FINANCIAL TIMES

إيطاليا و«خروج بريطانيا» تحديان أمام البنك المركزي الأوروبي

إيطاليا و«خروج بريطانيا» تحديان أمام البنك المركزي الأوروبي

تصاعد التوتر بين بروكسل وروما، والشكوك حول السياسة النقدية، والمخاوف بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون التوصل إلى اتفاق تحديات خطيرة تواجه البنك المركزي الأوروبي.
أظهر استطلاع للرأي في أوساط مديري المشتريات، يتابعه المراقبون عن كثب، أن الشركات في المنطقة تعاني من أجل التغلب على التوترات التجارية العالمية المتزايدة - وأن التباطؤ المدفوع بالصادرات بدأ يؤثر على قطاع الخدمات الأوسع نطاقا بكثير.
لم تغير مثل هذه المشاكل من تفكير البنك المركزي الأوروبي منذ آخر اجتماع كبير له منذ ستة أسابيع. فلا يزال البنك يصر على أنه سيوقف برنامج التسهيل الكمي البالغ 2.5 تريليون يورو - والذي لعب دورا حيويا في تعزيز الانتعاش في منطقة اليورو - بحلول نهاية العام. وهو يجادل بأن النمو لا يزال قويا وذا نطاق واسع بما فيه الكفاية للمضي قدما في خططه للتخلص التدريجي من التسهيل الكمي.
يجتمع مجلس محافظي البنك يوم الخميس، ومن المؤكد أن بيانه الذي سيصدر عقب الاجتماع سيؤكد على هذه الخطط. ويتوقع من صناع السياسة أن يؤكدوا مجددا أنهم يتوقعون إبقاء أسعار الفائدة عند مستويات قياسية منخفضة "خلال صيف" العام المقبل.
لكن عندما يتحدث رئيس البنك، ماريو دراجي، إلى الصحافة من المؤكد أنه سيواجه أسئلة حول إيطاليا واستراتيجية البنك والمخاطر المرتبطة بخروج بريطانيا.
ففي خطوة غير مسبوقة، رفضت المفوضية الأوروبية مشروع الموازنة الذي اقترحته الحكومة الشعبوية في إيطاليا، التي هي واحدة من أكبر الاقتصادات في المنطقة.
التوترات حول خطط الحكومة الشعبوية بتحمل عجز كبير في الميزانية أدت إلى رفع تكاليف الاقتراض في روما. الآن يبلغ العائد على السندات الحكومية الإيطالية لأجل عشر سنوات 3.59 في المائة، مقارنة بـ 2.95 في المائة عندما اجتمع مجلس البنك المركزي الأوروبي في أيلول (سبتمبر) الماضي.
غضبت روما من رفض البنك المركزي الأوروبي تمديد التسهيل الكمي. لكن البنك لم يلاحظ علامة تذكر على أن متاعب إيطاليا تؤثر على أجزاء أخرى من منطقة العملة الموحدة. أسعار السندات وتكاليف الاقتراض لم تتحرك إلى حد كبير بالنسبة لإسبانيا والبرتغال، وهما جزآن آخران مما يسمى المنطقة الطرفية في منطقة اليورو.
وفي حين خفضت وكالة موديز تقييمها للسندات الإيطالية يوم الجمعة، كان قرار وكالة التصنيف حول روما أفضل مما كان يتوقعه المراقبون. وقد أبقى ذلك على تكاليف الاقتراض الإيطالية قابلة التحكم - على الأقل حتى الآن.
وحتى بعد أن يخفف البنك المركزي الأوروبي عمليات الشراء بموجب برنامج التسهيل الكمي، سيواجه أسئلة كبيرة بشأن استراتيجيته في المستقبل.
إحدى القضايا هي ما يجب فعله بميزانيته العمومية الموسعة بشكل ضخم؛ وقضية أخرى هي كيفية إعداد الأسواق لأسعار الفائدة الأعلى في المستقبل.
هذه الأمور سوف تتأثر بقرار خليفة دراجي، الذي سيتولى منصبه في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام المقبل. لكن رئيس البنك المركزي الأوروبي المنتهية ولايته سيلعب دورا حاسما في الأشهر المقبلة.
أحد الموضوعات الرئيسية هو كيف يعيد البنك استثمار عائدات السندات التي اشتراها بموجب برنامج التسهيل الكمي وأصبحت مستحقة الآن. وفقا لحسابات البنك المركزي الأوروبي الخاصة، عمليات إعادة الاستثمار التي من هذا القبيل ستصل إلى ما يقارب 200 مليار يورو على مدى الأشهر التسعة الأولى من العام المقبل.
