ثقافة وفنون

نسبة المقولات إلى غير أصحابها: المتنبي نبطيا والجاحظ يجر الربابة

نسبة المقولات إلى غير أصحابها: المتنبي نبطيا والجاحظ يجر الربابة

نسبة المقولات إلى غير أصحابها: المتنبي نبطيا والجاحظ يجر الربابة

نسبة المقولات إلى غير أصحابها: المتنبي نبطيا والجاحظ يجر الربابة

يقول المتنبي: "جرح في ظهر الخيل تحت السرج متداري .. لا الخيل تشكي ولا الخيّال داري"..
ربما هذا البيت الشعري كان دافعاً قوياً للأديب والمفكر الدكتور عبدالله الغذامي ليخرج عن صمته، حيث كتب معلقاً على ظاهرة ادعاء الأقوال عبر حسابه على "تويتر"، "يا ناس المتنبي صار شاعرا نبطيا .. باقي الجاحظ يجر الربابة وشكسبير يطق سامري".

ظاهرة متفشية

المتتبع لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي، يرى كما هائلا من المقولات المكذوبة على اتساع مجالاتها، نُسبت إلى غير أصحابها، أو كانت كذبا صرفا، لا أصل له أو توثيق يثبت المصدر.
الانتشار الهائل لبعض هذه المقولات، جعل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يعتقدون أنها حقيقة مثبتة، لاتساع انتشارها، ولعل ذلك ما دفع الإعلامي أحمد الشقيري عبر برنامج يوتيوبي لنفي إحدى العبارات المكذوبة على لسانه، إذ نُقل عنه أنه قال "إلم تتزوج حبيبتك.. فستتزوج حبيبة غيرك"، ليؤكد أنه لم يقل ذلك خلال 11 موسماً من برنامجه الشهير "خواطر"، بل إنه عاد وكرر نفيه على حسابه الرسمي عبر "تويتر"، مكرراً أنه من الأمانة التثبت قبل النقل.

أصبحت تقليدا ساخرا

تنبه الإنجليز باكرا إلى قضية نسبة المقولات إلى غير أهلها، ورغم أنهم أطلقوا حملات للتوعية بضرورة التأكد من المقولة أو التصريح قبل نقله، إلا أن ذلك لم يكن مؤثراً لولا دخول جانب السخرية إليه، ومن أمثلة ذلك تداول مغردين إنجليز بطاقة ساخرة تدّعي أن السياسي والمفكر والزعيم الروحي للهند المهاتما غاندي قال "أكره نادي توتنهام؛ لأنني أشجع الأرسنال؛ ولأن المدرب مورينهو أحمق"!
موجة السخرية هذه انتقلت إلى الولايات المتحدة، إذ أصبح شائعاً أن ترى بطاقة عليها صورة أبراهام لينكولن الرئيس السادس عشر للبلاد، وعليها اقتباس له يقول فيه "لا تصدق كل ما تقرأ على الإنترنت، خصوصاً إذا وجدت صورة واقتباسا بجانبها".
موجة السخرية اللاذعة وصلت متأخرا إلى حسابات التواصل الاجتماعي التي تنطق بلغة الضاد، وكتب أحدهم تعليقا طريفا بجانب صورة العالم الفيزيائي ألبرت آينشتاين "ترى نصف كلامي في "تويتر" تأليفا"، معبراً عن طبيعة الحال إزاء مقولات المشاهير.

اختراعات لم تنسب إلى مبتكرها الحقيقي

العقول الإبداعية والفلاسفة والشعراء ليسوا فقط هم من أصبحوا ضحايا لوسائل التواصل، حتى الاختراعات والابتكارات نُسبت إلى غير أصحابها، في زمن غابت فيه الصحافة ووسائل التواصل بشتى أشكالها. ففي قائمة نشرها موقع listverse واطلعت عليها "الاقتصادية"، كشفت عن اكتشافات واختراعات كنا نعتقدها حقائق غير قابلة للنقاش، إلا أنها بعد فحص وتمحيص، وفي عصر سهولة تداول المعلومة وانتقالها بين القارات، أصبحت حقائق خاطئة.
لن تصدق أن المعلومات التي كشف عنها الموقع، استنتجت أن جراهام بيل لم يكن مخترع التلفاز، بل إن أديسون لم يخترع المصباح الكهربائي، إنما عدّل اختراعا لشخص آخر، فنسب إليه، حيث سبقته محاولات عدة، منها محاولة هامفري ديفي، الذي نجح في عام 1802م "أي قبل ولادة أديسون بـ 46 عاماً" في الحصول على ضوء قصير الأجل، لم يكن مشرقا بشكل كبير، وذا تكلفة اقتصادية عالية.
حتى اختراع الطائرة، الذي تم على يد الأخوين رايت عام 1903م في حادثة شهيرة، حينما نجحا في أول رحلة طيران في التاريخ، وتمكنّا من البقاء 12 ثانية على ارتفاع 120 قدماً، وهو إنجاز سبقهما إليه المهاجر الألماني غوستاف وايتهيد بعامين كاملين، إلا أنه لم يستطع توثيق الحدث بالصور، فنسب إلى غيره، وقِس على ذلك عشرات الاختراعات.

