Author

أعطني مشاعر

|
تبذل "مكافحة التسول" جهودا حثيثة للقضاء على ظاهر التسول، وتزداد وتيرة التسول كظاهرة في مواسم معينة، كالأعياد وشهر رمضان المبارك، وأيام الجُمع والمناسبات الدينية، فالمتسول يعزف على وتر الأجر والدعاء، ويستدر عطفك بحكايات محبوكة، تحرك مشاعر الرحمة في داخلك، وتدفعك لأن تمد يدك في جيبك وتجود عليه من مالك، وربما كان رصيده يفوق رصيدك بعشرات المرات، وهذه حقيقة لن تتمكن من معرفتها إطلاقا. ومع هذا "الرتم" المتسارع لعصرنا الحالي، وانشغال الناس بظروفهم المختلفة، وتباعد العلاقات الاجتماعية، وافتقاد المشاعر الإنسانية الصادقة، وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على أوقاتهم، قد نرى تسولا من نوع آخر، من يدري؟! تخيل أن تقف أمام إشارة حمراء، فيطرق زجاج سيارتك متسول فتمد يدك إلى محفظتك وتخرج نقودا لتعطيها إياه، فيقول لك بأدب: لا أريد مالا أريد مشاعر، أنا أشعر بالوحدة، وأحتاج إلى شخص أفضفض له، فهل ستركن سيارتك جانبا وتمنحه شيئا من وقتك لتستمع إليه؟ وتخيل أنك تسير في السوق فيتبعك طفل صغير وهو يتوسلك أن تلتفت إليه، وحين تهم بفتح محفظتك يقول لك: لا يا عمي، أنا أحتاج منك حضنا أبويا، فوالداي مشغولان ولا أحد يمنحني الحنان والعطف. ما أصبح يعانيه بعض الناس من شح المشاعر والجفاف العاطفي وعدم الاهتمام، هو مؤشر خطير يدفعنا إلى التساؤل بصدق: - ماذا يمنع الزوج من مهاتفة زوجته أثناء عمله ليقول لها كلمة جميلة تشعرها بحبه لها؟ - لماذا يبخل الأبوان بحضن دافئ لأبنائهما أثناء اليوم ويخبرانهم كم يعنون لهم؟! البعض يبحثون عن أعذار للزوج بقولهم: "الإنسان ابن بيئته"، ولذلك قالوا إن الرجل الخليجي عادة لا يجيد الكلام الناعم والغزل؛ نظرا للصحراء التي عاش فيها، ولو راجعنا التاريخ لوجدنا أن قيس بن الملوح وعنترة بن شداد ونمر ابن عدوان وغيرهم ممن فاضت قرائحهم الشعرية بأعذب ترانيم الحب، كانوا أبناء الصحراء، وعانوا قيظها وسمومها. لم نعد نرغب في سماع مزيد من هذه المقولات المزيفة بأن الرجل لا يجيد التغزل والكلام الناعم، فمعظم قصائد الحب الخالدة كتبها شعراء، ومعظم الروايات العالمية التي تدور حول الحب قام بكتابتها مؤلفون. لا نريد أجيالا "تشحذ" الاهتمام والمشاعر، ولا نريد زوجات ساخطات بسبب الجفاف العاطفي، ولا نريد غدا أن تستبد بنا الحيرة أمام إشارات المرور، فلا ندري هل المتسول "يشحذ" المال أم المشاعر؟

اخر مقالات الكاتب

إنشرها