FINANCIAL TIMES

روسيا .. إلى أين تتجه مساعي فطم الاقتصاد عن الدولار؟

روسيا .. إلى أين تتجه مساعي فطم الاقتصاد عن الدولار؟

تقول حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنها تعمل على خطط لتقليص اعتماد الاقتصاد الروسي، الذي يبلغ حجمه 1.6 تريليون دولار، على الدولار وفك ارتباط أكبر صناعاتها بالعملة الأمريكية بعد أربع سنوات من العقوبات المفروضة من جانب واشنطن على موسكو، وتوقعها فرض قيود جديدة.
وينظر مجلس الشيوخ الأمريكي في اقتراحات تهدف إلى معاقبة روسيا على تدخل مزعوم في الانتخابات الأمريكية وما سماه "العدوان الدولي"، الأمر الذي سيؤدي في الواقع إلى قطع أكبر المصارف الروسية عن الدولار ومنع موسكو من الوصول إلى أسواق الديون الخارجية.
في الواقع، منعت العقوبات صناعة الدفاع الروسية وبعض أكبر الشركات من استخدام العملة الأمريكية، وقللت بشكل كبير من قدرة شركات النفط والغاز الكبيرة في البلاد على الاقتراض بالدولار.
أندريه كوستين، رئيس مصرف في.تي.بي VTB الروسي، طرح خطة للمصارف والشركات تقضي بتحويل تسويات الدولار إلى عملات أخرى، ولديه دعم من وزارة المالية ومن البنك المركزي ـ وقال هذا الأسبوع إن بوتين أيضا يدعم الخطة.
إضافة إلى ذلك، يسعى الكرملين إلى عقد صفقات مع شركاء تجاريين رئيسين لاستخدام الروبل الروسي للواردات والصادرات. وتم الترحيب بهذا التوجه في دول مثل الصين وتركيا، اللتين توترت علاقاتهما مع الولايات المتحدة.
قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم بوتين: "بدأ المزيد والمزيد من الدول، ليس فقط في الشرق بل في أوروبا أيضا، التفكير في كيفية تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي". وأضاف: "أدركوا فجأة أن ذلك أ) ممكن ب) يجب فعله ج) تستطيع أن تنقذ نفسك إذا فعلت ذلك في وقت أقرب".
لكن الخطابة قد تكون أسهل من الواقع. تعتمد روسيا اعتمادا كبيرا على صادرات السلع والطاقة — الأسواق التي يعتبر الدولار فيها هو العملة المفضلة. ومن غير المرجح أن يقنع الكرملين شركاءه الغربيين باستخدام العملة الروسية المتقلبة في التبادلات التجارية.
فهل تستطيع روسيا حقا التوقف عن استخدام الدولار الأمريكي؟
يختلف المحللون حول مدى الألم الذي تسببت فيه أربع سنوات من العقوبات بالنسبة للاقتصاد الروسي، لكن التأثير في أسواق العملات والسندات كان كبيرا.
بعد أن أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أقوى إجراءاتها على الإطلاق في نيسان (أبريل) — التي منعت الشركات الكبرى، بما فيها صناعة الألمنيوم، من استخدام الدولار ومن التعامل التجاري مع المواطنين الأمريكيين — انخفض الروبل نحو 18 في المائة مقابل العملة الأمريكية.
التهديدات من واشنطن بتوسيع قيود مماثلة إلى المصارف التي تديرها الدولة وحظر مشتريات الديون السيادية الروسية أدت أيضا إلى بيع ما قيمته 7.5 مليار دولار من سندات البلاد المعروفة باسم "أو. إف. زي" OFZ.
وتعد روسيا مصدرا رئيسا، بفائض تجاري بلغ 115 مليار دولار في العام الماضي. معادنها، وحبوبها، وزيتها، وغازها تستهلك في جميع أنحاء العالم، ولا يزال الطلب عليها مرتفعا في الغرب، على الرغم من توتر العلاقات بين موسكو والعديد من العواصم الغربية.
زيادة التجارة مع الصين والشركاء الآسيويين الآخرين في السنوات الأخيرة ساعدت على تقليص إجمالي مساهمة الدولار في تسويات عملتها، لكن الدولار كان لا يزال يمثل 68 في المائة من تسويات الأموال الداخلة على البلاد في العام الماضي.
قالت إلفيرا نابيولينا، رئيسة البنك المركزي الروسي: "بالتأكيد، أنا أؤيد اتجاه زيادة المدفوعات بالعملة الوطنية. يجب أن تستمر وفقا للمصالح الاقتصادية ومراعاة مصالح شركات التصدير لدينا".
انخفض إجمالي الدين الخارجي لروسيا من 68 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) 2015 إلى 53 في المائة في آذار (مارس) هذا العام، وحققت مساع للتخلص من التزامات روسيا بالدولار نجاحا متواضعا.
وعلى الرغم من أن البنك المركزي الروسي زاد من تعرضه لسندات الدولار – كان الاستثناء ـ تمكنت الحكومة من تقليص تعرضها إلى 31 في المائة فقط، من ثلاثة أرباع عام 2011.
والأهم من ذلك، أن المصارف والشركات الروسية ـ التي من المرجح أن تتعرض لعقوبات جديدة ـ كانت قادرة على تحويل جزء كبير من ديونها من الدولار إلى الروبل. لكن نسبة التعرض لا تزال أكثر من 55 في المائة عبر قطاع الشركات.
وكما اكتشفت شركة روسل، أكبر منتج للألمنيوم في العالم خارج الصين، في نيسان (أبريل)، بعد أن خضعت لعقوبات الولايات المتحدة، عدم القدرة على سداد الديون المقومة بالدولار هي طريقة مؤكدة لتخويف المستثمرين.
خلال تدريبات عسكرية مشتركة كبيرة في فلاديفوستوك في الشهر الماضي، تعهد بوتين والزعيم الصيني شي جينبينج، بالوقوف معا ومكافحة السياسات الأمريكية، مثل فرض عقوبات على موسكو وتعرفات جمركية على بكين.
تحويل هذه "الكليشيهات" إلى فوائد حقيقية سيكون أمرا مصيريا لجهود موسكو الرامية إلى الاستغناء عن الدولار. في السنوات الأخيرة عوضت التجارة المتزايدة مع الصين انخفاض التجارة مع الاتحاد الأوروبي. ويقول كل من بوتين وشي إنهما يريدان زيادة استخدام العملتين الروسية والصينية في التجارة عبر الحدود.
تركيا أيضا قالت إنها لا تمانع في التداول بالعملات المحلية مع روسيا. لكن أهمية التجارة مع أنقرة أقل بكثير من أهمية التجارة مع الشركاء الغربيين الرئيسين، وآليات دفع ثمن السلع بالليرة أو الروبل لم يتم تطويرها بعد. ونظرا للمشاكل المالية التي تعانيها تركيا، فإن لديها مجالا أقل، وميلا أقل للسخاء مما كان يمكن أن تأمل فيه موسكو.
كونستانتين كوريتشينكو، النائب السابق لرئيس البنك المركزي الروسي، اعتبر "الاستغناء عن التعامل بالدولار أمر ممكن إلى حد ما، لكن السؤال ليس ما إذا كنت تريد مغادرة نطاق الدولار، بل عن الوجهة التي ستسلكها بعد ذلك؟ اليورو؟ اليوان؟ البتكوين؟ ما هو أنموذج النظام التالي؟".
وأضاف: "ليس هناك حل واحد فقط، قد يكون هناك الكثير من الخيارات. لكل منها ثمنه — يجب علينا الموازنة بين تكاليف البقاء في التعامل بالدولار وتكاليف إيجاد موقف جديد".
وبرغم الوعود والتعهدات والبرامج الرامية إلى تقليص اعتماد روسيا على الهيدروكربونات، إلا أن إنتاج النفط والغاز لا يزال هو العمود الفقري لاقتصاد البلاد – يمثل نحو 50 في المائة من الميزانية الاتحادية.
وفي حين أن الغاز يباع في العادة إلى البلدان الأوروبية بعقود طويلة الأجل قد تكون أسعارها باليورو، إلا أن تجارة النفط العالمية هي سوق مقومة بالدولار، ومن غير المحتمل أن يقبل كبار التجار مخاطر العملات الأجنبية من خلال الشراء والبيع بعملات أخرى.
الصين التي زادت مشترياتها من النفط والغاز الروسي، ربما لا تمانع في الاستغناء عن التعامل بالدولار في هذه الواردات – لكن بالنسبة للبلدان الأخرى ذلك غير محتمل.
قال كوريتشينكو: "لا تستطيع أن تقول فقط 'دعونا نترك الدولار ونتاجر في النفط باستخدام اليورو'. حاولت ليبيا وفشلت، وحاول العراق. دور الدولار في سوق النفط لن يتغير بسرعة".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES