Author

الصكوك السعودية منصة تجذب ثقة العالم

|
الاقتصاد الحديث متداخل ومركب بشكل يجعل من السهل تحول الدين من مشكلة اقتصادية إلى رافعة رئيسة، ولعل هذه من أكثر القضايا التي كان الاقتصاد السعودي يتجاهلها سابقا، لكن الإدارة الحديثة والشابة للاقتصاد السعودي بما لديها من أدوات وإمكانات قادرة على قيادة الاقتصاد نحو آفاق واسعة وجديدة. فالمملكة عندما قررت استخدام صكوك وأدوات الدين المختلفة لتمويل الميزانية العامة للدولة، لم يأت هذا الاتجاه نابعا من فشل إيرادات الدولة في تلبية احتياجات المالية العامة، بل إن العكس هو الصحيح، والحقيقة أن كثيرا من إمكانات الدولة لم تكن مستخدمة بعد، أو لنقل لم تكن مستثمرة بشكل جيد بعد. لقد تحولت فكرة الحكومة ودورها في الاقتصاد من التدخل المباشر بضخ النقد في حالات عجز الاقتصاد بذاته عن الحراك، إلى محرك أساسي مستدام، من خلال أدوات المالية العامة نفسها، وهذا الفكر هو في الحقيقة إصلاح جوهري في أدوات النظرية، بما لا يؤثر في سلوك الاقتصاد بشكل عام نظرا للتدخل الحكومي، فالاتجاه الذي تبنته الحكومة السعودية أخيرا ليس التدخل المباشر في الاقتصاد، بل التوقف عن ذلك تماما وبالتدريج، وبدلا من ذلك تعمل الحكومة بدورها، وكجزء من الاقتصاد، على تفعيل وتنشيط الحركة الاقتصادية، والاستفادة من أصولها الرئيسة في ذلك. ولعل استخدام أدوات الدين والصكوك يقدم مثالا حيا على هذا الاتجاه وعمقه. فالاقتصاد السعودي يملك ثروة حقيقية، وهي الثقة العالمية الكبرى به وبقدراته وبهياكله، وهذا له شواهد عدة، من بينها التقارير الدولية، وكذلك الشفافية الراهنة للمالية العامة، وأيضا إسهامات المملكة في إصلاح اختلالات الاقتصاد العالمي، هذه الثقة يجب أن تستثمر بشكل يسهم في دعم الحراك الاقتصادي، وهنا يأتي دور الصكوك وأدوات الدين، حيث يمكن لهذه الصكوك رفع قيمة العملة من جانب، وأيضا توفير احتياطات أجنبية كبيرة، إضافة إلى تمويل مشاريع رأسمالية نوعية، وهذا ما يحدث فعليا الآن، إضافة إلى هذه الإسهامات المباشرة، فإن لهذه الصكوك إسهامات غير مباشرة، من خلال تفعيل الدورة الاستثمارية والادخارية في البلاد، وهنا يأتي التفاعل بين إصلاحات المالية العامة وإصلاحات السوق المالية، حيث لم تكن السوق المالية قادرة على التفاعل بشكل جيد مع تطوير المالية العامة، ولهذا كان لا بد من حدوث توازن وتواز بين تطوير المالية العامة وتطوير السوق المالية، وهذا ما جلبته لنا مبادرات "رؤية المملكة 2030"، ونجحنا فيه حتى الآن وبشكل مدهش، فالصكوك التي أصدرتها المالية العامة، من خلال مكتب إدارة الدين العام، وهو إحدى أهم مبادرات "رؤية المملكة 2030"، وأيضا تطوير "تداول" لاستقبال مثل هذه الأوراق المالية - جعل في الإمكان الآن لهذه الصكوك أن تفعّل الدورة الاستثمارية في السوق، وتحقق للمستثمرين منافذ جديدة ستحفز المجتمع على زيادة الادخار؛ للفوز بنصيب جيد من هذه الاستثمارات في المستقبل، كما أن الاتجاه القوي في المالية العامة، من خلال مكتب إدارة الدين العام نحو الإصدارات الدولية مكن الاقتصاد السعودي من الاستفادة من الثقة الكبيرة به واستثمارها، وهو ما نتج عنه نجاح كل الإصدارات الدولية لصكوك الدين العام؛ حيث تم جمع مبلغ 52 مليار دولار، وتمت تغطية الإصدارات بأكثر من 200 في المائة، وكما نجحت "تداول" في كونها منصة للتداول في الصكوك المحلية، وتفاوض الآن لتكون منصة للصكوك الدولية، وهو ما ينتج عنه نمو كبير في السيولة المحلية، وفي قيمة السوق السعودية، يمكنها من الاستفادة منها عند تقييمها وإدراج أسهمها في وقت لاحق، كما هو مقرر في مبادرات "رؤية المملكة"، وهكذا فإن من الواضح الدور الذي تلعبه صكوك الدين العام في تحفيز الاقتصاد والاستثمار ومنح عوائد استثمارية ورأسمالية كبيرة للمستثمرين في الثقة بالاقتصاد السعودي.
إنشرها