Author

مبادرات الإصلاح الاقتصادي .. وأداء الميزانية

|

أصدرت وزارة المالية التقرير الربعي لأداء الميزانية العامة للدولة للربع الثالث من السنة المالية 1439/ 1440هـ "2018"، وباختصار يمكن أن نضع عنوانا عريضا لهذا التقرير وهو نجاح مبادرات إصلاح الدعم، لقد كان الدعم أحد أكبر مشاكل المالية العامة في المملكة، بل على مستوى الاقتصاد ككل، فالدعم يجب أن يصل إلى مستحقيه من المواطنين، وأن يكون عادلا في التوزيع، والعدل هنا لا يعني المساواة بين الناس، بل يجب أن يصل الدعم لمن هو في حاجة ماسة إليه، ذلك أن المساواة في توزيع الدعم ينتج عنها زيادة الفجوة بين الطبقات، وهي مشكلة اجتماعية ذات آثار عميقة سلبية، والمشكلة الأخرى مع الدعم هي صعوبة تغيير الممارسات القديمة، التي ركزت على دعم سعر المنتجات والخدمات مثل الكهرباء والوقود والسلع المختلفة، وهذا أوجد توزيعا غير عادل فالأقدر على الوصول لكميات كبيرة من هذه المنتجات كان هو الأكثر حظا بالدعم، والأكثر هدرا لها هو الأكثر فوزا بالدعم، وهذا مما لا يمكن الاستمرار فيه، لكن وبرغم الإيمان العميق بالمشكلة وحاجتها للحل فقد كانت الحلول شبه معدومة، والجرأة عليها إن وجدت ضعيفة، ولكن اليوم ومع ملك الحزم والعزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ومعه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان جاءت الحلول بقوة وجرأة، حيث تم العمل بشكل جدي وصريح على إصلاح المالية العامة، من حيث إيجاد موارد غير نفطية ومن بينها ضريبة القيمة المضافة، والضريبة الانتقائية، ثم تم تعديل أسعار الكهرباء والوقود تمهيدا لرفع الدعم، وفي نفس الوقت تم إضافة حساب المواطن وهو برنامج فريد من نوعه أشادت به المؤسسات الدولية، وتم أيضا إضافة بدل غلاء معيشة للمواطنين، وبهذا فإن إصلاحا جوهريا ظهر على مشكلة الدعم وتوجيهه.
لقد كان المراقبون يخشون من نتيجة إعادة توزيع الدعم ورفع أسعار وقود الطاقة، أن تكون لها انعكاسات اقتصادية سلبية، فحساب المواطن كان بالمليارات، وكذلك بدل غلاء المعيشة، إضافة إلى قلق من تأثير الضرائب على النمو، ما يضعف من دخل الضرائب عموما، وبالتالي انخفاض نمو الإيرادات بشكل عام والإيرادات غير النفطية بشكل خاص، إضافة إلى ضعف التجربة السعودية في تحصيل هذه الأنواع الجديدة من الضرائب، لكن جاءت المؤشرات المالية لأداء الميزانية العامة للدولة للربع الثالث من السنة المالية 1439/ 1440هـ "2018"، على نحو مخالف لكل التوقعات السلبية، وجاءت النتائج إيجابية بشكل كبير ومحفز، فقد بلغ إجمالي الإيرادات بنهاية الربع الثالث 663.113 مليار ريال بنسبة نمو بلغت 47 في المائة، مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي، وبلغت الإيرادات غير النفطية بنهاية الربع الثالث 211.051 مليار ريال بنسبة نمو بلغت 48 في المائة، مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي، وهذا دليل على نجاح تطبيق مبادرات تعزيز الإيرادات غير النفطية، وقد انخفض العجز المتوقع في الربع الثالث إلى 7.287 مليار ريال، كما بلغ عجز الميزانية حتى نهاية الربع الثالث 48.977 مليار ريال، مقارنة بـ121.458 مليار ريال خلال الفترة المماثلة من العام الماضي، ومقابل 194.657 مليار ريال لإجمالي العام في الميزانية المعتمدة. وهذا يدل بكل جلاء على أن تطبيق أسلوب الدعم الجديد لم ينتج عنه أي آثار سلبية على المصروفات، ولهذا جاء تصريح وزير المالية أن هذا التحسن الذي يعكسه انخفاض معدلات العجز، سواء مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي 2017، أو مقارنة بالميزانية المعتمدة، يأتي على الرغم من زيادة الإنفاق الاجتماعي على مبادرات متعددة مثل حساب المواطن، وبدل غلاء المعيشة، وزيادة النفقات الرأسمالية على البنية التحتية.
فالواقع إذن يشير إلى إصلاح عميق في أداء المالية العامة، وبعد أن كان الدعم مشكلة في التوزيع، أصبح يصل الآن إلى المواطن المستحق له مباشرة، وهذا أيضا قدم إصلاحات أخرى غير مباشرة على سوق العمل ومن المتوقع أن تأتي ثمارها قريبا، كما أن توجيه المصروفات نحو التراكم الرأسمالي من خلال البنية التحتية سيسهم بشكل أكبر في تنويع الاقتصاد والنمو الإيجابي الكبير المتوقع في المستقبل.

إنشرها