Author

الاقتصاد التشاركي «2»

|

في المقال السابق، تحدثت عن نمو الاتجاه الاقتصادي الحديث في اقتصاد المشاركة، واستفادة هذا المجال من التطورين التقني والبشري، وتأثير المستهلكين في زيادة الطلب على هذا النوع. كما بينت ازدهار الطلب والاهتمام العالمي بهذا النموذج؛ حيث يتوقع أن يصل حجم الإنفاق على قطاعات مثل السفر ومشاركة السيارات والتمويل وتوفير الموظفين والبث المباشر إلى ما يزيد على 300 مليار دولار عام 2025. وفي هذا العدد، سيكون الحديث عن مجالات توظيف الاقتصاد التشاركي في دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وفي المساعدة على معالجة قضايا البطالة.
يمكن إجمال أهم فوائد الاقتصاد التشاركي في تحقيق الاستفادة من الأصول القائمة، وتخفيض إنتاج بعض السلع التي قد تسبب هدرا أو إضرارا بالبيئة، كما يمكن أن تتيح الفرصة لتملك سلع، أو الاستفادة من أصول بشكل يناسب احتياجها وقدرتها المالية دون إرهاق، وتحقيق تقارب بين المستخدمين، وفتح مجالات جديدة لتحسين الشبكات الاجتماعية، وزيادة مرونة ساعات العمل، وإيجاد مصادر بديلة ومساندة للدخل، وتحسين مستوى الخدمات المقدمة، وإيجاد أجواء من المنافسة بين مقدمي الخدمات، بما يرفع من جودة المنتج والخدمة. نماذج مطورة ومستخدمة في الاقتصاد التشاركي تشمل قطاعات الاقتصاد، التقنية، المعارف والعلوم، النقل والمواصلات، السفر، التغذية السكن والسياحة، وغيرها من المجالات التي بدأت تمارس نشاط الاقتصاد التشاركي لتحقيق منافع لكل الأطراف. في المجال الاقتصادي، برزت أنشطة التمويل الجماعيCrowd Funding؛ حيث تشير الدراسات إلى أنه عام 2015 وصل حجم الاقتصاد التشاركي في نشاط التمويل الجماعي إلى ما يزيد على 34 مليار دولار، نشأت بواسطة هذا المجال، وسيأتي الحديث عن هذه النماذج في مقالات لاحقة. بدأت أنشطة التمويل الجماعي تجد طريقها في المملكة من خلال التصاريح اللازمة من الجهات المختصة، ونشأت إحدى هذه المبادرات فيما يعرف بتطبيق "مجالس"، الذي عمل على إبراز أكثر من 1045 فرصة تجارية للتمويل الجماعي، تم منها نحو ثماني صفقات. في مجال التقنية، أصبحت الحوسبة السحابية Cloud computing، التي أضحت تمثل منطلقا للتجارة الإلكترونية والأعمال في توفير القاعدة التقنية لها، وبدأت تلعب "أمازون" Amazon دورا كبيرا في تطوير هذه التقنيات، وتبعتها كل من Google وIBM. في مجال المواصلات والنقل، برزت شركة أوبر Uber، التي بدأت عام 2009 لتحقق انتشارا وصل إلى 785 مدينة حول العالم، بعدد موظفين يفوق 12 ألف موظف، وبعائد سنوي يصل إلى 6.5 مليار دولار "عام 2016"، وأصول تقدر بنحو 15.7 مليار دولار. ومثلها بدأت تنتشر تطبيقات مشاركة الدراجات Bike Sharing System ومشاركة التاكسي، وغيرهما. في مجال السكن والسياحة إحدى أهم التجارب قدمتها Airbnb، التي انطلقت خدماتها عام 2008 ليعمل فيها عام 2017 نحو 3100 موظف حول العالم، بدخل إجمالي يبلغ 2.6 مليار دولار. عديدة هي التجارب التي بدأت تستخدم نموذج الاقتصاد التشاركي في تحقيق عوائد مالية مجزية لأصحابها.
بقي أن نتساءل: هل تملك جهاتنا المنوطة بها معالجة قضايا العمل والبطالة وتطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة - رؤى طموحة للاستفادة من هذا النموذج، والتفاعل مع التسهيلات المتوافرة من خلاله، خصوصا أننا نعد من الدول المتقدمة في مجال تقنية البيانات واستخدامها بين جيل الشباب، ونملك رؤى طموحة للمستقبل، تعتمد على "رؤية المملكة 2030"؟

إنشرها