FINANCIAL TIMES

مبادرة الحزام والطريق .. وجه مشرق وآخر كئيب

مبادرة الحزام والطريق .. وجه مشرق وآخر كئيب

ميناءان تفصل بينهما محيطات، تعكس قصتهما الروايات المتضاربة بشأن مبادرة الحزام والطريق؛ مخطط الصين لتمويل البنية التحتية وبنائها في أكثر من 80 بلدا.
الحبكة السلسة للقصة تأتي من بيرايوس، وهو ميناء يوناني أعيدت فيه الحياة من جديد بفضل الاستثمار الصيني، ليقفز من كونه الميناء الـ 93 بين أكبر موانئ الحاويات في العالم عام 2010 إلى المرتبة الـ 38 في العام الماضي.
ومع عدم قناعتها بهذه النتيجة، فإن "كوسكو شبينج"، الشركة الصينية التي اشترت الميناء، تعتزم جعله أكبر ميناء على البحر الأبيض المتوسط خلال 18 شهرا، ليتفوق بذلك على ميناءي الجزيرة الخضراء وفالنسيا في إسبانيا. يقول تشانج أنمينج، المدير التنفيذي لـ "كوسكو"، المسؤول عن تشغيل محطة الحاويات: "ميناء بيرايوس هو الأسرع نموا في العالم. هذا العام تسعى الإدارة إلى زيادة حركة الشحن 35 في المائة".
لكن على الساحل الجنوبي لسريلانكا تبرز رواية سوداوية بصورة واضحة. ميناء هامبانتوتا الذي كلف بناءه 1.3 مليار دولار بتمويل من مقرضين صينيين تابعين للدولة، عانى صعوبات استمرت سنوات نتيجة خسائر كبيرة جدا جعلت الحكومة السريلانكية تتخلى في النهاية عن دعمه ماليا.
في عام 2017 سلمته كولومبو إلى السيطرة الصينية بعقد إيجار لمدة 99 عاما، على الرغم من احتجاجات عامة معارضة لذلك. ومع مرور الصفقة، غرد نجال راجاباكسا، عضو البرلمان في هامبانتوتا ونجل الرئيس السابق، ماهيندا راجاباكسا، على موقع تويتر قائلا: "هل تمارس الحكومة لعبة الجيوسياسة بالأصول الوطنية؟" في وسم بعنوان "أوقفوا بيع سيرلانكا".
يمثل ميناءا هامبانتوتا وبيرايوس نقطتين جامحتين لما وصفه الزعيم الصيني، شي جينبينج، بأنه "مشروع القرن".
مصير الميناءين المختلف يروي تجارب مبادرة الحزام والطريق في بلدان عدة، ويعكس انقسام الرأي بين أولئك الذين يرون أن المخطط يؤسس البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها ومن يعتبرونه حيلة جيوستراتيجية من الصين لكسب النفوذ من خلال إغراق البلدان النامية في الديون.
الصين مصرة على أن نواياها فوق الشبهات والتشكيك. لي يوشينج، نائب وزير الخارجية الصيني، قال في مقابلة مع "فاينانشيال تايمز": "نرى في عالم اليوم ميولا نحو زيادة الحمائية، والأحادية، والتهويل، ومناهضة العولمة... (على النقيض من ذلك، مبادرة الحزام والطريق هي) جهد لبناء نظام دولي أكثر إنصافا وعدلا وإصلاح هيكل الحوكمة الاقتصادية العالمية".
حجم مبادرة الحزام والطريق بعد مرور خمس سنوات على إطلاقها، يعني أن المخاطر قد لا تكون كبيرة بالنسبة لسمعة الصين على الساحة الدولية، وكذلك بالنسبة لمسار العالم النامي وعلاقات بكين مع القوى الغربية، التي ظلت متحفظة على المبادرة بسبب مخاوف استراتيجية.
لكن مهمة تحديد حجم المبادرة ليست أمرا سهلا. عدد البلدان المشاركة فيها، كما هو موضح في موقعها الرسمي في الصين، مستمر في الارتفاع - من نحو 65 قبل عامين إلى 84 في منتصف أيلول (سبتمبر) – بينما تظل معايير الإدماج غامضة.
الهند، مثلا، مدرجة في القائمة، على الرغم من أن نيودلهي ظلت بعيدة عن المخطط.
إضافة إلى ذلك يقدم الممولان الرئيسيان للمبادرة، بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني، معلومات قليلة أو معدومة عن قروضهما الخاصة بالمبادرة. وغالبا ما ترفض الشركات الصينية الكبيرة المملوكة للدولة التي تتولى تشييد الطرق والسكك الحديدية والموانئ ومحطات الطاقة وأنواع أخرى من البنية التحتية الأساسية، مشاركة البيانات.
لذلك يتم سماع قصة مبادرة الحزام والطريق بشكل كبير من مصادر غير صينية. مجموعة أر دبليو أر الاستشارية، وهي شركة استشارية مقرها واشنطن، تحدثت عن 2220 صفقة بقيمة تبلع نحو 1.12 تريليون دولار في 87 بلدا مشاركا منذ عام 2013. رقم رقم الشركة الاستشارية الخاص بعدد البلدان المشاركة أعلى من رقم بكين لأنه أورد ثلاثة بلدان وقعت أخيرا على اتفاقات مبادرة الحزام والطريق ولم تدرج بعد على القائمة الرسمية.
تظهر بيانات الصين الرسمية لعام 2017 أن قيمة عقود البناء الجديدة - معظمها للبنية التحتية – ارتفعت في بلدان مبادرة الحزام والطريق 14.5 في المائة إلى 144.4 مليار دولار، ما يعادل 54 في المائة تقريبا من جميع العقود الخارجية التي فازت بها الشركات الصينية خلال العام.
وتمتلك شركات الصين الآن حصص ملكية في نحو ثلثي أكبر 50 ميناء للحاويات في العالم، ومصارفها مولت بناء محطات طاقة أكثر مما فعلت مصارف أي بلد آخر، وشركاتها للاتصالات تبني "طريق الحرير الرقمي" الذي يجمع بين شبكة من الأقمار الصناعية مع شبكة أرضية من كابلات الألياف البصرية.
التصميم المركزي الصيني لمبادرة الحزام والطريق يبرز بوضوح على الخرائط الرسمية في بكين. تنطلق الطرق البرية من خلال ستة "ممرات" محددة تمر عبر أوراسيا إلى جنوب وجنوب شرق آسيا. لكن مثل الطرق البحرية في المبادرة، جميع الروابط تعود إلى الصين.
من الناحية الإدارية، أيضا، يعد المخطط مركزيا صينيا بصورة واضحة. تديره مجموعة قيادية من الحزب الشيوعي خاصة بتنمية "حزام واحد، طريق واحد"، يشغل فيها مسؤولون صينيون جميع المناصب الرفيعة.
على عكس الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي والعديد من المؤسسات الأخرى التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، فإن مبادرة الحزام والطريق ليست منتدى متعدد الأطراف.
لا تتدخل الدول المشاركة في صياغة السياسات وتبرم صفقات فردية مع الصين. في المسائل القانونية أيضا، من المقرر أن تتعامل محكمتان صينيتان مع الخلافات المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق - إحداهما في مدينة شيان، وسط البلاد، والأخرى في مدينة شينزن الجنوبية.
يقول جوناثان هيلمان، مدير مشروع "إعادة ربط آسيا" Reconnecting Asia في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن هذا الجانب يكشف عن نية بكين الأوسع لمراجعة النظام الدولي القائم على القواعد. واعتبر أن رغبة بكين في السيطرة على جميع جوانب مبادرة الحزام والطريق جعلت الانتقاد متاحا مع تضاعف الخلافات.
ماليزيا، وهي مستفيدة كبيرة من استثمارات مبادرة الحزام والطريق، ألغت الشهر الماضي مشاريع خطوط أنابيب بقيمة ثلاثة مليارات دولار تقريبا. وكانت كوالالمبور قد علقت بالفعل 20 مليار دولار أخرى في مخططات مبادرة الحزام والطريق وتتحقق من ارتباط بعضها بصندوق الاستثمار السيادي 1MDB الذي تعصف به الفضائح.
وتعاني باكستان أزمة جزئية في ميزان مدفوعاتها بسبب حجم اقتراضها في إطار خطة "الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان" التي تبلغ تكلفتها 62 مليار دولار.
سريلانكا، التي تملك نسبة دين إلى إجمالي الناتج المحلي تبلغ 77 في المائة، ويرجع ذلك جزئيا إلى الاقتراض لمشاريع البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق، تتحول إلى الصين للحصول على 1.25 مليار دولار إضافية لتمويل التزاماتها.
وفقا لدراسة أجراها مركز التنمية العالمية، آلام الديون تزداد في 23 بلدا نتيجة لتمويل مبادرة الحزام والطريق. وثمانية من هذه البلدان – باكستان وجيبوتي والمالديف ولاوس ومنغوليا والجبل الأسود وطاجكستان وقيرغيزستان - لديها بالفعل مستويات يتعذر تحملها من الديون السيادية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES