Author

إيران .. العقوبات القاصمة تلوح

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"على مجلس الأمن الدولي العمل معنا، لضمان عدم حصول إيران أبدا على قنبلة نووية" دونالد ترمب - رئيس الولايات المتحدة "ظريف" محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران، وهو كما قيادته الإرهابية يعيش أحلاما لا حدود لها. لماذا؟ لأنه أعلن بكل بلاهة شرط بلاده لعدم الانسحاب من الاتفاق النووي! بل وصل إلى حد "تهديد" الدول الأوروبية بضرب محاولاتها الرامية إلى تثبيت هذا الاتفاق البائس. بالطبع، لا أحد يعير اهتماما لمثل هذه التصريحات أو التهديدات الصادرة من نظام الملالي على كل مستوياتها. فالحقيقة ماثلة أمام الجميع؛ الاتفاق النووي لا قيمة له من دون الولايات المتحدة، مهما تصاعدت محاولات الاتحاد الأوروبي للحفاظ عليه. هذا الاتحاد الذي تلقى أخيرا أحد أقوى التهديدات الأمريكية، كي يتوقف عن "الهراء" السياسي مع نظام علي خامنئي، وكي يخرج هو الآخر من أوهام تثبيت الاتفاق المذكور. من دون أن ننسى أن طهران نفسها لم تعد تولي أهمية تُذكر لأي جهود أوروبية بهذا الخصوص. ليقل "الظريف" ظريف ما يشاء في هذا الأمر أو ذاك. الحقيقة تكمن في أن أي اتفاق نووي مستقبلي لا بد أن تكون الولايات المتحدة في صلبه، على أن تكون شروطها هي السائدة، لا شروط أخرى مقبولة لا من طهران ولا أي عاصمة أخرى مهما بلغت قوتها أو نفوذها أو حضورها السياسي. هناك مطالب أعلنت على الملأ، في مقدمتها تغيير نظام علي خامنئي الإرهابي لسلوكاته، والتعهد الكامل تحت المراقبة الدائمة بعد السعي للوصول إلى قنبلة نووية مهما كان حجمها. وبالطبع، وقف تدخلاته التخريبية في هذا البلد أو ذاك، وإنهاء تمويله للإرهاب. ليس مهمًّا إذا ما انسحبت إيران من اتفاق باراك أوباما، فهي بلا قيمة حقيقية في ظل سياسات أمريكية لم تكن تتوقعها. سياسات من تلك التي يظهر مفعولها بصورة فورية، وتدخل حيز التنفيذ في الحال، لا مجال فيها للعب على الهوامش؛ إما أن تقبل بالشروط الأمريكية، أو ستتلقى مزيدا من الخنق المالي والاقتصادي، بينما لن تنفع أي محاولات أوروبية لحلحلة ذلك الحبل الذي يستخدم في خنقها. وقد تطور بالفعل الموقف الأمريكي من أوروبا، وظهر بصورة جلية في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. فالرئيس الأمريكي قالها على منبر المنظمة الدولية، على الجميع التعاون في خنق إيران، وإلا فإنهم سيواجهون الغضب الأمريكي، وهو غضب لا تقوى عليه أي دولة مهما بلغت قوتها، وفي مقدمتها بلدان الاتحاد الأوروبي نفسه. والحق أن الدفاع الأوروبي عن نظام علي خامنئي تراجع في الآونة الأخيرة، وحدث ذلك مع اقتراب موعد الجولة الثانية القاصمة للعقوبات الأمريكية على هذا النظام، وهي تشمل "من ضمن ما تشمل" منعه حتى من استخدام الدولار الأمريكي في تعاملاته، ناهيك عن وقف صادراته النفطية تماما. وهذه العقوبات تصاحبها أخرى ضد كل من يتحداها كطرف ثالث يريد أن يخفف الأعباء الاقتصادية عن كاهل نظام المرشد. الشركات والمصارف الأوروبية فهمت الأمر وانسحبت من الساحة الإيرانية مبكرا، في حين ارتفعت وتيرة ملاحقة وضبط الجهات التي تعمل ماليا لمصلحة طهران متسترة بشركات وهمية. الملاحقة بلغت كل بلدان العالم، بما فيها البرازيل أخيرا. فلا مكان للاختباء من غضب إدارة دونالد ترمب. مرة أخرى لا مكان لأوهام ظريف، الذي قال إن بلاده تعتزم الالتفاف على الحظر الأمريكي عبر استخدام العملات الأخرى بدلا من الدولار، وهذا أيضا موقف يدعو إلى مزيد من السخرية؛ فالملاحقة الأمريكية تشمل كل شيء وأي شيء، بصرف النظر عن الجغرافيا والساحات. ليقل ظريف ما يشاء. فحتى مثل هذا الهراء انتهى مفعوله عند الشعب الإيراني منذ سنوات، عندما وجد نفسه يعيش أسوأ الأزمات ليس على الصعيد السياسي فقط، بل على الصعيد الاقتصادي أولا، مع انهيار عملته، وتردي الخدمات العامة، إلى درجة اختفائها في أماكن كثيرة من البلاد، ناهيك عن سكان الكهوف الذين يتزايدون يوما بعد يوم، وبطالة ترتفع على مدار الساعة، وتوقف الشركات العامة التي لم يعثر النظام على من يشتريها. كل شيء ينهار بصبغة تاريخية في إيران من العملة إلى الاقتصاد إلى الخدمات؛ بمعنى أن الانهيار لم يسبق له مثيل، والسبب أن الخراب الذي جلبه النظام الحاكم في البلاد، انطلق قبل أربعة عقود، وصار جزءا أصيلا من النسيجين السياسي والاقتصادي فيها. ومع ارتفاع وتيرة العقوبات، وغياب أي أمل في تغيير التوجهات الأمريكية، فإن إيران مقبلة على مرحلة بالفعل جديدة، مرحلة ستقود حتما إلى محاسبة نظام لم يفهم يوما أنه يمكن أن يعيش بصورة طبيعية، إذا كان هو طبيعيا، مع شعبه ومحيطه، ومع العالم.
إنشرها