Author

الاقتصاد السعودي .. التزام وإنجاز

|

لم يخف صندوق النقد الدولي قلقه من اتجاهات النمو الاقتصادي العالمي، حيث كشف تقرير صندوق النقد الدولي الأخير قيام الصندوق بتخفيض تقديراته للنمو الاقتصادي العالمي لعامي 2018 و2019، وكذلك خفض تقديراته للنمو في أغلب الاقتصادات المتقدمة والناشئة. ومَن يقرأ نشرات صندوق النقد الدولي وتصريحات مسؤوليه يشعر ببعض القلق من اتجاهات الاقتصاد العالمي، فالصندوق يؤكد في تقاريره أن السياسات النقدية التيسيرية هي التي تدعم النمو، وهذا أدى إلى حدوث بعض الزيادة في المخاطر قصيرة الأجل مع تصاعد التوتر في أجواء التجارة العالمية، وما تتعرض له بعض الاقتصادات الناشئة من ضغوط في الأسواق المالية، وزيادة قوة الدولار وارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة جعلت المشهد مأساويا مع ارتفاع تكلفة الاقتراض في الدول ذات الاحتياجات الائتمانية الأكبر وفي سياق ارتفاع أسعار النفط، وضغوط السوق على عملات بعض الاقتصادات ذات الأساسيات الاقتصادية الأضعف. كما أن تقرير آفاق الاقتصاد العالمي يصور مشهدا مملوءا بعدم اليقين، وذلك بعد سنوات عشر من الأزمة المالية العالمية، خاصة مع علاقات اقتصادية دولية غير واضحة المعالم. ويكفي أن تقرأ عبارة مثل "كيف لصُناع السياسات توجيه دفة اقـتصاداتهم عبر الأمواج المتلاطمة في الفترة المقبلة؟" لتكون على دراية كافية بما يحمله التقرير من قلق بذل صُناعه جهدا كبيرا في تفنيده. فمن المتوقع أن يبلغ النمو العالمي 3.9 في المائة عامي 2018 و2019، مع التوسع في تراكم المخاطر، حيث يرى التقرير أن معدل التوسع بلغ ذروته في بعض الاقتصادات الكبرى، وأن النمو أصبح أقل تزامنا. فلذلك تم تخفيض توقعات النمو لمناطق اليورو واليابان والمملكة المتحدة، وفي مجموعة اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وتم تخفيض توقعات النمو للأرجنتين والبرازيل والهند.
لكن هذا المشهد الاقتصادي العالمي المقلق في تقرير الصندوق الدولي يتحول إلى صورة مبهجة عندما يتحدث عن اقتصاد المملكة، فقد أكد الصندوق توقعاته بارتفاع معدلات نمو اقتصاد المملكة العربية السعودية لعامي 2018 و2019، ليبلغ 2.2 في المائة و2.4 في المائة على التوالي. وأشار وزير المالية السعودي، تعليقا على هذا التقرير، إلى أن النظرة المتفائلة للصندوق نحو معدلات نمو الاقتصاد السعودي تبرهن على الفاعلية والأثر الإيجابي للإصلاحات الاقتصادية والتدابير المالية، التي تنفذها حكومة المملكة وفق برنامج تحقيق التوازن المالي في إطار "رؤية المملكة 2030". لقد بذلت حكومة خادم الحرمين الشريفين جهودا جبارة لتصل إلى هذا الوضع المريح مقارنة بباقي الاقتصادات العالمية، جهودا تمثلت في امتصاص صدمة انخفاض أسعار النفط ومعالجة الخلل الكبير في الميزانية العامة، مع ضبط الإنفاق، والتوجه نحو النمو في الأصول الرأسمالية، ولا شك أن الالتزام التام بالخطط الموضوعة قد أسهم في هذا الإنجاز.
من المهم الإشارة إلى أن تقرير صندوق النقد أكد الدور المهم لتحسن أسعار النفط في التأثير على تقديراته، لكن يجب أن نؤكد أيضا أن الجهد الضخم الذي بُذل من أجل إصلاح السوق النفطية، وبناء توازن جديد فيها مع تعاون واسع بين المنتجين من "أوبك" ومن خارجها قد أسهم في إصلاح التقديرات، كما أن العمل الكبير الذي أنجز في فترة وجيزة جدا لإصلاح هيكل تمويل المالية العامة وتحسين مدخلات الإيرادات غير النفطية والمضي قدما في برنامج الخصخصة، وإصلاح هيكل الدعم، كل ذلك جعل الصورة تبدو رائعة اليوم. هذا الإنجاز يبدو ضخما مقارنة بأي دولة أخرى قد تواجه الضغوط الاقتصادية نفسها التي مرت بها المملكة وكانت العودة للنمو في هذه الفترة الوجيزة تحديا في حد ذاته، ومع ذلك فإنه لا بد من الإصغاء جيدا لتنبيهات تقرير صندوق النقد وعدم الركون للراحة الآن، فالضبابية في الاقتصاد العالمي قد تسبب مشكلات جديدة، ولهذا لا بد من الاستمرار في منهج الإصلاحات، خاصة في تخصيص القطاعات الاقتصادية.

إنشرها