FINANCIAL TIMES

تشديد القبضة الأمنيّة على مصارف الصين .. العرضية

تشديد القبضة الأمنيّة على مصارف الصين .. العرضية

عندما وصل موظفو شركة هوارونج لإدارة الأصول إلى مقرهم في هونج كونج، في الثامن عشر من نيسان (إبريل) الماضي، تبين لهم أن الشركة كانت قد خضعت لعملية تحول جذرية.
جدران مكاتب الشركة، التي كانت مغطاة بصور رئيس مجلس الإدارة لاي شياومين، تبدو الآن عارية.
واختفت رفوف من الكتب اللامعة لمؤلفها لاي. كان الأمر كما لو أنه لم يكن موجودا أصلا، بحسب ما يقول أحد الموظفين، الذي كان موجودا في ذلك اليوم.
سرعان ما علم موظفو هذه الشركة، التابعة لمجموعة إدارة الديون القوية في مقرها في بكين، أن لاي قد تم احتجازه ضمن تحقيق عن الفساد، وهو آخر تنفيذي يفقد حظوته لدى الحكومة.
على أن ما كان غير واضح في ذلك الوقت هو أن شركة هوارونج، كانت محور حملة عنيفة للقضاء على الفساد في القطاع المالي، وبصفة خاصة، الرفع المالي المفرط في الشركات.
وهي حملة انتشرت عبر الحدود في الصين وداخل الأسواق العالمية.
القيود المفروضة على العمليات المصرفية الاستثمارية في هوارونج وثلاث شركات أخرى لإدارة الأصول، مملوكة للدولة، أدت إلى انتقاد عملية الوصول السهلة إلى الائتمان، بالنسبة لبعض أكثر المشترين نشاطا تجاه الأصول الأجنبية في الصين.
وأدت إلى حصول إعسار وعدد أقل من عمليات الاستحواذ الأجنبية من قبل شركات صينية.
أطلقت الجهات التنظيمية المالية الكبرى في البلاد العام الماضي، حملة تهدف إلى وقف الشركات عن نقل كميات ضخمة من رأس المال إلى الخارج - في ذروتها في عام 2016، تم نقل 220 مليار دولار على شكل استثمارات مباشرة أجنبية.
في الوقت نفسه، كانت شركات إدارة الأصول المملوكة للدولة، تعمل على تشغيل أعمال مصرفية استثمارية كبيرة، وتسهيل صعود التمويل في مناطق الأفشور.
كان ذلك تناقضا لا يمكنه الاستمرار. بعد مرور ستة أشهر، بدأت حملة تشديد القبضة في الانتشار في عالم الشركات الصينية وفي هونج كونج، التي كانت قد اتخذت لنفسها مكانة كمركز مالي لرأس المال الدولي الصيني.
في أعقاب اعتقال لاي، يجري الآن خفض قيمة تلك الشركات المصرفية الاستثمارية، التي كانت مزدهرة في الماضي - والتي كانت مصدر الكثير من رأس المال - في خطوة أحدثت هزة في الأسواق في آسيا، بالنسبة للجهات التي تسعى للحصول على قروض وسندات مرتفعة العائدات.
تقول باتريشيا تشينج، المحللة لدى وكالة سي إل إس إيه، وهي مصرف استثماري في مقره في هونج كونج: "هنالك مفعول الدومينو لهذا على الشركات الصينية. كثير من الشركات الصينية كانت تعتمد على شركات إدارة الأصول المذكورة المملوكة للدولة، كمصدر لرأس المال (خارج الصين). هذا الأمر اختلف الآن".
منذ نيسان (أبريل) الماضي، فرضت بكين على هوارونج وثلاث شركات أخرى مملوكة للدولة - سيندا وأورينت وجريت وول - تسريح موظفيها ووقف بعض العمليات التشغيلية لديها في المصارف الاستثمارية الموجودة في هونج كونج، وفقا لعدد من الأشخاص ممن لديهم معرفة مباشرة بالموقف.
عملت شركة هوارونج على تجميد جميع المشاريع الجديدة المرتبطة بالعمليات المصرفية الاستثمارية، ما أدى إلى تجويع الأقسام الخارجية التابعة للكثير من الشركات الصينية إلى النقدية، وأصبحت غير قادرة على إعادة تمويل ديونها الحالية.
تعرض عدد من عملائها - بدءا من شركة سي إي إف سي للطاقة في الصين، وصولا إلى الشركة المالكة لعالم البحار تشونج هونج القابضة - للإعسار على مدى العام الماضي، بينما كانت الشركات تعترك من أجل إعادة تسديد القروض ذات العائدات المرتفعة.
