FINANCIAL TIMES

إغلاق صنابير السيولة يضعف الرؤية في أسواق المال

إغلاق صنابير السيولة يضعف الرؤية في أسواق المال

إذا سبق لك أخذ أطفال إلى متحف الخدع البصرية، فستعرف عن المرآة اللانهائية. عندما تنظر إلى تلك المرآة تبدو لك الأضواء الموجودة حول حافتها مستمرة إلى ما لا نهاية. يمنحك هذا شعورا بأن المسار إلى المستقبل واضح ومضاء بشكل جيد. هذا هو ما تشعر به أسواق الأسهم في فترات السياسة النقدية المتساهلة بشكل كبير.
عندما تكون النقود رخيصة ومتوافرة باستمرار كل شيء يبدو واضحا وسلسا. ترتفع الأسواق مهما حدث، ما يترك الحرية للمستثمرين في سرد أي قصة تحلو لهم عن السبب وراء هذا. من السهل تصديق أن شركات التكنولوجيا التي تحقق أرباحا لا تتجاوز ملايين قليلة، لها قيمة تساوي مليارات كثيرة. أو كما أخبرني مدير صندوق في الشهر الماضي، أساليب التقييم التقليدية للأسهم لم تعد هي المعيار - كل ما نحتاج إلى التفكير فيه قبل أن نستثمر هذه الأيام هو كيف تستجيب الشركة المعنية إلى التحول الرقمي.
أي شيء آخر لا يهم. يمكنك أن تصدق أن من الممكن تماما ألا يكون لدى الشركة خطة واضحة لنهاية مرحلة حرق النقود، ما دام تقييمها مستمرا في الارتفاع. مثلا، تمويل ثلاث ماركات مختلفة لـ "سكوترات" كهربائية ذكية، لا تتطلب محطات وقوف مخصصة على شوارع مدريد، قد يكون أمرا يجدر فعله. "في الأسبوع الماضي رأيت سكوترات من "فوي" و"ويند" و"لايم" منتشرة على الأرصفة".
يمكنك أن تصدق أن "منحنى فيليبس" مات حقا: حزب العمال لن يستعيد القدرة على إحداث فارق حقيقي في الأجور الحقيقية. وحتى لو استطاع، أصبح العمال يشكلون جزءا ضئيلا من قاعدة تكاليف الشركات. وببساطة، أصبحوا لا يؤثرون بشكل كبير في هوامش الأرباح. ويمكنك أن تعتقد أن الشركات العالمية لن تخضع أبدا للضرائب، أو النزوات التنظيمية للحكومات ذات السيادة. هذه المرة كل شيء مختلف.
كل هذا مجرد وهم بالطبع. أطفئ الكهرباء في المتحف، وستجد أن الأضواء الساطعة التي تمكنك من رؤية مسار لا نهائي واضح قد اختفت. أغلق صنابير السيولة لدى المصارف المركزية في العالم، وسيحدث الأمر ذاته مع قدرة السوق على تصديق "سبعة أشياء مستحيلة قبل الإفطار".
هذا هو السبب في أن جميع أسواق الأسهم تقريبا عانت شهرا رهيبا. تراجعت جميع المؤشرات تقريبا ـ ما يصل إلى 14 في المائة خلال الأسابيع الأربعة الماضية، و24 في المائة خلال العام. الأسواق الرئيسية الوحيدة التي بقيت في المنطقة الإيجابية على مدار العام هي تلك التي في الولايات المتحدة وروسيا.
الأمر المفاجئ هنا ليس أن الأسواق انهارت، لكن أن ذلك لم يحدث في وقت أبكر، بالنظر إلى أنها من المفترض أن تستبعد آثار الآليات "التي تحرك الأسواق"، وتستجيب بطريقة عقلانية إلى جميع المعلومات المتاحة.
تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة لم يكن سرا. فقد تم الإعلان بشكل جيد عن النهج المزدوج المتمثل في تقليص مقتنيات البنك المركزي ورفع أسعار الفائدة في الوقت نفسه. كذلك نية الحكومة الصينية محاولة تقلص المديونية لم تكن سرا. الأمر ذاته ينطبق على تقليص التسهيل الكمي في اليابان، وعلى نية البنك المركزي الأوروبي الانسحاب منه تماما. انخفضت مشتريات الأصول من البنك المركزي الأوروبي من 60 مليار يورو شهريا في عام 2017 إلى 30 مليار يورو في كانون الثاني (يناير) 2018. ويتوقع رئيسه، ماريو دراجي، أن تنخفض مرة أخرى في هذا الربع، بهدف إنهائها تماما بحلول نهاية العام.
كل هذا الخفض والرفع قد يكون، أو لا يكون، فكرة جيدة - ليس بالضرورة أن الجميع يريدون تشديد السياسة النقدية في أوروبا في وقت يبدو فيه الاقتصاد الألماني دون المستوى المطلوب وتحاول إيطاليا إثبات سيادتها المالية.
مهما كان رأيك في الأمر، فلا شك أن أضواء السيولة خفتت لبعض الوقت، إن لم تكن قد أطفئت بالفعل. بشكل مفاجئ، أصبح ما يهم ليس مقدار المال الذي يطبع، أو متى وأين يطبع، بل أين نجد أنفسنا في الواقع. في حالة أسواق الأوراق المالية هذا يعني أن السياسة بدأت تصبح مهمة مرة أخرى – لكنها، في الأساس، تعني أن المستثمرين بدأوا يركزون بشكل صحيح على النقود والتقييمات.
لا ينبغي أن ينظر إلى تشرين الأول (أكتوبر) على أنه نهاية السوق الصاعدة "انظر إلى أرقام الأداء السنوية لمعظم الأسواق وسترى أن السوق الصاعدة انتهت منذ فترة". لكن يمكن اعتبار هذا الشهر هو نقطة تحول الأسواق من كونها مدفوعة بالسيولة إلى كونها مدفوعة بالأساسيات. بالنسبة إلى الذين وجدوا أنفسهم في مواقع غير مواتية مع هذا التغيير "قد يكونون مستثمري النمو الأقل تدبرا" هذا أمر سيئ للغاية. أما بالنسبة إلى بقيتنا، فإن هذا خبر جيد. خبر جيد جدا.
أولا، بعض الأمور التي صدقها مديرو الصناديق قبل بضعة أشهر يمكن أن تكون صحيحة جزئيا. أرباح الشركات الأمريكية تبدو جيدة. نحو 40 في المائة من الشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد آندر بورز 500 أبلغت عن أرباحها في الموسم الحالي، ونحو 80 في المائة منها تمكنت من تحقيق مفاجأة إيجابية. التحول الرقمي قد يكون إلى حد كبير في سبيله إلى تحويل الإنتاجية في الاقتصادات المتقدمة. وهناك مجال واسع بقدر أي وقت مضى لمحو الصناعات التقليدية من قبل المعطلين الماكرين. "مع ذلك، ما زلت أؤمن بقوة أن مدريد بحاجة إلى مزود سكوترات ما بين الصفر والواحد، بدلا من بين الواحد والثلاثة".
ثانيا، أسواق الأسهم خارج الولايات المتحدة في الواقع لم تعد مكلفة للغاية، وبعض أجزائها يبدو أنها أصبحت توفر بعض القيمة. ينبغي أن يرضي هذا مستثمري الأمد الطويل.
يجدر بهذا أيضا أن يكون مثيرا للغاية بالنسبة إلى صناعة الاستثمار النشط. هذا النوع من البيئة غير الواضحة هو بالضبط النوع الذي تستطيع فيه تلك الصناعة أن تجرب حظها مرة أخرى في إثبات أن مهاراتها الخاصة في انتقاء الأسهم تستحق الرسوم التي تدفع مقابلها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES