أخبار اقتصادية- عالمية

3 تريليونات دولار قيمة عمليات الاندماج والاستحواذ عالميا في 9 أشهر

3 تريليونات دولار قيمة عمليات الاندماج والاستحواذ عالميا في 9 أشهر

اندماج الشركات أو استحواذ شركة على أخرى ظاهرة طبيعية في المنظومة الاقتصادية الرأسمالية. 
ويتجلى نجاح صفقات الدمج والاستحواذ في ارتفاع قيمتها خلال العام الجاري، مقارنة بالعام الماضي، حيث بلغت خلال الأشهر الثلاثة الأولى 1.1 تريليون دولار، بزيادة 42 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. 
وبحلول منتصف العام الجاري ارتفعت قيمة عمليات الدمج والاستحواذ عالميا إلى 2.5 تريليون دولار، وبنهاية شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، بلغت القيمة الإجمالية لتلك الصفقات ثلاثة تريليونات دولار، أغلبها بين شركات التكنولوجيا العالمية، لتحقق بذلك سلسلة غير مسبوقة من صفقات الدمج والاستحواذ الدولية.
وعلى غرار العام الماضي تظل شركات التكنولوجيا المحرك الأول لأنشطة الدمج والاستحواذ لهذا العام أيضا، خاصة أن بعض التقارير تشير إلى أن شركة أبل، التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، تخطط لأن تنفق ما قيمته ربع تريليون دولار أي 250 مليار دولار من قيمتها لشراء مجموعة من شركات التكنولوجيا الصغيرة والواعدة هذا العام.
وتشير الأرقام المعلنة إلى أن قيمة الصفقات في هذا المجال قفزت على الصعيد الدولي بنسبة 61 في المائة، مقارنة بنظيرتها التي جرت خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وكان من بينها 8560 صفقة بلغت قيمتها 1.9 تريليون دولار، وتكاد توقعات الخبراء تجزم بأن القيمة الإجمالية لصفقات هذا العام ستلامس، وربما تتجاوز سقف الخمسة تريليونات دولار لتتفوق بذلك على أكبر مبلغ سبق تحقيقه في صفقات الدمج والاستحواذ، الذي تحقق عام 2015، عندما وصلت القيمة الإجمالية للصفقات 3.8 تريليون دولار. 
وحتى الآن يبدو واضحا أن الحرب التجارية الجارية بين الصين والولايات المتحدة، لم تفلح في خنق الرغبة العارمة لاندماج الشركات أو استحواذ بعضها على البعض الآخر، على الرغم من اختلاف بلدانها، حيث زاد عدد تلك الصفقات بنسبة 40 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
وفي ظل تنامي تلك الظاهرة الاقتصادية، فإن السؤال المطروح يتعلق أساسا بالبحث في الأسباب التي أدت إلى تناميها.
تعتقد دارن لوك الخبيرة الاستثمارية، أن هناك مجموعة من العوامل الاقتصادية المتزامنة، شجعت على إقدام الشركات عامة وشركات التكنولوجيا خاصة، على المضي قدما في تحقيق مزيد من عمليات الاندماج أو الاستحواذ.
وتقول لـ"الاقتصادية"، "النصف الأول من هذا العام شهد تحسن توقعات صندوق النقد الدولي بارتفاع معدلات نمو الاقتصاد العالمي، وبدت معظم المؤشرات الاقتصادية تظهر تعافي الاقتصاد الدولي من وعكته الصحية والخروج من دوامة الركود، كما أن أسعار الفائدة ظلت منخفضة حتى بعد الارتفاعات الأولية في أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وأسهمت التسهيلات الضريبية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي للرئيس ترمب، بشكل جيد في زيادة أرباح الشركات، خاصة مع تحسن أسعار الأسهم في النصف الأول من هذا العام".
وتضيف "في مثل تلك الأجواء تسعى الشركات إلى الاندماج أو الاستحواذ على بعضها بعضا لتشجيع النمو، وزيادة حصتها في السوق، وتوسيع مجال نشاطها، وهو ما حدث مع شركات مثل أمازون ونيتفليكس وبعض شركات التكنولوجيا". 