كما تم أيضا خفض الأقسام الاستثمارية ذات الدخل الثابت التابعة لرباعي الشركات، ما أدى إلى حصول ما وصفه بعض المتداولين، بأنه تراجع ملحوظ في الطلب على السندات مرتفعة العائد في الأسواق الآسيوية.
يقول مينتشين باي، الخبير في الحوكمة الصينية والفساد في كلية كليرمونت ماك كينا في الولايات المتحدة، إن: "حملة القمع العنيفة هذه هي خطوة حصيفة، لأن شركات إدارة الأصول المذكورة المملوكة للدولة تعمل كمصارف في هذه الحالة.
في حال ساءت القروض، ستصبح شركات إدارة الأصول المملوكة للدولة مثقلة بالقروض المعدومة" على حد قوله.
صعود شركات إدارة الأصول التي يتم السيطرة عليها مركزيا، وهبوطها الجزئي يوضح الطرق التي تم من خلالها تحويل القطاع المالي في الصين، واقتصادها على مدى العقدين الماضيين.
الشركات الأربع، التي نشأت بسبب الأزمة المصرفية الصينية، تم استحداثها من قبل وزارة المالية في عام 1999، لاستيعاب مجموعة كبيرة من القروض غير المنتجة في المصارف التجارية الأربعة الأكبر في البلاد.
في أول عامين من العمليات التشغيلية، وقَعت الشركات تحت نحو 1.4 تريليون رنمينبي (200 مليار دولار) من الديون المعدومة لكل واحدة منها - نحو 20 في المائة من إجمالي القروض المعدومة المستحقة - وفقا لبنك التسويات الدولية.
على سبيل المثال، حصلت شركة هوارونج على 408 مليارات رنمينبي من الديون المعدومة، من البنك التجاري والصناعي الصيني.
لقد تمت إعادة رسملة القطاع المالي تلقت المساندة المالية من قبل البنك المركزي الصيني، بسندات لأجل عشر سنوات تستحق في عام 2009، في وقت كان من المتوقع فيه أن تتعرض شركات إدارة الأصول للإعسار، بل أن تتم تصفيتها، بعد أن تكون قد أنجزت مهمتها الوحيدة، المتمثلة في تخليص النظام المصرفي من الديون المعدومة.
يقول جاك رودمان، خبير في إعادة الهيكلة عمل مع شركات إدارة الأصول كمراجع للحسابات في عام 1999: "كانت النظرية تنص على أنه يتعين علينا الانتظار حتى عام 2009 فحسب، عندما تُستحق سندات السنوات العشر، وتصبح شركات إدارة الأصول المتعثرة غير قادرة على تسديد مبلغ الرسملة الأولي للمصارف، والذي بلغ 170 مليار دولار".
لم تتعرض للانهيار قط، بل على العكس، صدرت تعليمات تقضي بأن تقدم المصارف الدعم لشركات إدارة الأصول، باستخدام مدفوعات الضرائب، وفقا لرودمان.
نتيجة هذا التشجيع، بدأت "المصارف السيئة" في التوسع السريع لترسيخ نفسها في النظام المالي في الصين، بالحصول على تراخيص لسمسرة الأوراق المالية، والتأمين وصناديق الائتمان وتطوير الممتلكات واستثمارات الأسهم الخاصة والتأجير التمويلي.
كما قامت أيضا بشراء مصارف تجارية في الصين وهونج كونج، وتوظيف الآلاف من الأشخاص في عشرات من الأقسام المنفصلة المكرسة لتقديم قروض ذات عائدات مرتفعة.
شركتا سيندا وهوارونج، اللتان بلغ مجموع أصولهما 3.3 تريليون رنمينبي في نهاية حزيران (يونيو) الماضي، تحولتا إلى شركتين عامتين في هونج كونج خلال العامين 2013 و2015، على التوالي. ولا تزال أقسام الديون المتعثرة التابعة لرباعي الشركات تشكل غالبية نشاطاتهما.
في هونج كونج، عملت الشركتان على اقتطاع أعمال المصرفية الاستثمارية، لتقديم قروض مالية لشركات صينية تتجنبها مصارف الدولة.
من بينها كانت شركة هانيرجي لمصادر الطاقة المتجددة، التي كادت أن تتعرض للانهيار في عام 2015، وشرطو سي إي إف سي، التي تعرضت لضغوطات من بكين من أجل بيع الأصول العالمية.
يقول شخص قدم استشارة للشركة: "عندما كانت شركة هوارونج في ذروتها، وكانت تتنافس مع المصارف التقليدية في مجال الاقتراض. كانت الشركات الأخرى لم تصل إلى هذا الحجم الكبير للغاية".
إحدى القوى المحركة التي تقف خلف شركات إدارة الأصول هو لاي، رئيس مجلس إدارة شركة هوارونج منذ عام 2012.
هذا الرجل الذي يبلغ من العمر 56 عاما، صغير القامة، من مقاطعة جيانجتشي في الجنوب الشرقي للصين، غالبا ما كان يجعل نفسه متاحا لإجراء مقابلات مع وسائل الإعلام الأجنبية، وهذه ممارسة غير شائعة بين مسؤولي الحزب الشيوعي.
قالت هيئة مراقبة مكافحة الفساد في الصين، اللجنة المركزية لفحص الانضباط، بعد وقت قصير من احتجاز لاي إنه يجري التحقيق معه بسبب "انتهاكات قانونية"، وهو مرادف غالبا ما يستخدم للتعبير عن الفساد.
"كايكسين"، المجلة المالية الصينية، نشرت تقريرا في آب (أغسطس) الماضي، يفيد بأنه تم استعادة نحو 40 مليون دولار من الأموال النقدية، من منازل لاي بعد الاعتقال.
لم ترد شركة هوارونج على مطالب بتقديم تعليق. ولم نتمكن من الاتصال بلاي ومكان وجوده غير معروف.
مع ذلك، يقول عدة أشخاص ممن لديهم معرفة مباشرة بالأعمال الخاصة بشركات إدارة الأصول، إن حملة تشديد القبضة هي أوسع نطاقا بكثير من أية شركة أو أي فرد. بدلا من ذلك، أصبحت مرتبطة بالرغبة في السيطرة على مستوى الديون الذي وصلت إليه الشركات الصينية، سواء في الداخل أو في الخارج. ديون الشركات في الصين، والتي تقدر بنسبة 168 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017 من قبل وكالة فيتش، واحدة من أكبر نقاط الضعف التي تعاني منها البلاد، فيما لو أصبح النمو الاقتصادي بطيئا ووقع مزيد من حالات الإعسار.
بحلول منتصف عام 2017، كانت مجموعة من التكتلات التي أنفقت عشرات المليارات من الدولارات، لكل واحدة منها على الأصول الأجنبية، قد خضعت للتحقيق من قبل الجهاز التنظيمي المسؤول عن المصارف.
الكثير من تلك التكتلات كانت من عملاء شركات إدارة الأصول، والتي كانت قد استخدمت مؤهلاتها لإصدار ديون مقومة بالدولار، بأسعار فائدة تصل إلى نحو 4 في المائة.
لقد وضعت رأس المال المذكور في سندات مرتفعة العائدات، أو قدمته كقروض بأسعار فائدة مرتفعة، تصل إلى 20 في المائة، أحيانا لشركات صينية غير قادرة على تأمين قروض خارجية.
بين عام 2014 وأيلول (سبتمبر) من العام الحالي، جمعت الشركات الأربع مبلغ 107 مليارات دولار.
في عام 2017، وفي ذروة نشاطها، جمعت شركات إدارة الأصول مبلغ 30.7 مليار دولار، حيث تم إصدار أكثر من نصف هذا المبلغ من قبل شركة هوارونج. حتى الآن من هذا العام، جمعت مبلغ 2.3 مليار دولار فحسب، ما يمثل تحولا في نموذج الأعمال.
غالبا ما كان تتم هيكلة إقراض الشركات في الخارج من قبل شركات إدارة الأصول، ليبدو وكأنه استثمارات بدلا من قروض.
وفقا لأشخاص شاركوا في مثل هذه الصفقات، ساعدهم هذا في تجاوز اختبارات الجودة الائتمانية المطلوبة من المصارف.
تبين سجلات الشركات أن شركات إدارة الأصول، قامت بتأسيس عدد لا يحصى من الشركات في جزر فيرجين البريطانية أو جزر كايمان، التي كانت تستخدم لتقديم قروض للعملاء خارج الصين. في بعض الحالات التي قدمت فيها شركة هوارونج قروضا لشركة صينية مدرجة، تم إعلان الإطار الأساسي لتلك الصفقات فحسب.
في عام 2017، على سبيل المثال، دخلت شركة التطوير العقاري تشونج هونج القابضة في اثنين من المشاريع الاستثمارية في الشركات الأجنبية، بشرائها حصة بنسبة 21 في المائة في المتنزه الترفيهي: عالم البحار للترفيه، مقابل 449 مليون دولار، و91 في المائة من شركة السفر الفاخر في مقرها في المملكة المتحدة، المعروفة بـ"أبركرومبي آند كينت" مقابل مبلغ 413 مليون دولار، بحسب ما تبين وثائق الشركة. تم دعم ومساندة الصفقتين من قبل شركة فرعية تابعة لشركة هوارونج.
