Author

حفلة طلاق

|
أصبح عالم اليوم مليئا بالحفلات. يبدو أننا نحتفل كل أسبوع بشيء جديد. لو كنت محللا نفسيا لبذلت الجهد في سبيل تحليل هذا الكم من الحفلات التي تحاصرنا. شخصيا، أعتقد أن هناك كما كبيرا من الوحدة التي يشعر بها الجميع في هذا العالم المتخاصم، المتباعد، لأسباب كثيرة. هناك فراغ عاطفي يواجه الجميع، ويستدعي بحثهم عن المتعة واللقاء والتقارب بكل الوسائل المتاحة. الإنسان اجتماعي بطبعه، وهذا هو لب القضية. محاولاتنا المستميتة لإثبات العكس، أو ربط العلاقات البشرية بتعقيدات ما أنزل الله بها من سلطان، دفعنا إلى هذه النقطة التي أصبح فيها الواحد منا يفكر مليا قبل أن يقول أو يفعل أي شيء؛ بسبب الخوف من تبعات الكلام أو الفعل. البساطة التي عاشها الآباء والأجداد تختفي اليوم في كومة من البروتوكولات والمفاهيم والتفسيرات غير المنطقية لما نراه ونشعر به ونحاول أن نعرضه على الآخرين. القدرة على التفاعل مع الثقافات المختلفة، والعادات التي تميز مختلف المجتمعات التي ذابت تدريجيا نتيجة السفر والانتقال بين المدن، أحدثت حالة من الفصام المجتمعي، الذي لا يشعر به كثيرون، لكنه - في الواقع - يدمر حياة المجتمع وصفاءه وبساطته التي جبل عليها على مدار السنين. هنا يحاول الجميع أن يتقاربوا بطريقة لا تحرجهم، رغم حاجتهم الماسة إلى هذا التقارب والصفاء. أهم المؤثرات الخطيرة هي محاولة التصنع والظهور بغير ما نحن عليه في الواقع لإبهار الآخرين، مع أن الجميع يعانون القضايا والصعوبات نفسها، ويلبسون الملابس والأقنعة نفسها، وكلهم يعلمون ذلك، لكنهم لا يعذرون أصحابهم؛ ليستمر التصنع، ومحاولة الظهور أفضل من الآخر أو الذات الحقيقية. يقلب الناس حياتهم إلى جحيم وهم يبتعدون عن بعضهم بعضا بدعوى عدم مناسبة ما يلبسون أو ما يقدمون من هدايا لمن يدعونهم، لتنعكس الآية، ونتحول إلى وضع بائس بسبب التقليد ومحاولة الإبهار التي يبرع فيها بعضهم، ويستقطبون بهذا إعجاب غيرهم؛ ليصبح الكذب هو السمة، والمخادع هو القدوة في مجتمع متفكك. كيف يمكن أن تحتفل زوجة بفشلها في الإبقاء على أسرتها متماسكة. الطلاق الذي هو أبغض الحلال، أصبح مدعاة للاحتفال بدل أن يكون بعيدا كل البعد عن ذلك. فإن وجدنا للمرأة العذر، فمن يعتذر عن احتفال الرجل الذي هو القوام والمسؤول عن بقاء البيت متماسكا.
إنشرها