Author

ضعف المهارات والخصوصية الشخصية

|

انطوائي مبدع في مكان عمله، وآخر هادئ ولطيف بلا قصور في أدائه، وثالث دمه خفيف يحسن الأجواء في كل ساعة وعند كل زاوية، كل هذه شخصيات اعتيادية نراها كل يوم في أماكن العمل. وهناك درجة أخرى من هذه التفاوتات، مثل المتعجل دائم الارتباك، و"النفسية" صاحب ردات الفعل الغريبة. مكان العمل صورة مصغرة من الحياة العامة، نتعايش فيها مع مختلف أنواع الشخصيات، الإيجابية منها والسلبية، وأخرى ضبابية نصنفها بعشوائية كيفما نشتهي ونريد.
لو نظرنا إلى ما يذكر من نصائح في التعامل مع الغير نجد أن "الأنا" هي محور التأثير والتأثر، فكل ما يقال هو من وجهة نظرنا نحن كأفراد، كيف نتعامل مع الغير؟ كيف نكسبهم في صفنا؟ كيف نؤثر في المرؤوسين وكيف نبهر الرؤساء؟! وهناك دائما شيء من الافتراض بأن جميع من نتعامل معهم يجب أن يبادلوننا الاحترام والتقدير والأسلوب بالمعايير نفسها التي نتمناها، حتى لو لم نتمكن من ممارستها بأنفسنا. وفي الجانب نفسه، نقوم تلقائيا بإطلاق أحكام جزافية تصنيفا وترتيبا لهمم وطموحات وقدرات هؤلاء الزملاء، متأثرين بتحيزاتنا غير الموضوعية، تلك التحيزات التي تتأثر بثقافتنا وليس ثقافتهم، وبما نحب ونألف، وليس بما يحبون ويألفون.
بافتراض أن أخلاقيات العمل والقيم الإيجابية المتوقعة أثناء ممارسة العمل لا يختلف عليها أحد، إلا أن هناك ما نغفل عنه في العادة عند التعامل مع من يختلفون عنا في طبائعهم، ونفترض في دواخلنا أنهم يجب أن يكونوا مثلنا. يجب ألا تكون هذه الاختلافات سببا للتفريق أو لتغيير أسلوب التعامل، بغض النظر عن مسبباتها. وأنا لا أتحدث عن عنصرية العرق واللون بشكلها التقليدي الممقوت، وإنما إلى درجات مختلفة منها تأتي بأشكال أخرى، ولكن في المحصلة نتعامل بشكل غير عادل مع هؤلاء "الغير". هل يستحق "النفسية" أن نتعامل معه بشكل مختلف، أو نبتعد عنه أثناء أداء العمل، أو أن نفترض أنه غير مؤد أو غير كفء؟ قد نسعى لإدخال أحدهم ضمن تفاعلاتنا الاجتماعية في مكان العمل، وهذا اختيار نقوم به، ولكن إذا لم ننجح في ذلك، يجب أن تكون النتيجة مقصورة على ما يشمله هذا الاختيار. إذا رفض فلان من الناس التفاعل الاختياري الودي بشكل ما، لا يعني أن يتم استبعاده من أي تفاعل إنتاجي أو مهني آخر. صحيح أن الصورة المثلى تقول إن ثقافة مكان العمل الإيجابية تعج بالاهتمامات المشتركة والتناغم والتفاهم إلخ، إلا أن وجود الاختلافات ليس سببا للتفرقة.
تأتي التفرقة المبنية على اختلاف الشخصيات والخصوصيات من الرئيس والمرؤوس والزميل. ويتبوأ الرئيس موقع المسؤولية الأهم، لأنه من يضبط أيقونة الاحترام داخل مكان العمل ويصنع القدوة والمرجعية لسلوكيات التعامل في هذه الدائرة الحساسة من الاختلافات. إذا كان رب البيت ضحية لهذه التحيزات سيختلط حينها الحابل بالنابل في مقر العمل، وتصبح أخلاقيات العمل وتوزيع الأدوار حصرا على العاديين المتماثلين، بينما تتركز دائرة اللوم على الخصوصيات الشخصية للزملاء المختلفين؛ فهذا لا يجيد الحديث مع الناس، وهذا متردد، وهذا وحداني، وهذا "نفسية". حينها تضيع جهود المنشأة في اتجاه معاكس للتطوير الشخصي لموظفيها، وتصبح بيئة للتدمير النفسي والهدر المهني.
تختلط دائرة ضعف المهارات بدائرة الخصوصية الشخصية، والضعف يستحق الكشف والاهتمام، بينما الخصوصية تستحق الاعتراف والاحترام. أما من يبرر الضعف بالخصوصية أو الخصوصية بالضعف فهو بعيد جدا عن إطلاق القدرات وتمكينها. ولا تقتصر هذه الظاهرة على الفرص الضائعة التي يصنع عن طريقها هؤلاء المختلفون الفارق، بل تتحول إلى سلوكيات سلبية غير عادلة، وتصبح عنصرية من نوع آخر يمارسها من يعتقدون أنهم الأسوياء إذ يستخدمون فيها اعتقادهم بنقص الآخرين مبررا لخروجهم عن النص.

إنشرها