قصص وحكايات و"أكاذيب"

يقول نابليون بونابرت "إن التاريخ ليس سوى مجموعة من الأكاذيب، اجتمع الناس أو اتفقوا على تصديقها".
قد تكون هذه المقولة حقيقة إلى حد ما، حينما يتعلق ذلك بقصص أو حكايات أثبت التاريخ عدم صحتها، مثل مقولة ملكة فرنسا في القرن الثامن عشر ماري أنطوانيت، إذ اشتهرت بمقولة "دعوهم يأكلوا الكعك"، حينما أخبرها أحد المستشارين بأن الفقر انتشر في البلاد، ولم يعد بإمكان المواطنين تناول الخبز، فقالت جملتها الشهيرة في دلالة على بُعدها عن الواقع، والحقيقة إن هذه المقولة جاءت في كتاب بعنوان "الاعترافات"، للفيلسوف جان جاك روسو، الذي تم تأليفه عام 1766م حينما كانت ماري مجرد طفلة، ما ينفي صحة الادعاءات بقولها هذه الجملة.

مزيد من الإشاعات والأكاذيب

في دراسة حديثة أعدتها مؤسسة "نايت" الأمريكية المهتمة بدعم الصحافة الحرة، ونُشرت قبل أيام، كشفت أن مليون تغريدة تنشر يومياً عبر "تويتر" وحده، تتضمن أخباراً كاذبة تهدف إلى إشاعة حالة من الشك وعدم المصداقية حيال القضايا المثارة بحسب كل مرحلة.
وأكدت الدراسة أن التغريدات المضللة لا تتوقف عند القضايا السياسية، بل تشمل أمورا أخرى تمس الحياة المباشرة لعشرات الملايين، مثل التشكيك في فاعلية التطعيمات خاصة التي يحصل عليها الرضع، والتأكيد على أنها سبب الإصابة بمرض التوحد، إضافة إلى إثارة شكوك حول أمور أخرى مثل فاعلية الأطعمة المعدلة وراثيا ومدى مسؤوليتها عن ارتفاع نسب الإصابة بأمراض السرطان، وغيرها الكثير.
المثير الذي كشفته الدراسة، أن 70 في المائة من هذه التغريدات المضللة تعود إلى حسابات تديرها روبوتات، والمعروف تقنيا باسم Bots، وتنشط من ضواحي في العاصمة الروسية موسكو.
وبحسب ما نشرته صحيفة "تايمز" البريطانية، فإن الشباب البريطاني أحد أهم الفئات المستهدفة من الروبوتات عبر التخفي وراء اقتباسات لمشاهير الفنانين والرياضيين أصحاب الشعبية الواسعة مثل إيما واتسون، وكارا ديلفينجن وغيرهم خاصة أبطال سلسلة أفلام هاري بوتر. وفي وقت لم يكشف عن مصير الاقتباسات والإشاعات التي تنشر باللغة العربية، قالت الدراسة "إن الحساب الوهمي يبدأ بنشر اقتباسات عامة لأحد المشاهير، ويعمل على إعادة تغريدها آلاف المرات من حسابات أخرى تابعة أيضاً لروبوتات فيما يشبه عمل الشبكة المنظمة، فيغري ذلك كثيراً من الشباب بمتابعة الحساب اعتقاداً منه أنه مهم وصاحب شعبية، ويمكن رصد مئات الأخبار الزائفة التي تبثها هذه الحسابات حول قضايا متعددة بدءاً من الانتخابات الأمريكية و"البريكست" والقضايا النسوية، حتى التغير المناخي.
أما عن التمويل، فكشف فريق من جامعة كليمسون في ولاية جنوب كارولينا الأمريكية، والمتخصص في رصد ومكافحة المعلومات المضللة والإشاعات عبر الإنترنت، أن الأخبار الكاذبة في حقيقتها "حرب سياسية بوسيلة تقنية"، وتمول بشكل جيّد، وتهدف إلى تشكيك الجمهور في الأغذية واللقاحات، وإشاعة الفوضى وطمس الحقيقة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون