Author

أين «السعفة»؟

|

قبل سبع سنوات تقريبا، أعلنت مجموعة من القيادات التنفيذية والأكاديمية تأسيس أول مؤسسة مجتمع مدني متخصصة في تعزيز قيم "النزاهة والشفافية" في المملكة، وتم الترخيص لها رسميا من وزارة الشؤون الاجتماعية تحت مسمى مؤسسة السعفة، وضمت المؤسسة نخبة من الكفاءات الوطنية، الذين تطوعوا لتقديم خبراتهم، ورسم الأهداف والاستراتيجيات، التي تأسست من أجلها، ما مكنهم خلال فترة وجيزة من تقديم مجموعة المبادرات المتميزة المنسجمة مع الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد.
وكانت لدى المؤسسة رؤية واضحة لتحقيق الريادة في تقديم مجموعة من البرامج والمبادرات الفاعلة في نشر الوعي والمرجعية لكل المواضيع المتعلقة "بالشفافية" و"النزاهة"، وتقديم الدعم اللازم للقطاعين الحكومي والخاص لتطبيق أطر العمل والقواعد والممارسات المتعلقة بتعزيز الشفافية والنزاهة في المؤسسات والشركات. وكان من ضمن ما قدمت "السعفة" مشروع تعديل نظام المنافسات والمشتريات الحكومية؛ لتحقيق مزيد من النزاهة، وقد تم تطبيقه من قبل وزارة المالية في التعديل الأخير لنظام المشتريات، والمشروع الآخر "اللائحة الاسترشادية لحوكمة المؤسسات والجمعيات الخيرية"، وأعتقد أن وزارة الشؤون الاجتماعية سابقا فعلت بعض بنودها، كما بادرت المؤسسة بالشراكة مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بدراسة "لحوكمة الشركات السعودية" المدرجة، تشمل آلية اختيار أعضاء مجالس الإدارات، ومؤهلاتهم، والحاجة إلى شهادة مهنية سعودية تكون شرطا للترشح لعضوية مجلس إدارة أي شركة سعودية مدرجة، كما قامت "السعفة" بتدريب أكثر من 100 شخصية قيادية في المؤسسات الحكومية والأهلية على برامج تدريبية متخصصة في النزاهة، و"مكافحة الاحتيال"، وتنظيم حلقات نقاش وندوات تتعلق بالنزاهة والحوكمة والشفافية، وإصدار مجلة متخصصة في النزاهة.
أما أبرز الإنجازات فكانت جائزة الشفافية، التي تمنح سنويا للمؤسسات التي تحقق معايير النزاهة في مجال الأعمال، وكانت حدثا سنويا منتظرا.
لكن السؤال الذي يحيرني أن مؤسسة السعفة في العامين الأخيرين اختفت عن المشهد العام، وتوقف نشاطها ومبادراتها رغم الأهمية التي تحظى بها كمؤسسة متخصصة في مجال مهم جدا، ولم أعد أرى لها أثرا على أرض الواقع، رغم أن كثيرا من برامجها كان محل تفاعل وترحيب اجتماعي.
ويفترض أن تكون "السعفة" الآن أكثر نشاطا وتفاؤلا في ظل القرارات الأخيرة، التي عززت الشفافية، وحجمت رموز الفساد.
وأهيب بالقائمين على مؤسسة السعفة باستغلال الأجواء الإيجابية الآن، واستعادة حضورهم ولياقتهم في تقديم مزيد من المبادرات الداعمة؛ لتعزيز مسيرة الشفافية ومحاربة الفساد، فالحاجة ملحة والمجتمع ينتظر.
وطريق الحرب على الفساد طويل جدا. لا تكفيه الإجراءات الطويلة، ولا العقوبات المعلنة، ولا إسقاط رموزه وعرابيه، الذين تسللوا في غفلة من الزمن، وأصبحوا أباطرة في التلاعب والتخفي ومخادعة الأنظمة.
وكما قلت، إذا كان توجه الدولة الحالي هو الحزم في الحرب على الفساد، فهذا الدور سيكتمل بتضافر الجهود مع مؤسسات المجتمع المدني؛ فالوقاية من الفساد من خلال التوعية، وتحسين الأنظمة، وتحفيز مؤشرات النزاهة، وتدريب القيادات التنفيذية، وإجراء مزيد من الدراسات لمراجعة الأنظمة والثغرات التي قد تقود إلى شبهات الفساد؛ كلها مرتبطة بجهود المجتمع المدني. وكم تمنيت أن تواكب "السعفة" جهود الدولة الحازمة في المرحلة الحالية بمثل هذه الأفكار التي بدأتها بحماس.. فمن يبادر؟

إنشرها