لكن التفاؤل لا يبدو سمة جميع الخبراء، إذ يشير بعضهم إلى أن تلك العمليات قد تتعثر خلال الأشهر المتبقية من هذا العام، وقد يمتد ذلك إلى العام المقبل.
من جهته، يؤكد لـ"الاقتصادية"، روبرت لويس الخبير المالي في بورصة لندن، أن شهية الاندماج والشراء بين الشركات ستنخفض بسبب تنامي المخاوف الجيو- سياسية، وتصاعد الحرب التجارية بين الصين وأوروبا، وتغير نبرة التفاؤل الدولي بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، وكذلك تراجع تقديرات صندوق النقد بشأن معدلات نمو الاقتصاد العالمي، والزيادة المتواصلة من قبل الفيدرالي الأمريكي في رفع الفائدة، والارتباك المتعلق بمفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتوقع أن تتباطأ الصفقات الكبرى العابرة للحدود التي غذت بصفة عامة النشاط في السنوات الخمس الماضية، مضيفا "إلا أنه من الممكن أن يكون تباطؤا مؤقتا حتى نهاية النصف الأول من العام المقبل".
مع هذا فإن عمليات الاستحواذ كان في إمكانها أن تحقق أداء أفضل مما حققته حتى الآن، إذ أبدت الإدارة الأمريكية مزيدا من المرونة في هذا السياق، حيث رفضت إدارة الرئيس ترمب، عددا من عمليات الاستحواذ الضخمة من قبل شركات صينية، لأسباب تتعلق بحساسية الشركات التي يرغب الجانب الصيني في الاستحواذ عليها، وأغلبها شركات تؤثر بشكل أو بآخر في توازن القوى السياسية والاقتصادية بين البلدين. 
ولم تتردد الإدارة الأمريكية في عرقلة عملية استحواذ بقيمة 117 مليار دولار من قبل شركة Broadcom في سنغافورة لشراء شركة كوالكوم خشية أن يؤدي ذلك إلى تفوق الصين على الولايات المتحدة في مجال الهواتف الذكية.
من جهته، يقول لـ"الاقتصادية" مارك لندور الرئيس المشارك للخدمات المصرفية والاستثمارية العالمية في مجموعة لويدز المصرفية وأحد الخبراء في مجال تسهيل صفقات الدمج والاستحواذ، "القيمة الإجمالية لصفقات الدمج والاستحواذ العابرة للحدود الوطنية بلغت تقريبا ثلث إجمالي الصفقات التي جرت في الأشهر التسعة الماضية، إذ بلغت تريليون دولار أمريكي، وأغلب الأنظار تنصب على الشركات الأمريكية، حيث بلغت نسبة الاستحواذ نحو 48 في المائة من إجمالي الصفقات العالمية".
ويضيف "الدور القوي الذي يلعبه رأس المال الخاص، سواء عبر الأسهم أو الصناديق السيادية وصناديق التحوط أعاد بشكل أو بآخر تشكيل البيئة التمويلية في العالم، وساعد ذلك في ضوء التحسن الذي طرأ على الاقتصاد الأمريكي في عهد الرئيس ترمب، مقارنة بعهد الرئيس السابق باراك أوباما، على أن يصبح الاقتصاد الأمريكي الأكثر جاذبية لعمليات الدمج والشراء".
ويمكن الجزم بأن أبرز مظاهر صفقات الدمج والاستحواذ التي جرت منذ بداية العام وحتى الآن تكشف عن ظاهرة لم تكن معتادة في السنوات الماضية، إذ تتجه الشركات غير التكنولوجية إلى شراء شركات التكنولوجيا، بينما تقوم شركات التكنولوجيا بشراء شركات لا تعمل في هذا المجال، ويبرر البعض هذا إلى بروز مزيد من التكامل الاقتصادي في مجال عمل الشركات الخاصة.
وتدرك الشركات العاملة في القطاعات غير التكنولوجية أنه لا يمكنها الأداء بكفاءة عالمية والمنافسة الحقيقية في الأسواق، دون الاعتماد على التكنولوجيا، بينما تدرك شركات التكنولوجيا أهمية تنويع قدرتها المالية في عالم تفتح فيه التجارة الإلكترونية والسلوكيات المتغيرة للمستهلكين فرصا جديدة لمزيد من المبيعات والإيرادات والأرباح عبر الإنترنت.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية