FINANCIAL TIMES

ماكرون يكافح من أجل بداية جديدة لرئاسته المتعثرة

ماكرون يكافح
من أجل بداية جديدة لرئاسته المتعثرة

“أيها الشعب الفرنسي، ساعدني” هذه هي الكلمات التي كان أنصاره يتوقون إلى سماعها.
في زيارة للأقاليم الفرنسية في منطقة الكاريبي الشهر الماضي، نزل الرئيس إيمانويل ماكرون من أبراجه العاجية وحاول أن يعيد التواصل مع شعب يرفضه بصورة متزايدة. بعد زلات متكررة، فضيحة متعلقة بأحد مساعدي الأمن وتوترات داخل حكومته، أصبح ينظر إلى ماكرون باعتباره شخصا متعجرفا وبعيدا عن الأنظار. كان من المفترض أن تشكل جولته في جزر الأنتيل بداية جديدة.
من المؤسف في ذلك الوقت أن موضوع النقاش الكبير خلال الزيارة كان صورة ذاتية (سيلفي) لرئيس يبتسم ابتسامة عريضة ويحيط به اثنان من الشباب ذوي العضلات، أحدهما يلوح بإصبعه بطريقة غير لائقة. هاجم منتقدو ماكرون مكتبه بسبب تقليلهم المزعوم من أهمية الموضوع. “إنه أمر لا يغتفر!”، غردت مارين لوبان، الزعيمة اليمينية المتطرفة.
وتعرض ماكرون لكارثة أكثر خطورة بعد بضعة أيام، عندما انسحب وزير الداخلية، جيرار كولومب، من الحكومة، رافضا بصورة معلنة طلب الرئيس منه البقاء. كانت هذه الاستقالة الوزارية الثالثة في عدة أشهر.
وظهر رسم كاريكاتوري قاس في صحيفة فرنسية يبدو فيه الرئيس محاطا باثنين من الوزراء، وكولومب يلوح بإصبعه بتلك الطريقة الوقحة.
على الرغم من محاولاته التواصل أكثر مع شعبه، لا يبدو أن ماكرون يساعد نفسه. في زيارة إلى قرية تعتبر مسقط رأس شارل ديجول، للاحتفال بمرور 60 عاما على تأسيس الجمهورية الفرنسية الخامسة، تم تذكير الرئيس بقول الجنرال المأثور إن الفرنسيين ليس لديهم الحق في الشكوى.
اتفق ماكرون مع ذلك، قائلا: “كان البلد سيكون في مكان مختلف لو كنا جميعا كذلك (...) إننا لا ندرك كم نحن محظوظون”.
ومع تأرجح نسبة التأييد له عند نحو 33 في المائة، يتساءل كثيرون عما إذا كان سيقع في الفخ نفسه الذي وقع فيه أسلافه الأخيرين، المتمثل في تراجع سريع للشعبية يستنزف الطموح ويؤدي إلى الهزيمة.
يقول حلفاء ماكرون إن الإجابة عن الصعوبات التي يواجهها تكمن في تقليل العجرفة، وزيادة الاتصالات المنضبطة، وقبل كل شيء التمسك بخططه الإصلاحية واسعة النطاق لإحداث تغيير ملموس.
وبحسب أحد المسؤولين: “الفرنسيون غير صبورين. إنهم يريدون نتائج. كانوا يؤمنون بإيمانويل ماكرون. ولا يزالون كذلك. لكنهم يطرحون علينا الأسئلة. يعرفون أن الوضع الراهن لن يستمر. لكنهم يريدون أن يعرفوا ما إذا كان سيؤتي ثماره. لن يكون هناك شيء أسوأ في هذه المرحلة من التقليل من أهمية الأمور”.
تخطط الحكومة للمضي قدما في الموجة التالية من برنامج الإصلاح. بعد تخفيف القواعد المتعلقة بحالات الفصل وإصلاح السكك الحديدية الحكومية، تريد تقليص تكلفة نظام تأمين البطالة السخي وإيجاد مزيد من الحوافز للعاطلين للشروع في العمل.
لديها أيضا خطط لجعل نظام المعاشات التقاعدية أكثر عدلا، وشرعت في إعادة هيكلة المزايا والخدمات لانتشال المزيد من الناس من براثن الفقر. هناك لائحة في البرلمان تحتوي على مجموعة من الإجراءات لتسهيل إدارة الأعمال التجارية. قد يكون تأثيرها الإجمالي على النمو متواضعا، لكنها من المفترض أن ترفع القدرة التنافسية دون أي تكلفة على وزارة الخزانة، وفقا لمسؤولين كبار.
يقول بعض الموالين إلى ماكرون إن الأمر ليس مجرد مقدار الإصلاح، بل طريقة تنفيذه - وهو توبيخ ضمني لرئيس يبدو أنه يريد إدارة البلاد بحفنة من مساعديه من قصر الإليزيه.
قال ستانيسلاس غوريني، عضو البرلمان وأحد الأعضاء المؤسسين لحزب “الجمهورية إلى الأمام”: “أنا أول الأشخاص الذين يتعين عليهم الغضب والسخط” بسبب الأخطاء. وأضاف: “ولكن كيف لنا التعافي من هذا الوضع؟ ليس بتغيير الاتجاه في الإصلاح. نحتاج إلى إعادة الاتصال بمبدأ تأسيسي مهم للغاية في حزب الجمهورية إلى الأمام: تمكين الناس والمجتمع المدني من أجل ان يحصل التغيير”.
أحد المسؤولين الكبار قلل من حجم مشكلات ماكرون. قال: “انظروا حولنا”، مشيرا إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والانفصالية الكتالونية، ومعارك ائتلاف أنجيلا ميركل، والحكومة الإيطالية المناهضة للمؤسسات التي تتصادم مع الأسواق وبروكسل. وأشار آخرون إلى صورة فرنسا المتحسنة بشكل كبير بين المستثمرين الدوليين، والتي ترجع جزئيا إلى الاختيارات التي لا تحظى بالشعبية بشأن الضرائب، باعتبارها مفيدة للأثرياء.
يمكن أن تتحسن الأمور قريبا بالنسبة لماكرون. سيتم تخفيض الضرائب على الأسر المعيشية بمقدار صافي يبلغ سنة مليار يورو في عام 2019، بما في ذلك إلغاء ضريبة العقارات وتخفيض الرسوم الاجتماعية. النمو الاقتصادي قوي بعد النصف الأول من العام الذي كان فيه النمو ضعيفا.
قال لوران بيجورن، من معهد مونتين، وهو معهد فكري: “إنه في وضع صعب بين الإصلاح والنتائج، وهو على الأرجح أصعب مكان يمكن أن يكون فيه”.
ويشكك آخرون في صحة استطلاعات الرأي والمقارنات التاريخية، إذ إن صعود ماكرون إلى السلطة هز النظام السياسي الفرنسي. وما زال خصومه في اليمين المتطرف واليسار المتطرف يشكلون تهديدا قويا، لكن جاذبيتهم الانتخابية بصورة عامة تبدو محدودة. أحزاب المعارضة السائدة في حالة من الفوضى.
هناك قائد سابق معين في أذهان بعض كبار أنصار ماكرون، لكنه ليس فرنسيا. إنه مستشار يسار الوسط الألماني، جيرهارد شرودر، الذي جدد أنموذج الاقتصاد الألماني ما تسبب في فقدانه دعم حزبه وخسر الانتخابات قبل أن تؤتي الإصلاحات ثمارها.
قال أحدهم: “السياسة لا تتعلق فقط بالنتائج، فهي تأتي في بعض الأحيان متأخرة جدا”.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES