Author

هل ستتحول بوصلة الاستثمار إلى الشرق الأوسط؟

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" يأتي هذا العام، وكما في كل عام منذ بدأ بمفاجآت ومبادرات تزيد من الثقة بجدية المملكة في التغيير، على أسس تم وضعها وفق "رؤية المملكة 2030"، الزمن يتقدم والبرامج تتسارع والإنجازات تقترب من الوصول إلى الأهداف التي تم رسمها، ومشهد المملكة يتغير في كل عام، وطموح أبنائه يتجدد ويتطور، ومشاركتهم الفاعلة تزداد وتستمر وتتطور، وثقتهم بقيادتهم تتوثق. ينعقد مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي يحلو للبعض أن يسميه "دافوس الصحراء" باعتبار حجم المشاركة العالمية في هذا المؤتمر، الذي نادرا ما يحقق مؤتمر هذا الحجم من التمثل في المنطقة، ولعل هذا أحد أهم الدلائل على أثر هذا الملتقى، إذ لا يمكن أن يتحقق مثل هذا الحضور على المستوى الدولي، دون وجود ثقة أن هناك تغييرا سيكون هؤلاء شهودا عليه. العالم اليوم يتغير بشكل متسارع، والفرص في هذا العالم ليس من السهل أن تتكرر، ففي الوقت الذي تشهد فيه الصين صعوبات بسبب الأزمة التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية وتباطؤ النمو لديها وتعقيدات قد تشهدها بسبب الضغط الأمريكي الذي قد يتبعه الأوروبي يجعل من وتيرة تدفق الاستثمارات لديها أضعف، كما أن البحث عن خيارات أخرى وارد جدا. في هذا الوقت تشهد منطقة الشرق الأوسط خصوصا في الدول العربية ومنها دول الخليج والأردن ومصر حرصا على تنويع مصادر الدخل وتوفير فرص جديدة متقدمة في مجالات العمل والاستثمار، حيث تشهد دول الخليج - بحمد الله - استقرارا سياسيا ووفرة مالية، كما أن دولا مثل مصر والأردن لديها مقومات جيدة فيما يتعلق بالقوى العاملة، ورغبة جادة في تحسين الظروف المعيشية، وتوفير فرص عمل جيدة لمواطنيها. كلمة ولي العهد كشفت عن رغبة جادة في تحقيق تغيير جذري لمكونات الاقتصاد في هذه المنطقة، وأعلن بوضوح أنه سيعمل كل ما يستطيع لتكون هذه المنطقة أوروبا جديدة في العالم، بمستوى التقدم فيها في مختلف المجالات، وأن تكون أيضا مركزا للابتكار. وهذا اليوم بدأت ملامحه تظهر بشكل واضح من خلال مجموعة من البرامج النوعية التي تعمل عليها المملكة، إضافة إلى الحراك المستمر من أجل أن تتحقق هذه الطموحات. الحراك في اتجاه التغيير له مجموعة من الأسس التي ينبغي أن تتكامل، ولعل أحد أهم تلك الأسس هو التعليم الذي يعتبر ركيزة للتغيير باتجاه الأفضل، كما أنه يحقق تغييرا متكاملا للمجتمع، حيث إنه من الممكن أن يكون هناك تغيير في بلد ما باستقطاب الاستثمارات، لكن يبقى عموم المجتمع يستفيد فائدة محدودة جدا، دون أن يكون له تأثير في ذلك التغيير، وهذا يعتبر تهديدا للمجتمع، بسبب أنه في حال تغيير بوصلة هذه الاستثمارات فإن المجتمع لن يواجه هذا التحدي، لكن في حال المجتمع المتفوق علميا فإن استقطاب الاستثمارات سيكون مستداما وسيحقق تنمية حقيقية ونموذجا فريدا للاستثمار، يصعب معه البحث في خيارات أخرى، كما أن نجاح الاستثمار الأجنبي سيشجع على محاكاة هذا النموذج محليا، بحيث لا يتأثر الاقتصاد بصورة شاملة، وهذا النموذج يمكن أن تجده في التجربة الآسيوية مثل الصين وكوريا الجنوبية. التعليم ينبغي أن يتفاعل مع البرامج الحكومية الحالية، وذلك من خلال العمل على إعادة هيكلة شاملة للبرامج الأكاديمية وطريقة تقديمها للطلبة، وأن يكون هناك عمل على التواصل مع قطاع العمل والتوظيف والابتكار من أجل مشاركة المؤسسات التعليمية في المشهد المقبل للاستثمارات والأعمال في المنطقة. وهنا تأتي أهمية تفعيل مراكز الابتكارات داخل مؤسسات التعليم، وأن تكون المراكز الفاعلة مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية متفاعلة مع المؤسسات التعليمية، ومنها الجامعات والكليات التقنية والمتميزون في المدارس العامة، حيث إن الابتكار بذرة توجد داخل الشخص، يزيد نموا بوجود حاضنة قادرة على توفير البيئة المناسبة للابتكار. الخلاصة أن مبادرة مستقبل الاستثمار تمثل إعلانا للعمل على تحول بوصلة الاستثمار إلى منطقة جديدة مؤهلة بالإمكانات، وتتطلع إلى الفرص لتقديم نموذج للتطور والابتكار، وأن تكون منافسة لأقطاب التقنية في العالم، وهذه الجهود الكبيرة والتنسيق بين مجموعة الدول في الخليج ومصر والأردن ستكون إحدى أكبر دعائم نجاح هذا التغيير. طموح القيادة الشابة في المملكة بولي العهد الأمير محمد بن سلمان تبعث الأمل في المنطقة لمستقبل أفضل للأجيال بإذن الله.
إنشرها