الطاقة- المعادن

مزاج المضاربين يربك مسار الذهب .. الأسعار وصلت إلى القاع

مزاج المضاربين يربك مسار الذهب .. الأسعار وصلت إلى القاع

يعد الاعتراف بوجود مشكلة خطوة أولى لعلاجها، وعلى ما يبدو فإن أسواق الذهب قد أقرت حاليا بشكل أو بآخر بأنها تواجه مشكلة. وربما يكون ذلك بداية الطريق نحو الحل، فالمعدن النفيس خسر منذ بداية العام وحتى الآن 10 في المائة من قيمته، متأثرا بارتفاع الدولار، وعائدات السندات الأمريكية، ما يجعله أقل جاذبية لأنه لا يوفر عائدا.
ويعتقد كثير من الخبراء أن أسعار المعدن الأصفر التي بلغت الآن 1188.84 دولار للأونصة، قد وصلت إلى القاع، وأن مشكلة تخلص المستثمرين والمضاربين من الذهب بالبيع، قد توقفت على الأقل نسبيا في الوقت الراهن.
ومن ثم يصبح التساؤل الآن: هل حان وقت صعود أسعار المعدن النفيس؟ أم أنه سيظل لبعض الوقت عالقا في وضعه الحالي، وحتى إذا تحسنت مستوياته السعرية فما مقدار الزيادة المتوقعة؟، وما العوامل التي تجعله حبيس وضعه الحالي؟ وهل قوة الدولار وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية تلعب دورا رئيسا في الحد من قدرته على النهوض من كبوته والصعود إلى أعلى؟
أغلب التقديرات تشير إلى أن المعدن الأصفر سيراوح سعره بين 1180 و1220 دولارا بنهاية العام، فعديد من العوامل كالوضع الراهن في سوق السندات الحكومية، وقرار الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة، وارتفاع قيمة الدولار في وجه منافسيه من العملات الدولية، والوضع الاقتصادي القلق في إيطاليا، جميعها عوامل تجعل أسواق الذهب في وضع غير مريح بالنسبة للمضاربين عليه.
ومع هذا يبدو أن لدى المحللين الماليين في بنك "إتش إس بي سي" وجهة نظر أخرى، إذ يعتقد تيم راسال المحلل المالي في البنك البريطاني أن جميع المسارات المستقبلية للذهب ستتجاوز حاجز الـ 1200 دولار لكنها ستفشل في اختراق سقف الـ 1400 دولار للأونصة ما لم يكن هناك "تغيير حقيقي" في الأسواق المالية.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أنه "للوصول إلى هذا الحد لا بد من إضعاف الدولار، وقد يكون ذلك مستبعدا في اللحظة الحالية نتيجة رفع الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة، ولكن من الواضح أن الرئيس المريكي دونالد ترمب منزعج من هذا الاتجاه، ويعتقد أن مستوى التضخم في الولايات المتحدة لا يبرر رفع أسعار الفائدة، وإذا تم الحد من قوة الدولار، فإن الذهب سيكون بمقدوره كسر حاجز الـ 1400 دولار للأونصة".
ولكن إذا لم يحدث ذلك، فأي مصير سيواجه المعدن الأصفر، حول ذلك يجيب راسال قائلا:"في ظل المعطيات الراهنة لن يفلح المعدن النفيس في تجاوز 1274 دولارا للأونصة هذا العام، والعام المقبل سيظل دون مستوى 1300 دولار".
ويبدو الذهب حاليا وعلى الرغم من ثبات أسعاره، في وضع دفاعي، فالمعدن الذي يعتبر تقليديا ملاذا آمنا في أوقات عدم اليقين السياسي والاقتصادي يخسر الكثير من جاذبيته التقليدية منذ بداية العام، حيث اختار المستثمرون على نحو متزايد العملة الأمريكية بدلا منه.
إلا أن بعض الخبراء ومن بينهم إل. دي. ريتشارد من بورصة لندن يعتقد أن رفع أسعار الفائدة ربما يترك آثارا إيجابية على سوق الذهب مستقبلا.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن السياسة النقدية المتشددة وفي مقدمتها زيادة أسعار الفائدة، تقلل مستوى السيولة في الأسواق المالية، وهذا يضغط بدوره على الأسواق الناشئة الضعيفة، وجميع البنوك المركزية الكبرى تتطلع إلى تشديد السياسة النقدية، فبنك إنجلترا توقف عن تقديم التسهيلات، ومن المتوقع أن يرفع البنك المركزي الأوروبي في كانون الأول (ديسمبر) برنامجه لشراء السندات، وغالبا سيرفع أسعار الفائدة في بداية العام المقبل، وفي مثل تلك الأجواء الملبدة بالغيوم يصبح اللجوء إلى المعدن النفيس حلا أمثل لكثير من المستثمرين، وهذا قد يدفع أسعار المعدن الأصفر للارتفاع بحلول نهاية العام الجاري، لكن خلال الأسابيع المقبلة يصعب القول إنه سيتجاوز 1200 دولار للأونصة.
يضاف إلى تلك الرؤية مجموعة أخرى من العوامل، فأسعار سندات الخزانة الأمريكية بلغت مستويات غير مسبوقة منذ سبع سنوات، وإذا واصلت عائدات السندات الارتفاع نتيجة تشبع الأسواق، فقد يؤثر ذلك سلبا على أسوق الأسهم، الأمر الذي قد يكون إيجابيا بالنسبة للذهب، ومن أكثر العوامل التي تدفع المضاربين للإقبال على المعدن النفيس قناعتهم المرتكزة على أن سوق الأسهم الدولية خاصة الأمريكية مقبلة على مرحلة تصحيحية في الأسعار.
ويترافق مع ذلك، أن التركيز على الانتخابات المقبلة للكونجرس الأمريكي، التي ستجري في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل تخطف الأنظار.
وإذا ما أفلح الحزب الديمقراطي في استعادة السيطرة على الكونجرس بغرفتيه الشيوخ والنواب، فإن ذلك سيوجد حالة من عدم اليقين السياسي في الولايات المتحدة، وهو ما سيوجد أوضاعا جيدة للمعدن الأصفر.
ووسط تلك الأجواء المشبعة بعديد من المسارات المتناقضة يبدو الوضع الراهن في أسواق الذهب إيجابي للبنوك المركزية التي واصلت شراء المعدن النفيس غير عابئة بانخفاض الأسعار.
وتقول لـ "الاقتصادية"، الدكتورة تريسي جولبوف أستاذة البنوك والنقود، إنه "خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام أضافت البنوك المركزية في العالم لاحتياطيها من الذهب 193.3 طن بزيادة 8 في المائة مقارنة بمشترياتها خلال الفترة نفسه من العام الماضي، التي بلغت 178.6 طن، وفي الربع الأول من هذا العام ووفقا لإحصاءات صندوق النقد الدولي بلغ إجمالي رصيد الذهب لدى البنوك المركزية في العالم 10 في المائة من إجمالي الذهب العالمي .. وخلال الأشهر الأربعة الماضية أضافت البنوك المركزية إلى رصيدها 80 طنا أخرى من الذهب، ليبلغ إجمالي المشتريات منذ بداية العام وحتى أوائل هذا الشهر 264 طنا .. وبذلك فإن البنوك المركزية أكبر مشتر للذهب في العالم هذا العام، حيث ارتفعت مشترياتها إلى أعلى مستوى لها في ست سنوات".
ويعتقد البعض أن دخول البنوك المركزية مجال شراء الذهب بقوة مع الأخذ في الاعتبار أن هناك دولا مثل بولندا قامت بالشراء لأول مرة منذ عام 1998، فإن هذا يعني أن هناك إدراكا واضحا لدى محافظي البنوك المركزية في العالم، بأن الانخفاض السعري الراهن للذهب مؤقت، وأن المعدن النفيس حتما سيعاود التحليق مجددا عند مستويات سعرية أكثر ارتفاعا.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من الطاقة- المعادن