ويرغب المستثمرون والمتداولون في أسواق السندات في معرفة ما إذا كان البنك سيستخدم عمليات الشراء هذه لوضع ضغط هبوطي على أسعار الفائدة طويلة الأجل. حاول الاحتياطي الفيدرالي ذلك مرتين، في الستينيات وفي بداية هذا العقد، من خلال برنامجه المسمى "أوبيريشن تويست"، الذي يتضمن شراء سندات ذات تواريخ استحقاق طويلة.
مسألة أخرى حساسة هي ما إذا كان مفتاح رأس المال الذي تم تجديده حديثا – حساب إحصائي يستخدمه البنك المركزي الأوروبي لحساب عدد السندات التي يشتريها من كل دولة من الدول الأعضاء – سيعني عمليات شراء كميات أقل من السندات الإيطالية، وكميات أكثر من السندات الحكومية الألمانية.
ويناقش البنك الآن ما سيقوله عما سيحدث لأسعار الفائدة ليس فقط خلال العام المقبل، لكن على مدار الدورة الاقتصادية.
بينوا كوير، وهو عضو تنفيذي في مجلس إدارة البنك وخليفة محتمل لدراجي، قال إن على صناع السياسة بذل مزيد من الجهد لتوضيح وتيرة ارتفاع أسعار الفائدة.
لكن أحد منافسيه لهذا المنصب، فرانسوا فيلروي دي جالو، محافظ بنك فرنسا، يجادل بأن الأفضل في الوقت الحالي أن يبقي البنك خياراته مفتوحة، على الرغم من أنه قد يضطر إلى إعادة التفكير في هذه الاستراتيجية في صيف عام 2019، إذا أصبحت الأسواق أكثر تقلبا.
من المسائل الرئيسة الأخرى، تبرز حالة عدم اليقين المتصاعد المحيط بموضوع "خروج بريطانيا"، وخطر خروجها من دون التوصل إلى اتفاق. ولم يبق وقت طويل على موعد خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي المقرر في 29 آذار (مارس)، ومع ذلك فشلت اثنتان من قمم الاتحاد الأوروبي في إحراز تقدم بشأن معاهدة الانسحاب.
وحتى الآن لم يقل البنك المركزي الأوروبي شيئا يذكر عن العواقب الاقتصادية لخروج بريطانيا وبدا أنه متردد في التورط في الجدل المشحون سياسيا حول هذه المسألة. لكنه كان يعمل مع بنك إنجلترا على واحدة من المخاطر المالية الكبيرة للخروج من دون التوصل إلى اتفاق: الخطر على عدد ضخم من عقود المشتقات.
قال بنك إنجلترا إن ما يصل إلى 41 تريليون جنيه من العقود المستحقة بعد خروج بريطانيا في خطر ما لم يعالج المسؤولون بشكل عاجل عوامل اللبس التنظيمية. البنك المركزي الأوروبي لم يصدر مثل هذا التحذير الصارخ، لكن دراجي قال الشهر الماضي إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق، فإن المصارف بحاجة إلى اتخاذ إجراء "لمعالجة المخاطر المحتملة". وكان البنكان المركزيان عاكفان على إعداد مذكرة للمفوضية الأوروبية ووزارة الخزانة البريطانية حول هذه المسألة.
معظم الشركات الكبيرة التي توفر خدمات مقاصة للمشتقات المقومة باليورو قائمة في لندن ويقدر البنك المركزي الأوروبي أن 90 في المائة من عقود تبادل أسعار الفائدة القادمة من الاتحاد الأوروبي يتم فسحها من خلال لندن.
لكن قواعد الاتحاد الأوروبي تنص على أن مصارف التكتل تستطيع فقط استخدام شركات المقاصة المرخصة. بدون اتفاق خروج، فإن بيوت المقاصة في لندن – خاصة "إل سي إتش"، و"آي سي إي كلير يوروب"، و"إل إم إي كلير" – ستخسر هذه المكانة.
وقالت الحكومة البريطانية إنها ستمنح التراخيص لشركات المقاصة الأوروبية، وتمنح تراخيص مؤقتة من شأنها السماح للشركات المالية بالاستمرار في تراخيصها التنظيمية الحالية. لكن لم يصدر أي إعلان مشابه من الاتحاد الأوروبي، والغالبية العظمى من أعمال المشتقات الأوروبية موجودة في لندن.
في الوقت الذي تواجه فيه محادثات خروج بريطانيا طريقا مسدودا واضحا، يمكن أن يواجه دراجي أسئلة يوم الخميس حول ما يفكر فيه البنك المركزي الأوروبي بشأن التداعيات الاقتصادية والمالية لخروج بريطانيا بطريقة غير منظمة على عمليات المقاصة المركزية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES