Author

«ننطلق إلى المستقبل»

|

في اليوم الوطني الـ 88 للمملكة رفع شعار ننطلق إلى المستقبل، في إشارة مهمة تتسق مع طبيعة الحياة البشرية المتغيرة، حسب ظروف العصر، ومعطياته، والإمكانات المتوافرة، وما من مجتمع على وجه البسيطة إلا ومرت عليه رياح التغيير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ونمط العيش، وقد مر مجتمعنا منذ استخراج النفط عبر مراحل عدة في تغيرات نقلته من الأمية والجهل والفقر إلى ظروف أفضل بكثير نعيشها هذه الأيام، حيث المدارس والجامعات والمستشفيات والطرق والمدن الحديثة والتقنية، بأنواعها كافة، ومصادر إنتاجها؛ لتتغير معها سلوكيات الناس وعاداتهم وتقاليدهم، بصورة إيجابية، وأخرى سلبية.
تأملت في شعار المناسبة، وتساءلت ما المستقبل الذي نسعى إليه وينتظرنا؟ وأهمية السؤال تكمن في أن أي مجتمع يمكنه أن يرسم مستقبله متى ما كانت الأهداف واضحة، والإمكانات المادية والبشرية متوافرة للقيام بمتطلبات المستقبل، ولكي نتوجه الوجهة الصحيحة لرسم مستقبلنا؛ وتحقيق ما نريده علينا أن نستحضر مجموعة حقائق، أولها أن المستقبل بشكل عام مجهول ويصعب التنبؤ به بصورة مطلقة، فالأحداث على الصعيد العالمي يحدثها من يملك أدواتها المعرفية والاقتصادية والتقنية والعسكرية والسياسية والمالية، ولو تأملنا في العالم لوجدنا أن من يتحكم فيه، وفي أحداثه أولئك الذين يمتلكون عناصر القوة، وإن بصورة نسبية، فأمريكا وأوروبا والصين وروسيا هم من يحركون المشهد العالمي، وبقية العالم يتحرك بحركتهم.
كيف ننطلق إلى المستقبل؟ "رؤية 2030" تمثل خريطة طريق عامة في أهدافها، وآلياتها، ومتطلباتها إلا أن الأمر يتطلب شجاعة نتمكن خلالها من تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف التي تعترض مسيرة التحرك نحو المستقبل، وبطرح سؤال ما المستقبل الذي نريد بملامحه العامة والدقيقة يمكننا معرفة ما يتوافر لدينا، وما لا يتوافر؟ مجموعة حقائق يلزم تثبيتها والعمل بموجبها، أولها أن الشعب السعودي هو الرافعة الأساسية، التي يعتمد عليها أي مشروع تحولي، وبمقدار ما يتحقق له من علم، ومعرفة رفيعة وتتناسب مع آخر ما توصل إليه من معارف سيكون بمقدورنا التحرك بثقة نحو المستقبل. هذا الهدف يستوجب رفع كفاءة المؤسسات التعليمية، سواء في التعليم العام، أو التعليم العالي؛ لتكون على مستوى التحديات الحاضرة، والمستقبلية، كما أن الاستمرار في برنامج الابتعاث للدول المتقدمة علميا يمكننا من الاستفادة من معارف، وخبرات الآخرين.
الإلمام بالمعرفة النظرية أمر ضروري، إلا أن المهم الجانب التطبيقي الذي يكسب المهارة، وهذا ما ينقصنا في تعليمنا في الوقت الراهن وعلى الهيئة التعليمية؛ بجميع تخصصاتها وأماكن عملها إيلاء العملية التطبيقية الاهتمام اللازم، حتى لا نستمر بعيدين عن الإضافة المعرفية والإنتاجية، أما الحقيقة الثانية فهي أن النسبة الأكبر من اقتصادنا تعتمد في الأساس على استخراج النفط وبيعه في الأسواق العالمية، والاستمرار في هذا الوضع يفقدنا بوصلة التوجه للمستقبل، خاصة أن العالم يشهد تنافسا وصراعا حادا بين الدول في الإنتاج الصناعي والزراعي.
الحقيقة الثالثه أننا مجتمع استهلاكي، حيث نعتمد على الاستيراد لمعظم احتياجاتنا الحياتية؛ ما يستنفد نسبة عالية من دخل الوطن من البترول، إذ نستورد السلاح بأغلى الأثمان، والغذاء والدواء واللباس والتقنية، وهذا وضع خطير في عالم لا يرحم الضعفاء؛ وهذا الوضع يحتاج لمراجعة، وإعادة النظر في الخطط لنجعل التصنيع على رأس الأولويات، كما أن التخلي عن الكماليات سيوفر على الوطن في ميزانيته؛ ليوجه الفائض لما هو أكثر فائدة.
خدمات الصيانة المنزلية، والمباني، والمرافق العامة تستنزف كثيرا من دخل الوطن وموارده، ويعود السبب في المقام الأول إلى عدم انخراط المواطنين في هذه الأنشطة، وهذا موضوع تتداخل فيه الاتجاهات، والميول، ونظرة المجتمع، وتوفر العمالة الزائدة عن المطلوب، والمنافسة الشرسة التي يتعرض لها المواطن في حال دخوله المجال الخدمي، حتى يجد نفسه خارج المجال.
شعار رأيته على أحد المباني "من أجل الوطن نبادر". والمبادرة تكون في مشروع اجتماعي خيري، أو في توظيف مواطن، أو برنامج تدريبي، أو فكرة تخدم الوطن حاضرا ومستقبلا، كلها مبادرات سديدة تتكامل مع بعضها لتصنع مستقبلا ينتفع ويزهو به الجميع.
ختام القول إن اليوم الوطني يجب أن يرسخ فينا اتجاهات إيجابية، وقيم الصدق مع الذات والآخرين، والعدل، والأمانة، والإخلاص قولا وعملا، والمحافظة على المكتسبات التي تحققت خلال العقود الماضية، إلا أن المشاهد التي نقلتها الكاميرا، ونشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي توحي بخلاف ذلك عند البعض، فما تركه الناس في الحدائق العامة لا يليق بنا، ولا يجوز دينا ولا عقلا ولا مروءة، فمتى يستيقظ الضمير؟!

إنشرها