FINANCIAL TIMES

الصين تضحي بسعر الصرف للحفاظ على استقرار الاقتصاد

الصين تضحي بسعر الصرف للحفاظ على استقرار الاقتصاد

الآمال في أن تكون الخطوة التي اتخذها المصرف المركزي الصيني أخيرا لدعم الاقتصاد، وبالتالي بورصة الأسهم المحلية المتراجعة، تبخرت جميعها تقريبا عندما تم استئناف التداول بعد عطلة استمرت أسبوعًا. انخفض مؤشر شانغهاي المركب نحو 4 في المائة يوم الإثنين، وهو أكبر انخفاض ليوم واحد منذ أربعة أشهر تقريبا.
لحسن الحظ، لا يعد دعم أسعار الأسهم من بين أولويات السياسة الحالية لبنك الشعب الصيني. ومع ذلك، تعهد البنك بالحفاظ على سعر الصرف واستقرار سعر الفائدة، وهي عملية موازنة ستجد السلطة النقدية صعوبة متزايدة في إدارتها في الأشهر المقبلة مع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية.
سيثمر شيء في نهاية المطاف، ونتوقع أن يسمح بنك الشعب الصيني بضعف سعر صرف الرنمينبي بدلاً من محاولة الدفاع عن العملة والمخاطرة بحدوث تباطؤ حاد في الاقتصاد المحلي. بالنسبة إلى دونالد ترمب، يبدو هذا وكأن الصين تستخدم سعر الصرف سلاحا لدعم المصدرين، لكنه سيكون في الواقع نتيجة ثانوية لسياسة نقدية أكثر تراخيا.
سيؤدي رابع تخفيض في معدل متطلبات الاحتياطي النقدي هذا العام، الذي أعلن عنه في نهاية الأسبوع الماضي، إلى إعادة نحو 15 مليار رنمينبي "108 مليارات دولار" من الودائع المصرفية التجارية إلى النظام المالي عندما يبدأ سريان التخفيض في 15 تشرين الأول (أكتوبر).
يقول بنك الشعب الصيني "ليس المقصود من هذه الأموال أن تكون تحفيزا صريحا". ففي الوقت الذي تعاني فيه أجزاء من الاقتصاد بسبب قيود ناتجة عن إجراءات تقشف من جانب الحكومة، وكذلك بسبب الوضع الخارجي المضطرب بشكل متزايد، تأمل السلطات أن يجلب ضخ مزيد من السيولة الراحة للشركات الصغيرة الخاصة المتعثرة المتعطشة للسيولة ويُساعد في السيطرة على التخلف عن سداد الديون. مزيد من التخفيضات قد يكون وشيكا؛ بمجرد أن يبدأ مفعول هذا التعديل الأخير، نسبة الاحتياطي لدى أكبر المصارف في الصين ستكون 14.5 في المائة، وهو أدنى مستوى منذ نحو 11 عاماً، لكنه يشكل جزءا من نحو 20 تريليون رنمينبي من الاحتياطات المطلوبة الموجود في بنك الشعب الصيني.
ويصر المسؤولون في كل خطوة على أنهم لن يلجأوا إلى التحفيز الصريح، مثلما حدث في عامي 2008 و2015، عندما تم تخفيض أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد. لكن الضغط يتصاعد داخليا من أجل استجابة أكثر قوة للتباطؤ المحلي وللهجوم الاقتصادي المركز من البيت الأبيض.
إن لجنة السياسة النقدية في المصرف، التي تجتمع بصفة استشارية، ملتزمة في الآونة الأخيرة بالحفاظ على التوازن بين أسعار الفائدة وسعر الصرف وتوازن المدفوعات. ومع أن بنك الشعب الصيني نجح باعتدال في الوفاء بهذه المهمة، إلا أن الأداء السابق ليس ضمانا للنتائج المستقبلية ويجب إجراء مقايضات إذا استمر النمو في التباطؤ.
عندما كان بنك الشعب الصيني يفرض سيطرته على سعر الصرف، لم تكن النية إيقاف انخفاض العملة كليا - انخفضت 10 في المائة مقابل الدولار هذا العام - بقدر ما كان الأمر متعلقا بإدارة سرعة انخفاضها. وقد ساعد تشديد الرقابة على رأس المال في 2015 و2016 على إبقاء ضغوط الانخفاض تحت السيطرة، كما ساعدت التدفقات الداخلة أيضًا. لكن الاحتياطي الفيدرالي مستمر في تشديد السياسة النقدية، ما يقلل من جاذبية الحفاظ على ارتباط الرنمينبي بالدولار ويزيد من ضغط التدفقات الخارجة، إضافة إلى الضغط النزولي على العملة الصينية.
من الناحية المثالية، النمو الاقتصادي سيصمد وسُيمنح البنك المركزي مجالا للسيطرة على السياسة النقدية. ووفقا لهذا السيناريو، قد يتمكن البنك حتى من زيادة أسعار الفائدة قليلاً للمساعدة في الحفاظ على استقرار سعر الصرف.
لكن من المرجح أن يتباطأ النمو أكثر مما يشير إليه مسار السياسة الحالية للبنك المركزي. لم يظهر تأثير الحرب التجارية حتى الآن في البيانات، لكنه قد يبدأ في الظهور في وقت مبكر من عام 2019. وعندما يحدث ذلك، فإنه سيفاقم آثار تقليص المديونية المالية والضوابط الأكثر إحكاما على الديون الحكومية المحلية والقيود المفروضة على قطاع العقارات، التي عملت جميعها على تقييد العوامل المحركة لأنموذج النمو القائم على الديون في الصين. ستصل الحكومة إلى هدف النمو في الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام، وهو نسبة 6.5 في المائة، لكنها قد لا تتمكن من تكرار الحيلة في عام 2019.
في هذه المرحلة، التحدي أمام بنك الشعب الصيني في إدارة أسعار الفائدة وسعر الصرف سيصبح مستحيلاً، خاصة إذا استمر "الاحتياطي الفيدرالي" في رفع معدلات الفائدة في عام 2019. حينها سيضطر البنك المركزي الصيني إلى تخفيف السياسة النقدية بشكل أكبر، بما في ذلك من خلال تخفيض أسعار فائدة السوق بين المصارف، ومن الممكن أن يشمل أيضا سعر الإقراض القياسي وسعر الفائدة على الودائع.
في نهاية المطاف ظهرت للعيان مرة أخرى حدود السياسة النقدية في دعم الاقتصاد الصيني. وبدلاً من تخفيض نسبة الاحتياطي، تحتاج الصين إلى إصلاحات أكثر قوة لتشجيع الاستهلاك. هذا من شأنه أن يساعد على إعادة توازن الاقتصاد وتعزيز الثقة وجذب مزيد من رأس المال، ما يخفف من ضغوط سعر الصرف.
أصر البنك المركزي في تصريح أدلى به في نهاية الأسبوع الماضي، على أن تخفيض الاحتياطي كان يهدف إلى "تحسين هيكل السيولة دون تخفيف السياسة النقدية"، وبالتالي لن يضغط على سعر الصرف. لكن مع تزايد الأنباء السيئة، سيصبح من الصعب للغاية الوفاء بهذا الادعاء.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES