FINANCIAL TIMES

تغير المناخ .. أحفادنا ينتظرهم كوكب آخر غير كوكبنا

تغير المناخ .. أحفادنا ينتظرهم كوكب آخر غير كوكبنا

بقيت خمس دقائق ويحل منتصف الليل ومعه ساعة الحساب على تغير المناخ. يجب أن نغير مسارنا بسرعة كبيرة إذا أردنا الحصول على فرصة جيدة للحد من ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية إلى أقل من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. كان هذا هو هدف اتفاق باريس عام 2015. تحقيقه يعني الحد من الانبعاثات بصورة جذرية بدءا من الآن. لكن من المستبعد جدا أن يحدث هذا. لم يعد السبب في ذلك أن الأمر مستحيل من الناحية الفنية، بل لأنه صعب سياسيا. بدلا من ذلك نحن عازمون على إدارة رهان لا رجعة فيه على قدرتنا على التعامل مع عواقب ارتفاع أكبر بكثير من درجتين مئويتين. سينظر أولادنا إلى هذا الأمر على أنه جريمة.
أحدث تقرير صادر عن اللجنة الدولية للتغير المناخي يدور حول الآثار المترتبة على ارتفاع درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية فقط وكذلك حول الوسائل التي من الممكن أن تحقق ذلك. هذا يبدو مثل نظرية البرهان بالعكس النقيض reductio ad absurdum - توضيحا لعدم عقلانية الفرضية. لكنه يوضح أيضا المخاطر التي يواجهها العالم إذا تم تجاهل هذا الحد: ستستمر الحياة، لكن ليست الحياة التي نعرفها.
يكمن وراء هذا التقرير فكرة الأنثروبوسين - عصر أصبح فيه النشاط البشري المؤثر هو المسيطر على هذا الكوكب. يشير التقرير إلى أن الزيادة في تركيزات ثاني أكسيد الكربون العالمية تبلغ 20 جزءا في المليون في كل عقد. وهذا أسرع عشر مرات من أي ارتفاع مستمر في نسبة ثاني أكسيد الكربون خلال الـ 800 ألف عام الماضية. كانت الفترة السابقة التي تحتوي على تركيزات ثاني أكسيد الكربون المشابهة لتركيزات اليوم هي فترة البليوسين، منذ ثلاثة إلى 3.3 مليون عام. نحن من نشكل الكوكب اليوم. هذا يجب أن يغير طريقة تفكيرنا. لكن للأسف، لم يحدث ذلك.
يجب أن تكون نقطة البداية لأي تحليل هي الحجج النظرية والتجريبية الهائلة لتغير المناخ الذي تسبب فيه الإنسان. منذ وقت ليس ببعيد تحدث الناس عن "وقفة" في ظاهرة الاحتباس الحراري. وكن هذا كان بمنزلة مقارنة من صنع الإنسان بين سنة إل نينيو (ارتفاع درجة حرارة المحيط الهادئ الشرقي الاستوائي) في 1997- 1998 وبين السنوات العادية (وإن كانت حارة) التي تلت ذلك. لكن ظاهرة إل نينيو خلال 2014 – 2016 فاقت الرقم القياسي السابق بكثير. الارتفاع في متوسط درجات الحرارة فوق متوسط ما قبل الثورة الصناعية هو بالفعل نحو درجة واحدة مئوية. هذا يدل على مدى صعوبة الحفاظ على الزيادة النهائية دون 1.5 درجة مئوية، أو حتى درجتين مئويتين. في إطار "المساهمات المحددة وطنيا"، نحن في الواقع في مسار متجه إلى ارتفاع درجة حرارة إلى 3-4 درجات مئوية بحلول عام 2100. وقد تنصل دونالد ترمب بالفعل من تعهد الولايات المتحدة. وقد تفشل بلدان أخرى أيضا.
إذن، ما الذي ينبغي أن يتغير إذا كان لدينا فرصة كبيرة للحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة النهائية دون 1.5 درجة مئوية؟ يجب أن تنخفض الانبعاثات العالمية الصافية لثاني أكسيد الكربون إلى الصفر بعد فترة ليست طويلة من عام 2040، وهناك مصادر أخرى لتغير المناخ - انبعاثات غاز الميثان وأكسيد النيتروز، مثلا - ستحتاج أيضا إلى الانخفاض بدءا من عام 2030. الانخفاض في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصافية إلى الصفر بحلول عام 2055 يجعل فقط من المحتمل لارتفاع درجة الحرارة أن يكون أقل من درجتين مئويتين. الاختلاف في نصف درجة أمر مهم بشكل مدهش. وتذكر اللجنة الدولية للتغير المناخي أن "الإبقاء على ارتفاع درجة حرارة العالم دون 1.5 درجة مئوية من المتوقع أن يقلل من المخاطر على التنوع البيولوجي البحري، ومصائد الأسماك، والنظم البيئية ووظائفها وخدماتها للبشر، كما يتضح من التغييرات الأخيرة في جليد القطب الشمالي والنظم البيئية للشعاب المرجانية في المياه الدافئة". هذا أمر مهم.
ويناقش التقرير عددا من المسارات المختلفة المؤدية إلى الانخفاض الهائل في الانبعاثات التي يتطلبها بلوغ هدف 1.5 درجة. يجب أن تنخفض الانبعاثات من الصناعة بنسبة 75 إلى 90 في المائة بحلول عام 2050، مقارنة بعام 2010. وهذا يحتاج إلى مزيج من عمليات الكهربة، والهيدروجين، والمواد الأولية المستدامة القائمة على أساس حيوي، واستبدال المنتجات.
تم إثبات هذه الخيارات من الناحية الفنية، لكن نشرها على نطاق كوكبي أمر آخر. تخفيض الانبعاثات عن طريق تحسين الكفاءة - وهو أمر حيوي، كما يجادل أموري لوفينز، من "روكي ماونتين إنستتيوت" - لن يكون كافيا. من الضروري أيضا إجراء تغييرات كبيرة في البنية التحتية والتخطيط المدني. تحتاج الزراعة إلى التحول إلى إنتاج محاصيل الطاقة على نطاق واسع. وسيكون من الضروري أيضا احتجاز الكربون وتخزينه على نطاق واسع.
بشكل عام، نحن بحاجة إلى تحويل العالم الآن إلى مسار استثمار ونمو مختلف. هذا من الناحية الفنية أمر ممكن بصورة أكبر مما كنا نعتقد. لكنه صعب للغاية من الناحية السياسية. فبالدرجة الأولى، يتعلق تغير المناخ بقضايا توزيع ضخمة - بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة، وبين البلدان التي تسببت في المشكلة وتلك التي لم تفعل، وبين البلدان المهمة للتوصل إلى الحل والبلدان غير المهمة، ولا سيما بين الناس اليوم، الذين يتخذون القرارات، والناس غدا، الذين سيعانون النتائج. الاتجاهات الطبيعية هي إما عدم فعل أي شيء، مع الإصرار على عدم وجود مشكلة، أو الاتفاق على وجود مشكلة، والاكتفاء بالتظاهر بالعمل. ليس واضحا أي نوع من التعتيم أسوأ من الآخر.
أحد الحجج ضد العمل هو أننا لا نعرف ماذا سيتبين حول مدى تكلفة تغير المناخ. لكن من الواضح أن هذه الحجة تقطع كلا الطريقين. مستوى عدم اليقين هو حجة للعمل، وليس التقاعس عن العمل. لا أحد يعرف حقا ما هي المخاطر التي ستكتشف البشرية أنها أدارتها في نهاية المطاف من خلال استمرارها في مسارها الحالي. لكننا نعرف أن أحفادنا من المحتمل أن ينتهي بهم المطاف في كوكب آخر، دون أي طريق للعودة إلى كوكبنا. الخطر الذي سيتعامل معه أحفادنا قد يكون صحيحا، لكنه أيضا قد يكون كارثيا. يجب أن يكون الاختيار العاقل هو الحفاظ على كوكبنا.
لكن فعل ذلك يتطلب، كما هو واضح الآن، جهودا تعاونية على نطاق كوكبي. لن يتحقق ذلك عن طريق خطوات صغيرة على الأطراف. هذا مستوى تحد لم يواجهه البشر تاريخيا إلا في أوقات الحرب، وفقط ضد بعضهم بعضا. تبدو فرص العمل التعاوني قريبة من الصفر في العالم القومي اليوم. لا يحتاج المرء إلا إلى النظر في الاستجابة لهذا التقرير من اللجنة الدولية للتغير المناخي - وهو في الأساس تثاؤب جماعي - لفهم ذلك. لكن دعونا لا نخدع أنفسنا: إننا نخاطر بعالم من الفوضى المناخية المنفلتة – التي لا يمكن السيطرة عليها. يمكننا أن نفعل أفضل من ذلك بكثير.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES