FINANCIAL TIMES

مساومات في البازار الرقمي

مساومات 
في البازار الرقمي

تلقيت قبل عدة سنوات رسالة نصية من شبكة هاتفي الجوال تبلغني بالخبر السار بأنني مشترك بأرخص تعريفة ممكنة. كان يجب عليهم ألا يحركوا ساكنا: لقد اكتشفت خدعتهم، وفي غضون دقائق عرضوا تعريفة أرخص. وفي وقت آخر، تركتهم لأتلقى مكالمات يتوسلون فيها من أجل العفو ويعرضون عليّ جهاز آي باد إذا عدت مرة أخرى.
لا أحد يريد أن يشعر بأنه يتم استغفاله. ولا غرابة في أن يثير وزير الأعمال البريطاني، جريج مارك، في ذلك الحين ضجة حول خططه للتدقيق في كيفية استخدام الشركات البيانات الكبيرة، أو الأدوات الرقمية الأخرى للخروج "بنتائج مؤذية" مثل استغلال العملاء الأوفياء.
هناك مراجعة أخرى جارية بإذن من هيئة الطيران المدني في المملكة المتحدة حول كيفية استخدام شركات الطيران الاقتصادي "للخوارزميات" لوضع العائلات في مقاعد منفصلة إذا لم تدفع مبلغا إضافيا للجلوس معا. أنا وأنت لا نريد أن نكون في الجانب الصعب من خوارزمية استغلالية، أليس كذلك؟
يبدو أنه ليس هناك ضرر في أن تكون لديك فكرة قوية وجيدة عن كيفية عمل المنافسة بشكل جيد في عصر غني بالبيانات. يملك العملاء أدوات جديدة تحت تصرفهم للعثور على أفضل الأسعار، في المقابل تستطيع الشركات اصطياد العملاء المربحين مثل حيوان بري ضال، وتقدم تخفيضات غير معلنة لبعض العملاء، وحتى استهداف الإعلانات والعروض حسب الجنس والعِرق. الأمر اللافت للنظر بشأن مخاوف جماعات حماية المستهلك هو أنه رغم كل التجميل الرقمي، هذا النضال قديم قِدم المساومة في السوق.
عندما تستغرق الشركات الوقت وتبذل الجهد لتجعل سلعها أقل جاذبية، نسمي هذا "تخريب المنتج". قد تأتي الطابعات بنسخة احترافية ذات تكلفة عالية وبنسخة محلية ذات تكلفة منخفضة مع شريحة لجعلها بطيئة. في المتاجر الكبيرة "الرخيصة" تتم تعبئة الأرز والمعكرونة لتبدو مثل مواد تم التبرع بها للإغاثة من المجاعة. وقد تفصل شركات الطيران العائلات التي لا تدفع مبلغا إضافيا – وهي عملية لا تحتاج إلى "خوارزمية" غامضة. في كل الأحوال، تسعى الشركة إلى الحصول على زيادة من العملاء المميزين، مع السعي إلى الاتساع من خلال تقديم أسعار منخفضة للعامة. ومن أجل تحقيق كلا الهدفين، قد تحتاج إلى الإضرار بعرض السوق الواسعة. إذا كان المنتج الرخيص ذا جودة منخفضة بما يكفي، فالأمر الخطير هو أنه حتى العملاء الأغنياء يمكن أن يشتروه.
المختص الاقتصادي، جولإ إيميل ديبوي، اكتشف مثالا في القرن 19 في فرنسا. كتب عن السكك الحديدية "ليس بسبب بضعة آلاف من الفرنكات التي يجب إنفاقها لوضع سقف فوق عربة الدرجة الثالثة (...) أن لدى شركة ما، أو أخرى عربات بلا سقف. ما تحاول الشركة فعله هو منع الركاب الذين يستطيعون دفع رسوم الدرجة الثانية من السفر على الدرجة الثالثة. إنها تضر بالفقراء ليس لأنها تريد إلحاق الضرر بهم، بل لتخيف الأغنياء".
إذن، المشكلة موجودة منذ أكثر من 150 عاما. ومن غير الواضح أن الوضع سيتحسن من خلال الإصرار على المساواة في المعاملة لجميع الركاب. قد تقدم شركة السكك الحديدة "أو الخطوط الجوية" خدمة الدرجة الأولى فقط بأسعار الدرجة الأولى، وربما بأسعار أعلى. وهذا يتفاقم بلا شك. لكن أصل المشكلة هو أن الشركة لديها بعض السلطة السوقية التي تسمح لها بالضغط على العملاء ورفع الأسعار. تخريب المنتج هو العلامة – وليس بالضرورة أن تكون علامة ضارة.
ماذا عن فكرة أن العملاء الأوفياء يتم استغلالهم بدلا من مكافأتهم؟ هذه كانت تجربتي مع شركة الهاتف، لكن أسلوبهم المثير للغضب، مرة أخرى، هو أمر غير جديد. في كل مرة أحلق فيها أستطيع أن أمدح كينج كامب جيليت لاختراعه شفرة الحلاقة، وأشتمه لتبني أنموذج تسعير موس الحلاقة الرخيص والشفرات غالية الثمن. ماذا يعني ذلك، إذا لم يكن عقوبة الولاء؟ في الحقيقة كلمة "ولاء" تضللنا هنا. أي شركة تسعى إلى الربح ستزيد استغلال العملاء الذين لا يتخلون عنها، لذا الجهد الكبير مكرس لكل من تحديد هؤلاء العملاء وإقناعهم بعدم النظر إلى أي منتج آخر. "بطاقات الولاء" سواء كانت بطاقات شركات الطيران الذهبية، أو قطعة من الورق المقوى مختومة من محل القهوة المحلي، مصممة لإقناع العملاء الكبار للتعريف بأنفسهم والبقاء. النتيجة هي سوق أقل تنافسية يدفع فيه الجميع سعرا أعلى. من المحتمل في الصراع الأولي من أجل تسجيل عملاء جدد، أن تكافئهم الشركات بسخاء لتعوضهم عن سنوات، أو عقود من الأسعار المرتفعة الثابتة. لكن هذا غير متوقع.
من الذي يخسر من هذا التصرف؟ من المفهوم أننا نشعر بالقلق بشأن المستهلكين "الضعفاء". لكن بالنسبة إلى الشركات، هدفها واضح: تحاول التلاعب بزيادة الأسعار للعملاء الذين من المرجح أن يدفعوا. في كثير من الأحيان يكون هؤلاء العملاء أغنياء ومشغولين، بينما يكون الأشخاص الذين يستمتعون بالمساومات هم الأفقر ولديهم وقت أكثر للتسوق. هذه ليست كارثة. عندما يكون الضحية وحيدا في الثمانين من العمر، في المراحل الأولى من الخرف، فإن لعبة القط والفأر بين المنتج والمستهلك ستأخذ جانبا قاسيا ومأساويا.
المنظمون محقون في تيقظهم. مع ذلك – حقيقة أن مثل هذه الحيل قديمة قدم التجارة بحد ذاتها تشير إلى أننا لن ننجح في القضاء عليها. أيها المشتري، كن حذرا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES