Author

خامنئي تحت رحمة شعبه الغاضب

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"سنفرض عقوبات على إيران لم يسبق لها مثيل، وهي في مصلحة الشعب الإيراني" مايك بومبيو، وزير خارجية الولايات المتحدة يعترف حتى أولئك الذين لا يزالون يتعاطفون "لأسباب بائسة" مع إيران، بأن العقوبات الأمريكية الجديدة التي ستفرض في غضون أيام، ستكون الأقسى على الإطلاق، بل ستكون علامة مميزة في سجل العقوبات على الصعيد العالمي. ولا توجد أي فرصة لتخفيف العقوبات المزمعة، أو حتى تأخيرها بعض الشيء. فالقرار الذي اتخذته إدارة الرئيس دونالد ترمب، لا رجعة ولا تعديل فيه، بينما تشهد الساحة الإيرانية مصيبة إثر أخرى على الصعيد الاقتصادي المعيشي. الاحتجاجات الشعبية تنطلق هنا وهناك، والتقاتل السياسي حتى داخل المؤسسة الحكومية يزداد مع مرور الوقت، وطبعا الاتهامات المتبادلة لا تتوقف، حول مسؤولية الجهة عما يحدث بالنسبة للبلاد كلها. الكل يتهم الكل. وبعضهم يرون أن الحل الوحيد هو تغيير الحكومة، لا تغيير النظام الذي لولاه لما حل الخراب. في إيران الآن بلغ عدد المصانع التي أغلقت 70 في المائة، وفق مصطفى مير سليم المرشح الرئاسي السابق والعضو الحالي في مجلس تشخيص النظام. وهذا الأخير، لم يتوقف عن انتقاد الفساد والمحسوبيات وعدم استخدام الكفاءات في الوزارات. والحق أن الفساد في إيران يسبق أي عقوبات أمريكية كانت أم غيرها، وهو جزء أصيل من استمرار حياة نظام الملالي. وعلى الرغم من كل الإجراءات التي اتخذت ضد هذا الفساد، فالنتيجة تبقى سلبية؛ لأن الفاسدين الحقيقيين لا يزالون في السلطة وفي مفاصل الحكم. والسخرية تكمن في أن فاسدين معروفين كلفوا من قبل خامنئي وأتباعه المخلصين بملاحقة الفاسدين؛ أي أن الحرامي صار رسميا الشخص الذي سيقبض على الحرامي الآخر! الكل بات يعرف حقيقة الخراب الاقتصادي في الساحة الإيرانية. هذا الخراب أظهر حقائق خطيرة للغاية. صحيح أن العقوبات الأمريكية أسهمت في الضغط على النظام الإرهابي الحاكم، لكن الصحيح أيضا أن إيران لم تشهد ازدهارا يذكر منذ اغتصاب الخميني وأتباعه الحكم في البلاد. وتكفي الإشارة إلى الانهيار الفظيع للعملة منذ أول أيام الخميني حتى الآن؛ أي منذ عام 1979 إلى عامنا الحالي، حيث خسرت 600 في المائة من قيمتها، ناهيك عن فقدانها أكثر من 75 في المائة من سعرها منذ مطلع العام الجاري. هذا تأكيد آخر على أن المصائب التي تنهال على الشعب الإيراني لم تأت من العقوبات السابقة والحالية، وأن المشكلة الرئيسة هي أن النظام الحاكم يوجه منذ عقود ثروات ومقدرات البلاد إلى خارجها في دعم دنيء للإرهاب والقتل، وإشعال الحروب في بلدان أخرى آمنة. ولا شك في أن العقوبات الأمريكية المنتظرة في الأيام القليلة المقبلة، ستسهم في مزيد من خلخلة موقع على خامنئي وعصاباته؛ لأن الانفجار الشعبي جاهز في أي وقت، حتى لأي سبب. ففي الأيام الماضية، ارتفعت أسعار السلع والمواد الغذائية 100 في المائة! وفقا للأرقام الرسمية. وهذا ما دفع السلطات إلى التفكير في طرح برنامج القسائم، الذي يستخدم عادة في أوقات الحروب، وعندما تصل اقتصادات البلاد إلى الهاوية. ومع فرض العقوبات الأمريكية سيرتفع الضغط على المالية العامة أكثر، خصوصا مع تطبيق حظر تصدير النفط الإيراني، وهذه النقطة هي الأسوأ بالنسبة لنظام علي خامنئي، الذي بلغ حدا مروعا على صعيد الخنق المالي، بما في ذلك الحصار الذي فرضته واشنطن على أطراف تسهم في توفير التسهيلات المالية لهذا النظام، بما في ذلك مؤسسات وأفراد. لم يكن غريبا في الأسبوع الماضي "مثلا" قيام مظاهرات في عدد من مناطق طهران احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية المتردية. هذه المرة قام المتظاهرون بحرق صور علي خامنئي، وقبلها رفعت الشعارات التي تقول "الموت لخامنئي"، و"يسقط حزب الله الإرهابي"، وغير ذلك من الصفات التي تستهدف النظام والعصابات الإرهابية التي يمولها هنا وهناك. المثير دائما، وفي كل مظاهرة، تنوع الشرائح المشاركة فيها. ففي المظاهرات الأخيرة "مثلا"، شارك الطلاب والمزارعون والمعلمون وموظفو الحكومة. فالخراب الاقتصادي - المعيشي في إيران يشمل الجميع، ما عدا أولئك الذين يتبعون "المرشد". هؤلاء يتمتعون بأفضل الامتيازات، لكن حتى هذه الامتيازات ستذهب في غضون أيام، عندما تضرب العقوبات الأمريكية الجديدة الساحة مجددا. هذه المرة المنع يشمل التعاطي المالي مع طهران أو أي جهة تعمل لحسابها، بل إن كبار الموظفين في إدارة ترمب يعملون حاليا لحظر إيران من نظام "سوفت" المالي العالمي. لا شك في أن إيران ستشهد مزيدا من الاحتجاجات والتمردات في المرحلة المقبلة، فكل شيء معرض للتوقف في البلاد، حتى المصانع الصغيرة جدا التي لا تعتمد عادة على القطع والمواد الأولية الآتية من الخارج. فالإيرانيون لم يعودوا يتحملون هذا الخراب الذي ضربهم منذ أربعة عقود. إنه الخراب الذي لا بد أن ينتهي مع النظام الذي جلبه.
إنشرها