في نيسان (إبريل) الماضي، تعرضت شركة تشونج هونج للإعسار في تسديد ديون غير محددة، وفقا لبيانات لدى الجهات التنظيمية، ما أدى إلى إثارة تساؤلات حول مستوى تعرض شركة هوارونج وجهات الإقراض الأخرى في الشركة، للانكشاف.
الصفقة التي يعتقد كثير من المراقبين أنها اجتذبت تمحيصا حكوميا قويا، وتسبب في إنهاء مصير شركة هوارونج، كان قرارها بتقديم القروض لشركة سي إي إف سي.
هذه الشركة، التي كانت في الماضي أكبر مجموعة نفط خاصة في الدولة، حاولت شراء حصة بقيمة تسعة مليارات دولار في شركة روسنفت في روسيا العام الماضي، لكن بعد احتجاز رئيس مجلس إدارتها، يي جيانمينج، من قبل مسؤولين صينيين في تحقيق فساد في شباط (فبراير) الماضي، انهارت الصفقة.
بعد مضي شهر واحد، اشترت شركة هوارونج حصة بنسبة 36 في المائة في شركة سي إي إف سي، التي تقف خلف محاولة شراء شركة روسنفت.
عجزت شركة سي إي إف سي منذ ذلك الحين عن تسديد الديون المستحقة لشركة هوارونج وكثير من الدائنين الآخرين، وفقا لملفات الشركة التنظيمية، ما يسلط الضوء على مستوى الخطورة الذي كانت شركة لاي على استعداد للوصول إليه.
يقول أشخاص مطلعون على شركات إدارة الأصول إن هذا النوع من الصفقات أدى إلى تشديد القبضة، لأن القروض سمحت للتكتلات بجمع الديون وشراء أصول في الخارج من دون الحاجة إلى إشراف الدولة.
يقول الرئيس التنفيذي لبنك استثماري في آسيا عمل بشكل وثيق مع شركات إدارة الأصول: "حصلوا على إشارة من بكين لكبح جماح تلك العمليات التشغيلية في الخارج. بكين ليست مرتاحة لهذا النوع من النشاط".
بالنسبة لشركة هوارونج، عملت تلك الأخطاء على تفاقم الوضع. في حزيران (يونيو) الماضي، قالت إن خسائر النصف الأول في الأصول المالية، بما فيها الكثير من القروض التي قدمتها، قد وصلت إلى 12.05 مليار رنمينبي (1.8 مليار دولار)، أي أكثر من 150 في المائة عن العام السابق.
وبسبب التراجع بعد هذه الخسائر، انخفضت الأرباح في النصف الأول من العام بنسبة 93 في المائة لتصل إلى 1.1 مليار رنمينبي.
في اعتراف نادر بالمشاكل المرتبطة بالإقراض النشط للشركات الصينية، قالت إنها تعمل على كبح جماح "السلوك التمويلي المفرط"، الذي أدى إلى حصول الكثير من هذه المشاكل.
شعرت الأسواق العالمية بتأثير انسحاب شركات إدارة الأصول من سوق السندات مرتفعة العائدات. عقب احتجاز لاي، تراجع تدريجيا شراء السندات لدى شركات إدارة الأصول في شهري أيار (مايو) الماضي وحزيران (يونيو) الماضي، على التوالي، في اتجاه "ظهر أثره في السوق بأكملها"، بحسب ما يقول أحد كبار المتداولين، ممن لهم خبرة واسعة في العمل مع هذه الشركات.
تقول ساندرا تشاو، المحللة لدى بنك كريديت سايتس: "ربما كان ذلك واحدا من العوامل المساهمة في ارتفاع العائدات في آسيا. وقد أثارت بعض التساؤلات لما يعنيه هذا بالنسبة إلى مقتنيات السندات لدى شركات إدارة الأصول، وبالنسبة إلى الدعم المستقبلي لسوق العائدات المرتفعة".
كانت شركات إدارة الأصول بمنزلة "تجربة" في المصرفية الاستثمارية، وفقا لموظف في إحدى هذه الشركات - وهو نموذج سمح للشركات المدعومة من الدولة، بالسيطرة على موجة من رأس المال الذي يغادر الصين. بعد أن يخسر الكثير من موظفي شركات إدارة الأصول في هونج كونج وظائفهم، وتجِف موجة رأس المال إلى حد كبير، ستبدو التجربة فاشلة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES