FINANCIAL TIMES

العجز المزدوج لا يزال يبدو مفيدا لقوة الدولار

العجز المزدوج 
لا يزال يبدو مفيدا لقوة الدولار

صافي المراكز المكشوفة في سندات الخزانة الأمريكية وصل الآن إلى مستويات قياسية جديدة. في الواقع هذا بالتأكيد يجب أن يكون أكثر التداولات ازدحاما، بل ربما الأكثر ازدحاما، في الأسواق العالمية. في الأحوال الطبيعية من شأن هذا أن يكون سببا جيدا للتشكيك في المنطق الأساسي. لكن في هذه المناسبة يغلب على ظني أن الرأي الشائع قد يكون صحيحا تماما.
الارتفاع الأخير في عوائد سندات الخزانة الأمريكية، مع ارتفاع عوائد السندات لأجل عشر أعوام إلى أكثر من 3 في المائة، كان مدفوعا في البداية بارتفاع ملحوظ في العوائد الحقيقية بعد تعديلها لاحتساب التضخم والعوامل الفنية، بما في ذلك تغيير القواعد الضريبية لصناديق التقاعد الأمريكية. لكن اشتداد حدة حرب إدارة ترمب التجارية مع الصين يزيد من متاعب سوق السندات لأن الرسوم الجمركية ترفع أسعار الواردات، والضغط التضخمي الناتج يؤدي إلى أسعار فائدة أعلى. هناك تصور متنام، أيضا، أن الحرب ستكون طويلة الأمد أكثر مما افترضه كثير من المستثمرين.
على القدر نفسه من الأهمية كان التغيير في التصور بشأن نيات الاحتياطي الفيدرالي. الخطاب المتشدد من حمائم الاحتياطي الفيدرالي، وبشكل بارز لايل برينارد، أجبر الأسواق على إدراك أن الاحتياطي الفيدرالي قد يلعب لعبة أكثر تشددا في عام 2019 مما افترضه معظم الناس في وقت سابق. في حين أن الزيادة في أسعار الفائدة الرسمية كان ينظر إليها من قبل الجميع على أنها كانت حتمية الأسبوع، إلا أنه سيتم دراسة كلمات اجتماع لجنة السوق الحرة في الاحتياطي الفيدرالي بشكل دقيق للحصول على دليل على أن إعادة تقييم المستثمرين لنيات الاحتياطي الفيدرالي لها ما يبررها.
في الوقت نفسه، سوق العمل تغير سرعتها. إحدى السمات الأكثر إثارة للانتباه في انتعاش الولايات المتحدة بعد الأزمة المالية كان الطريقة التي انخفض بها معدل البطالة إلى أدنى مستوياته منذ 50 عاما من دون رفع للأجور. هذا يبدو من المنتظر أن يتغير. تظهر البيانات الأخيرة زيادة الضغط وسط علامات على نقص في سوق العمل. تشكو الشركات في كل مكان من صعوبة العثور على عاملين مؤهلين.
ما يزيد الطين بلة هو سياسة في المالية العامة من الواضح أنها غير مستدامة. الزيادة في معدل النمو في عهد الرئيس ترمب تدين بالكثير للتخفيضات الضريبية وموافقة الكونجرس على زيادة الإنفاق على البرامج الدفاعية والاجتماعية. حدث هذا النمو على حساب عجز متصاعد في المالية العامة لا يقل كثيرا عن 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في اقتصاد التوظيف الكامل. مع الكثير من الاستمتاع نفسه بالمديونية الذي أظهره في صفقات أعمال العقارات الخاص به، وضع ترمب نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة على مسار يحتمل أن يكون على غرار النمط الإيطالي.
كل هذا يعد بمنزلة حجة قوية للاتجاه الهبوطي. لماذا، إذن، ضعف الدولار أخيرا في ظروف حيث ارتفاع العوائد على سندات الخزانة الأمريكية جذاب بشكل واضح جدا مقارنة بالسندات الحكومية الألمانية، أو السندات الحكومية اليابانية وغيرها من سندات البلدان المتقدمة؟ يمكن أن ندعو ذلك مسألة صعبة ومثيرة للبلبلة، لكن من الجدير بالملاحظة أنه إذا تقلصت الفوائض التجارية للأطراف المقابلة لأمريكا، من الحتمي أن يشتروا أصولا أمريكية أقل. مع تباطؤ اقتصاد الصين وانخفاض فائضها التجاري بشكل ملحوظ قد يكون هناك تلميح بتفسير لهذا الأمر، لكن لاحظ أيضا بشكل سريع أن الفائض التجاري الثنائي الصيني مع الولايات المتحدة لا يزال يسجل مستويات قياسية عالية، وهو ما يعمل على زيادة الاحتكاك التجاري بين البلدين. العوامل الجيوسياسية ربما يكون لها دور أيضا. ربما لا تكون روسيا وحيدة في خفض احتياطياتها المقومة بالدولار بشكل كبير خوفا من تجميدها إذا ما كثفت الولايات المتحدة عقوباتها.
العملات تتحدى بثبات أفضل الجهود من المتنبئين، لذلك أي شيء يمكن أن يحدث. لكن هذه الخلفية، مع العجز المزدوج الذي تفوح منه رائحة عهد ريجان، لا تزال تبدو مفيدة لقوة الدولار. إذا كان الأمر كذلك، ستبقى الأسواق الناشئة في مأزق، حيث تعيقها الديون المفرطة المقومة بالدولار. وسيكون ترمب في وضع غير مريح يتمثل في خوض حرب تجارية مع عملة مرتفعة في الوقت الذي يواجه فيه مصرفا مركزيا عازما على تشديد الشروط النقدية في وقت غير مناسب سياسيا.
منذ فترة حذر الرئيس الاحتياطي الفيدرالي من مزيد من الزيادات في أسعار الفائدة. يجادل روبرت أليبر، من جامعة شيكاغو، بأن من المحتم أن يهدد الرئيس الاحتياطي الفيدرالي مرة أخرى، متكهنا بأنه قد يقترح أن يصبح جناحا من وزارة المالية الأمريكية كما كان في الأربعينيات. أنا أشك في ذلك. من شبه المؤكد أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى إعادة حركة مستثمري السندات الذين يحتجون على السياسات المالية، إلى الحياة ورفع تكاليف الاقتراض الحكومية إلى درجة لا تطاق. فهل حتى ترمب يمكن أن ينخرط في قرار جامح إلى هذه الدرجة؟
مع ذلك سيكون هناك المزيد من الضغط على الاحتياطي الفيدرالي من البيت الأبيض، ما يثير أسئلة حول ما إذا كان بمقدور الرئيس إضعاف مكانة العملة الاحتياطية التي يتمتع بها الدولار. لكن حتى تحت الإدارة الحالية للدولار، المدعومة بأعمق سوق للسندات الحكومية في العالم، يظل الدولار أفضل الرفاق السيئين. ليس هناك بديل حقيقي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES