Author

توجيه السفينة وليس الانسياق مع الريح «1»

|
كثير من الاقتصادات يواجه ضغوطا بسبب ارتفاع سعر الدولار، وتضييق الأوضاع في الأسواق المالية. وبعضها يواجه الآن تدفقات رأسمالية خارجة. ولتوضيح الصورة، نحن لا نستشرف اتساع نطاق العدوى المالية -حتى الآن-، لكننا نعلم أيضا أن هذه الأوضاع يمكن أن تتغير بسرعة. وإذا زاد احتدام النزاعات التجارية الجارية، فمن الممكن أن تسبب صدمة أوسع نطاقا في الاقتصادات الصاعدة والنامية. فماذا ينبغي القيام به إذن؟ في مثل هذه الأوقات، يمكن أن يستوحي صناع السياسات الحل من كلمات شاعر أمريكي عظيم، هو أوليفر وندل هولمز، الذي قال ذات مرة: "الوصول إلى الميناء يتطلب الإبحار مع الريح في بعض الأحيان وضدها في أحيان أخرى، لكن علينا الإبحار، وليس الانسياق مع الريح، ولا البقاء منتظرين". ورسالتي الأساسية اليوم هي أننا بحاجة إلى إدارة المخاطر، وتعجيل الإصلاحات، وتحديث النظام متعدد الأطراف. أو بالتعبير المستخدم في عالم الملاحة، نحتاج إلى توجيه السفينة، وليس الانسياق مع الريح. ويعني هذا، فوق كل شيء، اغتنام الفرصة الآن، بينما النمو لا يزال قويا نسبيا لتنفيذ إصلاحات السياسة الجريئة التي يتطلبها دعم الزخم الاقتصادي والحفاظ عليه. وكما قلت من قبل "علينا إصلاح السقف".. إنه التصرف الصحيح الآن أكثر من أي وقت مضى. فكيف يمكن القيام بهذا عمليا؟ بمعالجة ثلاثة تحديات هي: التجارة والاضطرابات والثقة. أ) بناء نظام تجاري عالمي أفضل أولا، التجارة: بتعبير بسيط، ينبغي أن تعمل البلدان معا لبناء نظام تجاري عالمي أكثر قوة وإنصافا وملاءمة للمستقبل. وهناك كثير على المحك؛ لأن قطع سلاسل القيمة العالمية يمكن أن يقود إلى أثر مدمر على كثير من البلدان، بما فيها البلدان المتقدمة، ويمكن أيضا أن يمنع البلدان الصاعدة ومنخفضة الدخل من تحقيق إمكاناتها الكاملة. وكثير على المحك؛ لأن قيود الاستيراد تمنع التجارة من القيام بدورها الأساسي في دفع الإنتاجية، ونشر التكنولوجيات الجديدة، والحد من الفقر. ولهذا نحتاج إلى العمل معا لنزع فتيل التصعيد في النزاعات التجارية الجارية والنجاح في تسويتها. ورغم الإغراء الذي ينطوي عليه الإبحار المنفرد، يخبرنا التاريخ أن على البلدان مقاومة دعاوى الاكتفاء الذاتي؛ لأنه يقود السفينة إلى الدمار، كما تقول أساطير الإغريق. إن ما نحتاج إليه في الفترة المقبلة هو "قواعد أذكى" للتجارة تضمن الكسب للجميع. نحتاج إلى إصلاح النظام، لا تدميره. ويتمثل التحدي الآني في تعزيز القواعد القائمة. ويتضمن هذا النظر إلى الآثار التشويهية، التي يتسبب فيها الدعم المقدم من الدولة، ومنع إساءة استخدام المراكز المهيمنة، وتحسين إنفاذ حقوق الملكية الفكرية. وبالنسبة لهذه القضايا، يمكن أن نستمد التشجيع من تنامي عدد المناقشات والمقترحات، وآخرها من كندا والاتحاد الأوروبي. إنها خطوات إيجابية، وهناك عمل أكثر يتعين القيام به. فعلى سبيل المثال، إذا تعذر الوصول إلى اتفاق بين كل البلدان، يمكن للحكومات استخدام صفقات تجارية أكثر مرونة؛ حيث تتفق البلدان المتماثلة فكريا على العمل ضمن إطار منظمة التجارة العالمية. وبالطبع، فإن إصلاح النظام يعني أيضا جعله ملائما للمستقبل. وهنا أيضا، يمكن استخدام اتفاقيات التجارة المرنة لإطلاق الإمكانات الكاملة للتجارة الإلكترونية وغيرها من الخدمات التجارية، مثل الهندسة والاتصالات والنقل. ويوضح أحدث تحليلاتنا أننا إذا خفضنا تكاليف التجارة في مجال الخدمات 15 في المائة، يمكننا رفع إجمالي الناتج المحلي الكلي لبلدان مجموعة العشرين بأكثر من 350 مليار دولار هذا العام. ويمكن أن يكون هذا مساويا لإضافة بلد آخر بحجم جنوب إفريقيا إلى مجموعة العشرين. تلك هي أنواع المكاسب الموجودة في المتناول إذا عملنا معا، وإذا ركزنا على إيجاد نظام أفضل للتجارة العالمية. وهناك إقبال واضح على تحسين التجارة وتوسيع نطاقها. ويدلل على هذا العزم ما شهدناه من إبرام اتفاقية التجارة الإفريقية، وموجة المفاوضات الثنائية في الآونة الأخيرة. ب) الوقاية من اضطرابات المالية العامة والقطاع المالي والتحدي الثاني هو الوقاية من الاضطرابات على مستوى المالية العامة والقطاع المالي. وإليكم السؤال المحوري: بعد عشر سنوات من الأزمة المالية العالمية، هل أصبحنا آمنين أكثر من ذي قبل؟ وإجابتي هي "نعم". لكننا لسنا آمنين بالقدر الكافي. وعلينا مواصلة الدفع لتنفيذ جدول أعمال التنظيم المالي، ومقاومة الارتداد إلى الوراء. وإضافة إلى ذلك، فبعد عقد من الأوضاع المالية الميسرة نسبيا، بلغ الدين مستويات مرتفعة جديدة في البلدان المتقدمة والصاعدة ومنخفضة الدخل. والواقع أن الدين العالمي - سواء العام أو الخاص - قد بلغ مستوى مرتفعا قياسيا هو 182 تريليون دولار، بزيادة تكاد تصل إلى 60 في المائة عن عام 2007. وقد أدى هذا التراكم إلى جعل الحكومات والشركات أكثر عرضة للتأثر بتضييق الأوضاع المالية. وقد بدأت الاقتصادات الصاعدة والنامية تشعر بتأثيره بالفعل، حيث بات عليها التكيف مع عودة السياسة النقدية العادية في العالم المتقدم. بل إن هذه العملية يمكن أن تزداد صعوبة إذا تسارعت فجأة، حيث يمكن أن تؤدي إلى عمليات تصحيح في الأسواق، وتحركات حادة في أسعار الصرف، ومزيد من التراجع للتدفقات الرأسمالية... يتبع.
إنشرها