default Author

اللغات ليست للتواصل

|
عندما نتحدث معا، فإننا نقوم بصنع أصوات بأفواهنا فيما نحن نقوم بالزفير. فتتشكل نغمات وهمسات ونفخات، تصنع ذبذبات في الهواء، تسافر إلى طبلة أذن الطرف الآخر، فتأخذ عقله هذه الذبذبات من طبلة أذنه ليترجمها هناك. فهل تترجم تلك الأصوات إلى مجرد أحاديث، أم تتحول إلى أفكار تشكل الطريقة التي نفكر بها؟ هناك ما يقارب سبعة آلاف لغة منطوقة حول العالم، ويختلف بعضها عن بعض في الأصوات والمفردات والبنية. يقول شارلمان الإمبراطور الروماني “إن تملك لغة ثانية هو أن تكون لديك روح ثانية”؛ أي أن اللغة تصنع الواقع. ومن ناحية أخرى، يقول شكسبير على لسان جوليت، “ما الاسم؟ “أي وردة بأي اسم ستكون رائحتها جميلة”؛ أي أن اللغة لديه لا تصنع الواقع. وللإجابة عن هذا السؤال الأزلي اجتهد العلماء، وسخروا معاملهم للإجابة عنه، ومنهم “ليرا بوروديتسك”؛ حيث قالت إن أغلب اللغات الحيّة تحدد اتجاهات الحركة بإيجاد علاقة بينها وبين الجسم البشري، مثلا في أغلب اللغات تجد أحدهم يرد على شخص يسأل عن أقرب مستشفى “تجده على اليمين بعد قليل”، بينما لغة السكان الأصليين لأستراليا تحدد الاتجاهات في كل شيء، كبيرا كان أو صغيرا، بالجهات الجغرافية الأصلية الأربعة. فيقول أحدهم مثلا: “انتبه هناك نملة تمشي على ساقك الجنوبية”. ولأن ذلك الشعب يتكلم بهذه الطريقة، فإن جميع أفراده حتى الأطفال يكونون على وعي تام بالطرق والاتجاهات دون بذل أي مجهود، بينما لو جربت أنت أن تسأل شخصا حولك عن الشمال الشرقي، فسيحتاج في الأغلب إلى بوصلة لتحديد ذلك. وتوصل الباحث تشين إلى أن الفرق الضئيل في التركيب اللغوي بين اللغات المستقبلية، التي يفرّق أصحابها في حديثهم عادة بين الحاضر والمستقبل، ومنها العربية والإنجليزية، واللغات غير المستقبلية، وهي التي يتكلم متحدثوها عن المستقبل عادة بصيغة الحاضر نفسها، ومنها الألمانية والفنلندية والصينية. فنقول مثلا: “أزور والدتي غدا”، أدى إلى انعكاس ذلك على طبيعة حياتهم وتفكيرهم وتباينات ملحوظة اقتصادية وصحية بين تلك الشعوب المتحدثة بصيغ مختلفة، فأصحاب اللغة المستقبلية يدخرون أكثر، ويمارسون الرياضة بشكل أفضل؛ لأنهم يتعاملون مع المستقبل مثل الحاضر، أما الآخرون فيجدون أن المستقبل شيء بعيد غير ملموس، ويؤيد ذلك أن أصحاب اللغة اللامستقبلية ترتفع لديهم نسبة المدخنين؛ لأنهم يعتبرونها متعة في الحاضر يقابلها ألم في المستقبل.
إنشرها