FINANCIAL TIMES

آسيا 2019 .. النمو الاقتصادي يتراجع 18 عاما إلى الوراء

آسيا 2019 .. النمو الاقتصادي يتراجع 18 عاما إلى الوراء

في العام المقبل النمو الاقتصادي في آسيا الناشئة سينخفض إلى أدنى مستوياته منذ عام 2001، هكذا يقول إجماع توقعات 90 مصرفا، ومديرو أصول، وشركات استشارية، ووكالات تصنيف في جميع أنحاء المنطقة.
التباطؤ - الذي يتوقع أن يكون مجرد بداية اتجاه هبوطي طويل الأجل - ستكون له تداعيات أوسع، بالنظر إلى النمو المتزايد باستمرار لحصة آسيا الناشئة من الإنتاج العالمي وقدرة المنطقة السابقة على إبقاء النمو العالمي مستمرا حتى عندما كانت بقية بلدان العالم تعاني، كما حدث خلال الأزمة المالية العالمية.
وفقا لتوقعات جمعتها "فوكاس إيكونوميكس"، في عام 2019 سيتوسع أكبر 19 اقتصادا في آسيا الناشئة بنسبة 5.8 في المائة. ومع أن هناك احتمالا كبيرا لأن يتفوق هذا المعدل على النمو في أي مكان آخر في العالم، إلا أن من شأنه أن يمثل تباطؤا عن معدل النمو المتوقع بنسبة 6 في المائة هذا العام وسيكون القراءة الأضعف منذ عام 2001، عندما انخفض النمو الإقليمي إلى 5 في المائة بسبب انفجار فقاعة التكنولوجيا.
إذا كان إجماع التوقعات صحيحا، سيستمر التباطؤ حتى عام 2022 على الأقل ـ حينها تكون نسبة النمو 5.3 في المائة.
التوقعات أكثر كآبة بشكل ملحوظ من توقعات صندوق النقد الدولي، الذي توقع في نيسان (أبريل) أن تتوسع اقتصادات آسيا الناشئة والنامية (مجموعة من 30 بلدا بينها كثير من البلدان الصغيرة) بنسبة 6.5 في المائة هذا العام وتبقى على ذلك، إن لم يكن أعلى، حتى عام 2020، قبل أن تتراجع إلى 6.3 في المائة في عام 2022.
النمو الإقليمي "سيتباطأ حتما في الأعوام المقبلة"، كما قال ريكارد تورنيه، كبير الاقتصاديين في "فوكاس إيكونوميكس"، معتبرا أن التباطؤ بدأ منذ فترة.
وأضاف: "في الربع الثالث، النمو العالمي الأضعف وعوامل تتعلق بآفاق التجارة بدأت بإحداث آثارها، مع تعثر نشاط الصناعة التحويلية". وتابع: "تراجعت قراءات مؤشر مديري المشتريات في قطاع الصناعة الحويلية في أول شهرين من الربع في الصين وتايوان، بينما في كوريا بقيت في المنطقة السلبية".
حتى الآن، على الأقل، ليس هناك دليل على أن قرار إدارة ترمب فرض رسوم جمركية على 50 مليار دولار من واردات الولايات المتحدة من السلع الصينية، وعلى سلع إضافية بقيمة 200 مليار دولار اعتبارا من هذا الأسبوع، قد ألحق ضررا بالنشاط الاقتصادي في آسيا.
أشار جاريث ليذر، كبير خبراء الاقتصاد المختص بمنطقة آسيا لدى "كابيتال إيكونوميكس"، إلى أن: "صادرات الصين إلى الولايات المتحدة توسعت بوتيرة أسرع في تموز (يوليو) وآب (أغسطس) مما كانت عليه في الربع الثاني. وشهدت كل من كوريا وتايوان، وهما مزودان رئيسيان للسلع الوسيطة إلى الصين، أيضا صادراتهما إلى الصين وهي صامدة بشكل جيد".
مع ذلك، أثار هذان الاقتصاديان احتمال أن تكون هذه المتانة محاولة من الشركات لـ "استباق" التوسع في نظام الرسوم الجمركية.
أشار تورنيه أيضا إلى الإجهاد المتصاعد على البلدان التي ترتفع فيها أعباء الديون المقومة بالدولار نتيجة انخفاض قيمة العملات الإقليمية على نطاق واسع مقابل الدولار، فضلا عن العجز المزدوج في الحساب الجاري والميزانية في بلدان مثل الهند، وبنجلادش، وسريلانكا، وباكستان.
من المتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في باكستان بشكل حاد، من 5.8 في المائة هذا العام إلى 4.7 في المائة عام 2019، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد استنزافا سريعا للاحتياطات الأجنبية.
ويشير إجماع التوقعات إلى أن النمو الاقتصادي الصيني سيتباطأ بمعدل 0.3 نقطة مئوية إلى 6.3 في المائة هذا العام، ويستمر في التباطؤ سنويا بالمعدل نفسه حتى عام 2022، ما يشكل تراجعا كبيرا عن ذروة بلغت 14.2 في المائة في عام 2007.
قال تورنيه: "الديناميكيات الاقتصادية في الصين سوف تتراجع في أي سيناريو، حتى لو تم تجنب حرب تجارية كاملة مع الولايات المتحدة". وأضاف: "شرعت السلطات الصينية في عملية انتقال طويلة نحو أنموذج اقتصادي أكثر استدامة، قائم على الخدمات والاستهلاك المحلي، وينطوي أيضا على معدلات نمو أضعف".
جابريل ستيرن، رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي العالمي في "أكسفورد إيكونوميكس"، يتفق مع ذلك، قائلا إن التباطؤ المستمر في الصين يكرر ذلك الذي شهدناه في الأسواق الناشئة الأكثر تقدما عندما كانت لديها مستويات التنمية نفسها مقارنة بالولايات المتحدة.
مع ذلك، من المتوقع أن تسجل هونج كونج مستويات أسوأ بكثير مع تباطؤ النمو من 3.6 في المائة هذا العام إلى 2.7 في المائة العام المقبل، بسبب التباطؤ في البر الرئيسي، وارتفاع أسعار الفائدة، وتعزيز دولار هونج كونج (المرتبط بالدولار الأمريكي) مقابل نظرائه في المنطقة.
في المقابل، من المتوقع أن يرتفع النمو بنسبة ضئيلة ليصل إلى 7.5 في المائة في الهند العام المقبل والتمسك بهذا المستوى في الأعوام اللاحقة.
بحسب تورنيه: "يمكن أن تأتي المفاجئات من جنوب آسيا حيث لا يزال الكثير من إمكانيات النمو غير المستغلة. لكن التقدم البطيء في الإصلاحات الاقتصادية، ووسائد الحماية المالية الأصغر، مقارنة بالبلدان النظيرة في شرق آسيا، والبنية التحتية الضعيفة تستمر في تخفيف أي انتعاش حاد".
من جانبه، أشار ليذر إلى الطلب العالمي الأضعف على صادرات آسيا، بسبب ضعف النمو العالمي، وتشديد السياسة النقدية في بلدان مثل إندونيسيا والفلبين باعتبارها عوامل من المرجح أن تغذي تباطؤ النمو في المنطقة.
لكن من المتوقع أن يستمر التباطؤ "بوتيرة متدرجة"، مع احتمال انخفاض أسعار النفط في العام المقبل وبقاء السياسة المالية العامة داعمة في معظم أنحاء المنطقة، ولا سيما في الفلبين وتايلاند وتايوان، التي "لديها جميعا مشاريع طموحة في مجال البنية التحتية قيد التنفيذ".
ستيرن الذي تتوقع شركته الاستشارية، إلى جانب شركات أخرى، أن تشهد المنطقة في العام المقبل أضعف نمو منذ 18 عاما، بنسبة 5.6 في المائة، قال "من المؤسف، نوعا ما، أن تتباطأ الصين وآسيا، لكن هذا أمر حتمي". وأضاف: "يرجع ذلك إلى التركيبة السكانية، وجزئيا إلى وجود عدد كبير جدا من الناس الذين يمكنك نقلهم من الريف (إلى توظيف أكثر إنتاجية في المناطق الحضرية)".
من ناحية، يشير ستيرن على الأقل إلى أن هذا قد يكون أقل سوءا بالنسبة للاقتصاد العالمي مما قد يبدو في البداية. وحتى لو تباطأ نمو المنطقة، لأنها لا تزال تنمو بسرعة أكبر من بقية العالم، فإن حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سترتفع باستمرار مع كل عام يمر.
وبالنظر إلى أن مساهمتها في النمو العالمي هي نتاج نموها وحصتها من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، فإن هذا يعني أن تأثيرها الإيجابي ربما يبقى في حالة تصاعد. ويلاحظ أن مساهمة الصين في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي تبقى صامدة حتى في الوقت الذي ينخفض فيه نمو الناتج المحلي الإجمالي الخاص بها.
لكن من ناحية أخرى، تباطؤ الصين المتوقع في الأعوام المقبلة قد يكون مربكا، لأن معظم المراقبين يتوقعون تباطؤ الاقتصاد الأمريكي أيضا، مع توقع صندوق النقد الدولي نمواً بنسبة 2.9 في المائة هذا العام، و2.7 في المائة عام 2019، و1.9 في المائة عام 2020 وأرقاما أقل تصل إلى 1.4 في المائة عام 2023.
ويلاحظ ستيرن أن أكبر اقتصادين في العالم كانا يشغلان "اتجاها معاكسا للدورة بشكل لا يصدق خلال العقد الماضي"، وهو ما يجسده نمو الصين الذي يحركه برنامج التحفيز الاقتصادي الذي انطلق خلال الأزمة المالية العالمية، عندما وقعت الولايات المتحدة في حالة ركود.
المثال على هذا الاتجاه المعاكس للدورة يكمن في فجوات الإنتاج في البلدين، وهي عبارة عن الفرق بين الناتج المحلي الإجمالي الفعلي والمحتمل، التي أظهرت علاقة بنسبة سالب 78 في المائة خلال العقد الماضي.
قال ستيرن: "ليس هناك إدراك كاف للمدى الذي تعاونت فيه الولايات المتحدة والصين عن غير قصد لتوفير قوى تعمل على تثبيت الوضع في الناتج المحلي الإجمالي العالمي. استفاد الاقتصاد العالمي من مفعول امتصاص الصدمات العالمي، ولم يكن الارتباط سلبيا قط من قبل".
"هذا بالتأكيد لن يستمر، والاقتصاد العالمي ربما يعاني نتيجة كون العملاقين يتأثر كل منهما بصدمة تجارية سلبية".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES