FINANCIAL TIMES

موجة البيع الكبرى في البورصات العالمية .. من أين انطلقت؟

موجة البيع الكبرى في البورصات العالمية .. من أين انطلقت؟

موجة البيع الكبرى التي جعلت أسهم التكنولوجيا تدفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 يوم الأربعاء إلى أسوأ انخفاض في يوم واحد منذ شباط (فبراير) ترددت أصداؤها عبر الأسواق العالمية يوم الخميس.
الانخفاض الحاد في وول ستريت عكس أصداء الوضع السيئ على نحو غير عادي "فولماجيدون" في شباط (فبراير)، عندما عانى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 واحدا من أسرع تصحيحاته بنسبة 10 في المائة وأثار تساؤلات حول ما إذا كانت السوق الصاعدة التي مضى عليها عقد من الزمن تقريبا باتت في خطر الآن. وعلى الرغم من عدم وجود محفز مباشر لعمليات البيع الكثيف التي حدثت، إلا أن بعض العوامل القوية تلعب دورا في جيشان السوق الحالي.
أول هذه العوامل هو ارتفاع عائدات السندات، فهو بلا شك كان السبب المباشر لأن تعكس البورصة اتجاهها. التراجع الكبير للسندات في الأسبوع قبل الماضي كان بسبب ارتفاع التفاؤل بشأن الاقتصاد، لكن رد الفعل الحاد في سوق الدخل الثابت - عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشرة أعوام وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ سبعة أعوام عند 3.25 في المائة - كان كافيا لإثارة التوتر في الأسهم أيضا.
بقيت السندات تحت الضغط خلال الأسبوع الماضي، لكن ليس بالقدر نفسه تقريبا. يقول محللون ومستثمرون إن العائدات ليست مرتفعة بما فيه الكفاية لإثارة قلقهم أكثر من اللازم، والتحركات في سوق سندات الخزانة الأمريكية كانت ضعيفة نسبيا إلى أن أدى تراجع الأسهم إلى جعلها أسوأ بعد ظهر يوم الأربعاء. حدة الانحدار دفعت المستثمرين إلى الغوص مرة أخرى في سندات الحكومة الأمريكية الآمنة نسبيا. وكانت عائدات السندات لأجل عشرة أعوام 3.17 في المائة في لندن.
تشارلي ريبلي، كبير خبراء استراتيجية الاستثمار في شركة أليانتز لإدارة الاستثمار، أشار إلى أن "أسعار الفائدة الأعلى عادة ما تؤدي إلى أوضاع مالية أكثر صرامة، يُمكن أن تُثبط النمو في المستقبل وأسواق الأسهم تتفاعل مع ذلك".
إذن، ارتفاع العائدات ربما يكون قد مهد الطريق لموجة البيع الكبرى، لكن ربما لا يتحمل اللوم على ضراوته.
الرهان على التقلبات قصيرة الأجل عامل آخر وراء ما حدث في الأسبوع الماضي. اضطراب شباط (فبراير) أثار أيضا ارتفاع العائدات، الذي تفاقم بسبب انهيار نوعين من الأوراق المالية المتداولة في البورصة تُراهنان على بقاء أسواق الأسهم هادئة من خلال عقود مشتقات معقدة التي تحمل اسم عقود فيكس الآجلة.
عندما زادات التقلبات تعرضت هذه الصناديق – ومتداولون آخرون يتخذون مراكز مكشوفة على التقلبات – إلى ضربة مزقتها وحولتها إلى أشلاء، وأدى ذلك إلى ارتفاع درجة التقلبات أكثر في الوقت الذي كانت تسعى فيه لتغطية مراكزها. وهذا عاد بالسوء على البورصة من خلال العقود الآجلة في مؤشر ستاندرد آند بورز وتسبب في مزيد من التراجع.
ربما تكون هناك ديناميكية مماثلة بدأت تترك تأثيرها في الأسبوع الماضي. فبحسب بيانات من لجنة تداول العقود الآجلة للسلع، المستثمرون عادوا مرة أخرى لبيع عقود فيكس الآجلة على المكشوف بأعلى درجة منذ كانون الثاني (يناير)، ومؤشر تقلبات سوق تبادل خيارات مجلس شيكاغو لتقلبات التقلبات قفز إلى أعلى مستوى له منذ شباط (فبراير). ميدها سامانت، مديرة الاستثمار للأسهم الآسيوية في فيديليتي إنترناشيونال، لاحظت أن "موجة البيع الكبرى في السوق الأمريكية (...) أثارت الذعر وأحيت ذكريات جلسات تداول مماثلة في بداية العام".
مع ذلك، واحدة من الأوراق المالية المتداولة في البورصة لعقود فيكس الآجلة التي غذت الحالة بالغة السوء في شباط (فبراير) كانت ميتة، بينما لم تكن ورقة أخرى في المستوى الذي كانت عليه. ويقول متداولو مشتقات إن السوق في المجمل ليست تماما "الربيع المُطلق" الذي كانت عليه في بداية العام.
تزامن كل ذلك مع حالة دوران في البورصة. فأحد أبرز التطورات في الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة كان الانعكاس المفاجئ للفائزين والخاسرين. كان أداء الأسهم غير المحبوبة التي تخلفت عن ارتفاع عام 2018 أفضل بكثير، بينما أكبر الضحايا كانت الشركات والقطاعات التي حققت أداءً عاليا في السابق.
أسهم التكنولوجيا سريعة النمو كانت الاستثمار الرئيس لمديري الصناديق في الأعوام الأخيرة، بالنظر إلى أن النمو الاقتصادي كان أبعد ما يكون عن الممتاز. لكن مع قوة الاقتصاد الأمريكي الآن، يبدو أن بعض المستثمرين يعودون إلى أسهم "القيمة" الأرخص التي تستفيد من الارتفاع.
في الوقت نفسه، كانت عائدات السندات تعمل على تخفيض القيمة المستقبلية للتدفقات النقدية. وهي كلما كانت أقل، كانت أفضل بالنسبة للأصول ذات الآجال الطويلة – مثل سندات الخزانة الأمريكية لأجل 30 عاما، أو الأسهم، التي (من الناحية النظرية) هي أوراق مالية دائمة.
بالنظر إلى عدم وجود أرباح أسهم وتقييمات أعلى، يُمكن القول إن كثيرا من أسهم التكنولوجيا هي الأصول ذات الآجال الأطول في العالم "ومن المعقول تماما أنها ستخضع في النهاية لارتفاع أسعار الفائدة"، كما أشار خبراء استراتيجية في مورجان ستانلي.
آفاق النمو العالمي كانت أحد العوامل أيضا. جاي باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، أدهش فريقا من المتابعين بالمديح الذي كاله للاقتصاد الأمريكي أخيرا، لكن أداء الاقتصاد الأمريكي المتفوق كان بالفعل أحد الاتجاهات الرئيسة للأسواق هذا العام. لكنه جاء في وقت كان فيه جزء كبير من بقية العالم يتباطأ.
أشار ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، إلى ارتفاع الحمائية باعتبارها "المصدر الرئيس لعوامل اللبس" في اقتصاد منطقة اليورو، حيث أظهرت استطلاعات الشركات الأخيرة وبيانات التصنيع الرسمية انخفاض الثقة وتباطؤ مبيعات التصدير. وخفض صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي توقعاته للنمو في معظم البلدان هذا العام وفي عام 2019.
وبحسب كيت جيكس، وهو خبير استراتيجية في سوسييتيه جنرال "خلال معظم عام 2018، كان الاقتصاد الأمريكي غافلا عن التحوّل في الدورة الاقتصادية العالمية، وسوق الأسهم الأمريكية لم تتأثر عندما تعرضت الأسهم والعملات في الأسواق الناشئة للضغط. هذا الأسبوع جعل مؤشر ستاندرد آند بورز، وناسداك، ينتبهان لما يحدث".
وفي حين أن أسهم التكنولوجيا قادت موجة البيع الكبرى، كانت شركات الطاقة رابع أسوأ قطاع بسبب انخفاض أسعار النفط ـ تراجع خام برنت 2.2 في المائة يوم الأربعاء وكان أضعف بنسبة 1.2 في المائة صباح الخميس في لندن. الاستراتيجيات المنهجية يمكن أن تكون أيضا من العوامل التي أثرت في اضطراب الأسبوع الماضي. هناك كثير من استراتيجيات الاستثمار التي تعمل بالكمبيوتر والتي تقيس منهجيا تعرض سوقها وفقا للتقلبات. لذلك عندما تصبح الأسواق متقلبة، فإنها تبيع وعندما يتراجع الجيشان تشتري. مدى سرعة استجابتها للتقلبات تختلف كثيرا حسب الاستراتيجية، ويصر مديرو الصناديق المنهجيين على أنهم بالكاد يستجيبون إلى سلاسل التقلبات القصيرة. لكن بعض المحللين والمستثمرين يجادلون بأنها على الرغم من ذلك قادرة على مفاقمة الانخفاضات والارتفاعات.
الأنواع الرئيسة الثلاثة هي صناديق معادِل المخاطر، ومستشارو تداول السلع – نوع من صناديق التحوّط التي تتبع الاتجاه – وحسابات التأمين "ذات المعاشات السنوية المتغيرة" مع هدف تقلبات ثابت. الأرقام تختلف لكن يقدِّر المحللون إجمالي أصولها التي تحت الإدارة بحدود تريليون دولار. ويغلب على هذه الصناديق أن تعود إلى التوازن في الساعة الأخيرة من يوم التداول، الأمر الذي يمكن أن يفسر لماذا تسارعت موجة البيع الكبرى وصولا إلى جرس الإغلاق. لكن الصناديق المتداولة في البورصة وكثير من الاستراتيجيات الكمية الأخرى تُعدّل أيضاً المراكز في نهاية اليوم، الأمر الذي يدفع النشاط إلى نافذة ضيقة، لذلك انخفاض نهاية اليوم ليس بالضرورة دليلا على أن الصناديق المنهجية التي تستهدف التقلبات تؤدي إلى تفاقم الجيشان.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES