم للاقتصاد: "هذا يتعلق بالمصارف التي تتوسع في الخارج. توسع "جرينفيلد" كان صعبا للغاية، لأن هناك الكثير ما لا تعرفه عن أحد المصارف".
بعد فضائح فساد أخرى تشمل شركات اسكندنافية، بما في ذلك شركة الاتصالات السويدية تيليا في أوزبكستان ومجموعة الأسمدة النرويجية يارا في الهند وليبيا، قال إنه طور فرضية غير دقيقة حول السبب في اختلال الأمور.
وأضاف: "ربما القدوم من بيئة منخفضة من حيث الفساد يجعل من الصعب العمل في بلدان عالية المخاطر".
براودر يتفق مع هذه الملاحظة. حيث قال: "حقيقة أن هذه البلدان لديها سمعة بكونها نزيهة جدا، يعني أنها ربما ستجد صعوبة في استنتاج أن مواطنيها يمكن أن يكونوا غير نزيهين، ونعتبر أن موقفه سليم حتى عندما تظهر الحقائق غير ذلك".
"نورديا" واحد من المصارف التي علقت في عدة تحقيقات مختلفة للجرائم المالية. وهو يواجه تحقيقا أمريكيا بشأن انتهاكات محتملة للعقوبات بين عامي 2008 و2014 وتحقيق الشرطة الدنماركية، في ممارسات مكافحة غسل الأموال فضلا عن شكاوى برادور.
في عام 2015، تلقى المصرف انتقادات علنية من المنظم المالي في السويد مفادها أن هناك احتمالا كبيرا أنه "إذا حاول الناس غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، كان بإمكانهم القيام بذلك دون أن يكون – نورديا - قادرا على كشف ذلك".
جولي جالبو، كبيرة الإداريين للمخاطر في المصرف، قالت إن هذا كان "صدمة أيقظتهم من سباتهم" بالنسبة لـ"نورديا"، الذي شرع منذ ذلك الحين في "رحلة نضوج".
قالت جالبو: "عندما تخوض تلك الرحلة، ستتعلم عن الأخطاء في الماضي، وكل مرة نتعلم عن طرق التعامل مع الجرائم المالية".
وأضافت إن من أسباب ضعف المصارف الاسكندنافية في الماضي هي أكثر تعقيدا من مجرد القدوم من بلدان ذات ثقة عالية ومخاطر منخفضة.
"وصلت تنظيمات الاتحاد الأوروبي في وقت متأخر قليلا عن التشريعات الأمريكية"، مضيفة أن هناك مجموعة واحدة كبيرة من تنظيمات مكافحة غسل الأموال دخلت حيز التنفيذ تماما، في الوقت الذي ضربت فيه الأزمة المالية المصارف الاسكندنافية، حيث كان الكثير من المخاوف يتركز على منطقة البلطيق.
كما أشار توربيورن هالو، خبير الاقتصاد في المؤتمر النقابي التجاري السويدي إل أو LO، فإن الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا تسبب بمشاكل كبيرة لأمثال "سويدبنك". وقال: "قبل عشرة أعوام، كاد القطاع المصرفي السويدي أن ينهار بسبب أنشطتهم في بلدان البلطيق".
قالت جالبو إن "نورديا" هو الآن "في وضع أكثر راحة بكثير". أمضى أكثر من 100 ألف ساعة هذا العام في تدريب الموظفين على قضايا مكافحة غسل الأموال، ونحو 5 في المائة من موظفيه البالغ عددهم 30 ألف موظف يعملون على مكافحة الجرائم المالية.

وقد امتنعت عن التعليق عما إذا كان "نورديا" يخشى أن المزيد قد يأتي، حيث قالت إن "عقلية المصرف مختلفة قليلا الآن: نحن نريد التعاون مع أي شخص يساعدنا في مكافحة الجرائم المالية".
لم يعلق المصرف بعد على الأرقام في شكوى براودر، لذلك فإن حجم ونطاق أي تزوير يزعم أنه يتدفق عبر حسابات "نورديا" غير معروف في الوقت الحالي.
كما تركز الانتباه أيضا على أنشطة مصارف أخرى في إستونيا بعد مشاكل "دانسكي بنك" هناك. تركز الانتباه بشكل خاص على "سويدبنك" الذي كانت حصته من الدفعات عبر الحدود في إستونيا، تأتي في المرتبة الثانية بعد "دانسكي بنك"، ما تسبب بجعل المستثمرين المتوترين يخفضون أسهمه بنحو 10 في المائة في الشهر الماضي.
"سويدبنك" أخبر صحيفة "فاينانشيال تايمز" أنه أجرى تحقيقا خاصا يبحث في زبائنه ومعاملاتهم مع "دانسكي بنك"، واستنتج أنه لا يوجد زبائن في "سويدبنك" من أي من الأسماء التي لديها ارتباط بـ"دانسكي بنك".
وقال إن لديه نموذج أعمال "مختلفا اختلافا جوهريا" عن "العمليات الخاصة" في "دانسكي بنك"، لأن "سويدبنك" مصرف تجزئة في منطقة البلطيق، يركز على الزبائن المحليين وغير المقيمين. على عكس "دانسكي بنك"، كانت حصته السوقية للدفعات عبر الحدود أقل من حصته قياسا بحجم ميزانيته العمومية.
مع ذلك، فقد تعرض "سويدبنك" للانتقاد من قبل البنك المركزي في ليتوانيا بسبب "أوجه القصور في أنظمته للرقابة الداخلية ".
"هاندلسبانك"، المصرف الاسكندنافي الكبير الوحيد الذي لم يدخل منطقة البلطيق، تلقى توبيخا مماثلا من قبل المنظمين في المملكة المتحدة عن "نقاط الضعف الخطيرة" في مكافحة الجرائم المالية بسبب إخفاقات الإدارة العليا.
استثمرت جميع المصارف الاسكندنافية بشكل كبير في الامتثال في الأعوام الأخيرة، فيما كان "دانسكي" و"نورديا" يغلقان فروعهما في منطقة البلطيق.
وعد براودر بالبحث في المزيد من المصارف في الوقت الذي يتبع فيه مسار المعاملات من الاحتيال المزعوم بقيمة 230 مليون دولار، ما وجده هو وآخرون يشجع منتقدي المصارف.
جادل هالو من المؤتمر النقابي التجاري السويدي أن المصارف السويدية، التي يتضاءل حجم الاقتصاد أمام قيمة أصولها، تحتاج إلى الاحتفاظ بقدر كبير من رأس المال لحماية دافعي الضرائب من أخطائها المحتملة.
وقال: "السويد لديها قطاع مصرفي كبير يأتي ومعه المخاطر. يبدو أن المصارف السويدية تتصرف بطرق غير مقبولة".

إطار
شوائب أسلوب تنظيمي غير رسمي

ربما لا يقتصر الأمر على المصارف فحسب. واصل المنظمون جهودهم أيضا من أجل التدقيق المكثف في فضائح غسل الأموال في اسكندنافيا.
سلطة الإشراف المالي الدنماركية، اجتذبت الانتقادات بسبب إشرافها على "دانسكي بنك"، بعد أن أصدر المنظمون في إستونيا عدة إنذارات بشأن المصرف.
ياسبر بيرج، رئيس سلطة الإشراف المالي الدنماركية، أقر في الشهر الماضي بأن الجهاز ربما كان يعتمد بصورة كبيرة فوق الحد على ما كان المصرف يقوله له بدلا من البحث في نوعية المعلومات نفسها.
وأضاف: "الآن بعد مرور هذه الفترة الزمنية ربما كان الزملاء في ذلك الحين يرغبون لو كنا نقوم بالتدقيق بشكل أكبر. كان هناك الكثير من تلوث المعلومات من الفرع الإستوني للمصرف".
الآن قرر الجهاز التنظيمي أن يجعل مجلس إدارة "دانسكي" ورئيسه التنفيذي مسؤولين عن المعلومات التي تقدم إلى الجهاز.
قال بو بيكر، أستاذ في كلية ستوكهولم للاقتصاد، إن هذا يسلط الضوء على نقاط ضعف محتملة كبيرة لدى الأجهزة التنظيمية الاسكندنافية وقدرتها على إنفاذ قوانين مكافحة غسل الأموال.
وأضاف: "الأجهزة التنظيمية الاسكندنافية تعمل وفق أسلوب غير رسمي، فهي لا تعتمد على الوثائق بقدر ما تعتمد على أسلوب ناعم يقوم على التحدث مع الأشخاص.
وهي تشعر أن هؤلاء الناس يتمتعون بميزة، على اعتبار أنهم يعلمون ما يجري، لكن يمكن أن يفوتوا بعض الأمور".
بيل براودر، الذي تقدم بشكاوى جنائية ضد مصرفي دانسكي ونورديا، قال إن هناك موضوعا آخر، وهو الاعتماد على مجموعة غير منتظمة من القواعد الوطنية للتعامل مع الجرائم التي تتجاوز حدود البلدان.
وأضاف: "في حين أن من السهل بالنسبة للعاملين في غسل الأموال إجراء التعاملات خلال أيام في مصارف موجودة في عدة بلدان، إلا أن سلطات إنفاذ القانون تستغرق سنوات لتجميع الأدلة بشأن التعاملات المذكورة، وهذا يسهم في عزوفها عن إطلاق التحقيقات".
رازموس يارلوف، وزير الأعمال الدنماركي، قال إن سلطة الإشراف المالي بحاجة إلى الإصلاح.
وكتب على فيسبوك: "من الواضح أنه لا بد من تعزيز الإشراف وإجرائه بطريقة مختلفة عن الطريقة التي كان يتم بها خلال الفترة 2007 – 2015، عندما كان في الإمكان أن نرى أن أكبر حالة من غسل الأموال في أوروبا، وقد مرت دون أن يتم اكتشافها".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES