FINANCIAL TIMES

البورصة الجامحة تدفع المستثمرين للبحث عن فرص خارج أمريكا

البورصة الجامحة تدفع المستثمرين للبحث عن فرص خارج أمريكا

يُمكن أن يكون هناك تدوير كبير جارٍ على قدم وساق في الأسواق العالمية. التباعد القياسي بين الأسهم الأمريكية وبقية العالم دفع بعض المستثمرين إلى الابتعاد ببطء عن وول ستريت والبحث عن صفقات في أوروبا والعالم النامي.
في حين إن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ينتقل من أعلى مستوياته على الإطلاق إلى مستوى آخر أعلى، وهو الآن أعلى 9 في المائة عما كان عليه في بداية العام، بقيت الأسهم العالمية في حالة ركود. لم تستعد أسهم منطقة اليورو ولا الأسهم الصينية مستويات الذروة التي كانت عليها قبل أو بعد الأزمة، وانخفض مؤشر مورجان ستانلي المركب للأسهم العالمية، باستثناء الولايات المتحدة، 3 في المائة تقريبا في عام 2018.
في الواقع، الأداء النسبي لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 مقابل بقية العالم هو الآن عند أقصى مستوياته منذ عام 1970 على الأقل.
وفتح هذا فجوة تقييم تشبه الهاوية بين الولايات المتحدة ومعظم الأسواق الأخرى. من حيث القيمة الدفترية، يتم تداول مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الآن بعلاوة تاريخية تبلغ الضعف مقابل بقية العالم، وعلى أساس معدل السعر إلى الأرباح، يجري تداول مؤشر الأسهم الأمريكية عند علاوة قياسية مقابل مؤشر مورجان ستانلي المركب للأسهم العالمية في حال استثناء الولايات المتحدة.
الاختلاف الآن صارخ جداً بحيث إن جميع المحللين في "جيه بي مورجان"، و"سوسييتيه جنرال"، و"مورجان ستانلي"، أوصوا هذا الشهر بأن يبدأ المستثمرون في تقليص تعرضهم للأسهم الأمريكية والبحث عن فرص في الخارج.
وتنبأ أندرز نيلسن، مختص الاستراتيجية في "جولدمان ساكس" لإدارة الأصول، بأن "تغييرا كبيرا فعلا في البيئة في انتظارنا".
وفي حين يقول مديرو صناديق "إنهم يخشون من أن يكونوا مبكرين قبل الأوان، أو يراهنون ضد البورصة الأمريكية، إلا أن بعضهم يقول إنهم يجدون فرصاً أكثر إغراء خارج أمريكا".
أنيك سين، رئيس الأسهم العالمية في "باين بريدج إنفستمنتس"، شركة إدارة الأصول القائمة في نيويورك، قال "نحن نبحث عن سوق يمكن أن نجد فيها كثيرا من الفرص المثيرة للانتباه، خاصة في أوروبا وآسيا. في الولايات المتحدة الأمر أصعب قليلاً". وأضاف "نحن نقضي وقتاً أطول بكثير في البحث في الأسواق الخارجية الآن".
إنها صورة استمدت قوتها الدافعة إلى حد كبير من الاقتصاد. ثقة المستهلك بالولايات المتحدة في أعلى مستوياتها منذ 17 عامًا، نشاط الصناعة التحويلية بلغ في آب (أغسطس) أعلى مستوى له منذ 14 عامًا، والاقتصاد نما في الربع الأخير بمعدل سنوي وصل إلى 4 في المائة.
في الوقت نفسه، تراجعت ثقة المستهلك بمنطقة اليورو إلى أدنى مستوياتها في أكثر من عام في أيلول (سبتمبر)، والنمو الاقتصادي في الأسواق الناشئة يقترب من أدنى مستوياته في سبعة أشهر، بحسب "كابيتال إيكونوميكس".
لكن على الرغم من النمو الاقتصادي القوي في الولايات المتحدة يشعر بعض المحللين بالقلق من أن سوق الأسهم الأمريكية تعمل على الطاقة المتاحة من أواخر الدورة. واستنادا إلى أحدث استطلاع أجراه "بانك أوف أمريكا ميريل لينش"، أنشأ المستثمرون أكبر مركز في الأسهم الأمريكية منذ ثلاثة أعوام، متجاوزين جميع الأصول الأخرى. وقال جاريد وودارد، وهو محلل استراتيجي للاستثمار لدى "بانك أوف أمريكا ميريل لينش"، "إنها علامة على الهبوط بلا شك".
ومع أن 80 في المائة من شركات مؤشر ستاندرد آند بورز 500 التي أعلنت عن الأرباح لكل سهم تفوقت على التوقعات في الربع الماضي، إلا أن التقديرات للربع التالي انخفضت منذ حزيران (يونيو)، كما يقول جون باترز، من "فاكت سيت". ومن 98 شركة أعلنت عن توجيهاتها الخاصة بأرباح الربع الثالث، أصدرت 76 في المائة توجيهات سلبية، وهي أعلى نسبة من شركات ستاندرد آند بورز التي تفعل ذلك منذ الربع الأول من عام 2016.
وبحسب أندرو شيتس، مختص الاستراتيجية في "مورجان ستانلي"، "ذروة نمو الأرباح لكل سهم تحدث الآن تماماً". وأضاف "الأسهم الأمريكية ذهبت بعيدا نسبياً، وفي بداية العام المقبل ستواجه السوق تحدياً بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع التضخم، والظروف المالية الأكثر صرامة".
ويُجادل شيتس بأن التداولات التي تخالف التيار العام تتمثل الآن في النظر إلى الأسواق الأوروبية، التي تأثرت بسبب الشكوك المستمرة حول متانة الانتعاش في المنطقة، وعوامل اللبس السياسي، والنهاية التي تلوح في الأفق لبرنامج التسهيل الكمي الذي أطلقه البنك المركزي الأوروبي. وقال "إذا أردت أن تتكئ على إجماع الآراء والذهاب إلى سوق حيث باع الناس بسعر أقل من القيمة الفعلية، فانظر إلى أوروبا".
هناك تباعد مماثل انفتح في سوق السندات. على الرغم من زيادات سعر الفائدة التي أقرها "الاحتياطي الفيدرالي"، إلا أن سوق السندات - سواء من الدرجة الاستثمارية أو ذات العوائد المرتفعة - تفوقت على السندات الأوروبية وسندات الأسواق الناشئة في عام 2018، ما دفع بعض مستثمري الدخل الثابت إلى البدء في تدوير مخصصاتهم أيضاً.
قال هنري بيبودي، وهو مدير صندوق سندات في "إيتون فانس"، "نحن نتعرض الآن إلى مزيد من "المراكز الأجنبية". هناك كثير من التطورات خلال الأعوام القليلة المُقبلة التي يمكن أن تتحدى الموقف المهيمن للأصول الأمريكية".
يُمكن أن تحمل الصين مفتاح انتعاش الأسواق الناشئة في نهاية المطاف. يتوقع جوراف ساروليا، مدير الاستراتيجية الكلية العالمية في "أوكسفورد إيكونوميكس"، أن تعمل بكين قريباً بقوة أكبر للحؤول دون أن يتعرض النمو إلى تباطؤ حاد، من خلال تخفيف حملة تقليص الرفع المالي وتسهيل السياسة النقدية مرة أخرى.
ولا تزال الحرب التجارية المستمرة تشكل خطراً واضحاً. في الأسبوع الماضي أعلن الرئيس ترمب عن رسوم جمركية بنسبة 10 في المائة على واردات صينية إضافية بقيمة 200 مليار دولار، ستزيد إلى 25 في المائة بحلول نهاية العام. وردت الصين بفرض رسوم جمركية خاصة بها على ما يساوي 60 مليار دولار من السلع الأمريكية.
لكن ماركو كولانوفيتش، من "جيه بي مورجان"، حذر من أن التأثير يمكن أن يصل إلى السواحل الأمريكية في نهاية المطاف. وقال "تحملت الأسواق الناشئة عبء الحرب التجارية حتى الآن وتم احتساب هذه المخاوف منذ فترة. لكن لم يتم احتسابها بعد في الأسواق الأمريكية".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES