Author

مبادرات «العمل» بين تشجيع المشاريع وتوطين الوظائف

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

منذ أن أصبح توطين الوظائف في المملكة هدفا استراتيجيا لإتاحة أكبر قدر ممكن من الوظائف للمواطنين والحد من البطالة في المجتمع، ووزارة العمل تقدم مجموعة من المبادرات، نجحت في جزء منها، وتواجه تحديا في الجزء الآخر. وقبل الحديث عن تلك المبادرات، لا بد من الإشارة إلى أمر مهم في هذه المرحلة المتعلقة بتوطين الوظائف، وهو معرفة حدود مسؤولية المؤسسات الحكومية عن مثل هذه المشكلات العاملة والشاملة في المجتمع؛ حيث إن البطالة تعد تحديا اقتصاديا في المجتمع، ووزارة العمل ينظر إليها على أنها الجهة المسؤولة لمعالجة مشكلة البطالة، إلا أن حدود مسؤولية وقدرة وزارة العمل فيما لو حاولنا النظر إلى الأمر بصورة شاملة قد لا تتجاوز 25 في المائة، ومهما عملت الوزارة فإنها قد لا تستطيع تحقيق تقدم في هذه المسألة بأكثر من 35 إلى 40 في المائة، علما بأن اندفاعها بشكل مبالغ فيه في الأنظمة والتشريعات قد يضر بالسوق والاقتصاد، ما لم تكن هناك جهود من المؤسسات الأخرى والمجتمع. ومن هنا من الممكن أن يكون لوزارة العمل مجموعة من المبادرات، التي ينبغي أن تكون من ضمنها مسألة التواصل والتعاون من الجهات الأخرى والمجتمع، ولعل قرار وزير التعليم بتوطين الوظائف الإدارية في المدارس الأهلية، شاهد على أهمية تعاون الجهات الأخرى في مسألة التوطين، ومن الممكن أن تكون هناك مبادرات أخرى للتوطين في قطاعات، مثل الصحة والمؤسسات الاجتماعية والخيرية، وغيرها من القطاعات التي تشرف عليها وزارات بعينها. أعلنت الوزارة 68 مبادرة، وتتميز هذه المبادرات بأنها مبادرات شاملة، لا تختص بالتوطين فقط، بل شملت دعم المشاريع، وتسهيل خدمات الوزارة، ومما يتعلق بدعم المشاريع خصوصا تطوير تقديم الخدمات، إضافة إلى برنامج لدعم رواد الأعمال. كما أن المبادرات شملت مجموعة من البرامج لتوطين الوظائف، ومن ذلك -كما جاء في صحيفة "الاقتصادية"- "مبادرات وجهت للأفراد من الجنسين، سواء أكانوا عاملين أم باحثين عن عمل، تشمل برامج دعم توظيف المواطنين والمواطنات، ودعم مكاتب توظيف خريجي الجامعات وخريجي المهن التخصصية، وتحويل فروع صندوق تنمية الموارد البشرية "هدف" إلى مراكز تأهيل وتوظيف، ودعم التوطين في قطاعات الاتصالات والصحة والعقار والمقاولات والمطاعم والمقاهي، وتوطين التزويد الحكومي، والتوسع في برامج نقل المرأة العاملة، ودعم حضانة أطفال المرأة العاملة، ورفع أعداد المستهدفين في برامج التدريب على رأس العمل "تمهير" والعمل الحر، والعمل عن بعد، وإطلاق "بوابة العمل المطورة، وملاءمة، وكوادر، وخبرة، وتطوير اللجان العمالية". والملاحظ في هذه المبادرات عنايتها بمسألة التدريب، سواء للخريجين أو لمن هم على رأس العمل، وهذا له أهمية كبيرة حاليا؛ إذ إن مسألة توطين القطاعات لا شك أن لها فائدة كبيرة، ولكن من المهم أيضا العمل على مجموعة من المبادرات؛ لضمان عدم تضرر تلك القطاعات، بل على العكس تطويرها باعتبار أن الكفاءات التي ستعمل بها ستكون لديها من الإمكانات والمهارات ما تتفوق به على القوى العاملة الأجنبية، التي غالبا ما تكتسب المهنة بالخبرة، ولا تطور فيها كثيرا لعدم استقرارها في الأعمال التي تلتحق بها. من المهم في البرامج التدريبية ألا تتضمن جانب تحسين المهارات فقط، فمن الأهمية بمكان ترسيخ جانب القناعات الإيجابية تجاه العمل، والمجالات التي سيتم توطينها، إضافة إلى الاهتمام بترسيخ قيم وأخلاقيات المهنة، والتوعية والتعريف بأنظمة العمل في المملكة؛ إذ إن هذه الجوانب لها أهمية كبيرة في استدامة توطين المهن والأعمال في المملكة؛ حيث إن كثيرا من القطاعات تجد أنها أمام تحد في إيجاد قوى عاملة تعمل في أنشطتها التجارية، كما أن لديها قلقا فيما يتعلق بجانب التزام الموظف بأخلاقيات العمل واستمراره في تلك المهن، ولعل من الأمور الجيدة التي تضمنتها المبادرات التدريب على رأس العمل، وهذا من الأمور التي يحتاج إليها الموظف والقطاع بصورة عامة لتطوير إمكاناته، ولبناء خبرات وطنية في الأنشطة الاقتصادية المتنوعة. من الأمور التي يمكن أن يكون لها دور إيجابي في حل مسألة البطالة - العناية بموضوع فرص الكسب في إطاره الشامل، وليس توطين الوظائف فقط؛ إذ إن تمكن المواطن من تأسيس المشاريع والعمل بها، والعمل في المهن الخاصة الفردية، إضافة إلى تشجيع المشاريع الخاصة بالأسر، التي يعمل بها اثنان فأكثر من العائلة الواحدة سيكون له دور أكبر في إيجاد وظائف جديدة، وتوليد مستمر للوظائف، وتعويض سوق العمل في حال وجود إفلاس لبعض الشركات، أو فقد البعض وظائفهم، ولتمكين المواطن من المنافسة في السوق، خصوصا مع الانفتاح بصورة أكبر على الاستثمار الأجنبي. فالخلاصة أن مبادرات وزارة العمل ظهرت بصورة شاملة لمختلف المجالات التي يمكن أن تحسن من سوق العمل في المملكة والأنشطة الاقتصادية، وهنا تأتي أهمية وجود مبادرات من الجهات ذات العلاقة، باعتبار أن وزارة العمل تستطيع أن تغير في جزء من واقع سوق العمل، كما أن الأهم هو تشجيع توفير فرص الكسب للمواطن، فهو أشمل من مسألة توطين الوظائف.

إنشرها