ثقافة وفنون

«حورية البحر الصغيرة» .. أسطورة ترويها الحقيقة

«حورية البحر الصغيرة» .. أسطورة ترويها الحقيقة

«حورية البحر الصغيرة» .. أسطورة ترويها الحقيقة

كثيرا ما تمر أحداث أمامنا فنتأملها ونغوص بها، وفي نهاية المطاف إما نصدقها وإما ننكرها، وفي كل مرة نتصرف بحسب قناعاتنا، فمن الممكن أن نصدق حدثا ما، في حين غيرنا لا يصدقه ويعتبره خرافة، وهذا ما حصل مع الطفلة إيل في فيلم «حورية البحر الصغيرة ـ The Little Mermaid» التي كانت تؤمن بوجود حوريات البحر، في حين أن عمها كام كان يعتبر أن لا وجود لهن، وما هن إلا أساطير وجدت فقط في الروايات.

فائقة الجمال
عندما نذكر حورية البحر يتبادر إلى ذهننا أنها كائن غاية في الجمال، تعيش في أعماق البحار وسط الشعب المرجانية والمناظر الخلابة، نصفها العلوي على هيئة إنسان والنصف السفلي على هيئة سمكة، وتناولت كثير من القصص والروايات والأفلام هذه الأسطورة، فكانت حلم الكثيرين، ولم تتوان هوليوود عن إصدار أفلام عن حوريات البحر، ففي كل مرة كانت تطرحها بطريقة مختلفة، تشد المشاهد وتجعله يبتسم أمام جمال هذا الكائن الذي يعرض على الشاشة، وفي الفترة الأخيرة أُطلق فيلم الدراما والفانتازيا «حورية البحر الصغيرة» الذي قدم حورية البحر على أنها كائن يعتمد وجوده على قناعات الفرد.

رواية تحولت إلى حقيقة
بدأ الفيلم بمشهد امرأة مسنة، وهي جدة لطفلين جلست تقص عليهما حكاية حورية البحر وكيف تناقلتها الأساطير على أنها من الخيال، لكن هذه الرواية بحسب ما أخبرت الأطفال ليست القصة الحقيقية لحورية البحر، وأكملت في سرد روايتها الحقيقية، ففي يوم من الأيام يقوم مراسل صحافي يدعى كام هاريسون، يلعب دوره الممثل ويليام موسيلي، برفقة ابنة أخته إيل، تلعب دورها الممثلة لوريتو بيرالتا، برحلة عملية إلى المسيسيبي، بهدف إجراء تحقيق صحافي حول مياه شافية يقدمها أحد الأشرار في البلدة يدعى لوك، يلعب دوره الممثل أرماندو جوتييريز، ويقدم تلك المياه على أنها من أعماق البحار ومن مياه الحوريات، وفي كل ليلة كان يعرض في السيرك امرأة فائقة الجمال تتمايل بذيلها في مربع من الزجاج، عيناها حزينتان لكنها مجبرة على عرض نفسها أمام الجمهور بسبب غلطة ارتكبتها عبر الزمن، عندما حلمت أن تتزوج بأمير رأته على الأرض؛ فطلبت من لوك أن يحولها الى إنسان بشري مقابل إعطائه جزءا من قوتها كحورية بحر، لكن أميرها كان متزوجا، واندثرت أحلامها كافة، بعدما قطعت وعدا للوك بأن تهبه قطعة منها يتحكم بها، وهنا اختلفت القصة ما بين الأساطير القديمة التي تقول إن الحورية التقت أميرها وأراد الزواج بها لكن الشريرة أخذت صوتها الجميل، وبدأ العراك إلى أن استرجعت الحورية صوتها.

أحداث خارج التوقعات
ففي الفيلم الجديد الذي أخرجه بليك هاريس، وكريس بوشارد، جميع الأحداث جرت خارج توقعات المشاهد، حورية البحر لم تحظ بالأمير وفقدت جزءا منها نتيجة تقديرها الخاطئ وتسرعها في أخذ القرارات، وفي إحدى الليالي يزور كام وإيل السيرك الذي يقدم الحورية الحقيقية وهي تدعى إليزابيث، تلعب دورها الممثلة الجميلة بوبي درايتون، فتراها إيل وتقترب منها، مندهشة لرؤية حورية حقيقية، من جهته كام غير مقتنع بفكرة وجود الحوريات ويعتبرها خرافة، وفي كل مرة كان يتحدث عن هذا الأمر مع إيل كانت تقول له صدق ما تريد وأنا سأصدق ما أريد، وهي الرسالة التي حاول المخرج من خلال هذا الفيلم تقديمها، فالإنسان بطبيعته يقتنع بقصص لا وجود لها في بعض الأحيان لكنها تبعث الطمأنينة في نفسه، وهذا ما حصل مع إيل التي تبين فيما بعد أنها المخلوق الوحيد على الأرض التي ولدت بقلب حورية على هيئة إنسان، وهي التي يحاول لوك البحث عنها في كل مكان للحصول عليها وتنفيذ مخططاته الشريرة.

العودة إلى الجذور
تتوالى الأحداث ويقتنع فيما بعد كام بحقيقة وجود الحورية واكتشف لوك قوة الطفلة إيل في قلبها وحاول الاستيلاء عليها، وفي النهاية فرت هي وإليزابيث وعاد كل إلى مكانه الطبيعي. وفي النهاية كذلك جرت الأحداث خارج التوقعات، حيث كان من المتوقع أن تغرم إليزابيث بكام وتتخلى عن مقوماتها كحورية من أجله، لكن رغم مشاعرها اتجاهه فضلت أن تعود إلى أصلها.

انتصار الخير
يتضمن الفيلم كثيرا من العبارات الفلسفية التي تبعث الحب في قلوب المشاهدين الأطفال، ولقد قدم الكاتب هانز كريستيان أندرسن هذه العبارات بطريقة سلسة، تدخل عقول الصغار، خاصة المشاهد التي تحوي في مغزاها عبارات عن الحب، حيث أظهر من خلال علاقة إليزابيث وكام كيف أن الحب ساعد إليزابيث للعودة إلى ديارها، كما أن صراع الخير مع الشر في اللحظات الأخيرة التي حاول لوك القضاء فيها على حورية البحر والطفلة إيل، وانتصار الخير هو رسالة مهمة لأطفالنا، خاصة أنهم انتصروا بعد معركة قوية اتحد فيها ثلاثة أرواح خيرة للقضاء على لوك ورميه في أعماق المحيط. وما المشهد الأخير والسيناريو الذي حصل بين الطفلين والجدة إلا مفاجأة جميلة للمشاهد، فمن هي هذه الجدة ولماذا تقص الرواية الحقيقية لحورية البحر؟!

تاريخ حورية البحر
فيلم حورية البحر الصغيرة مستوحى من القصة الكلاسيكية التي كتبها هانز كريستيان أندرسن عام 1837، وتمت معالجتها في السينما والتلفزيون مرات عديدة، وكانت أول أسطورة لحوريات البحر في عام 1000 ق.م. وظهرت حين أحبت الإلهة أتارجاتيس وهي أم الملكة الآشورية سميراميس فرد من البشر وبدون  قصد قتلتة، فقررت أن تعاقب نفسها على قتله فذهبت إلى البحيرة وألقت بنفسها لتتحول إلى سمكة، لكن المياه التي كانت بالبحيرة حولتها إلى حورية بشكلها الإنساني في الجزء العلوي، ولكن الجزء السفلي على شكل ذيل سمكة.
وفي القصص العربية جاءت بصورة أخرى فلقد كانت حورية البحر في كتاب ألف ليلة وليلة عبارة عن أناس بحريين «كجلنار بنت البحر»، ولكن تختلف الحوريات البحرية هنا لأنها كانت توصف في القصة كبشر عاديين، ولكن ما يميزهم عن البشر فقط قدرتهم على التنفس تحت الماء بالبحار وأيضا كانوا يتزوجون من بشر عاديين في بعض الأساطير.
أما في العصر الحديث فظهرت قصة غريبة عن رجل يدعى كاميرون إليدونيالديزو، وهو بحار فرنسي أسعده الحظ بأن يجد أثناء تجوله في سواحل إحدى جزر قبرص حورية بحر هناك فألقى عليها شبكة صيد واستطاع أن يأخذها ويتزوجها وأخفاها عن الناس وأنجب منها سبعة أبناء، وعندما شعر بالموت قرر قتلها حتي لا يأخدها أحد خليلة له من بعده.
ومع تعدد الإنتاجات السينمائية حول حورية البحر يبقى السؤال الأبرز هل هي حقا وجدت في زمن من الأزمان؟! الجواب برَهن الحالة النفسية للفرد، فإما يحلم بها وينغمس بفكرة وجودها وإما يتجاهلها ويستخف بها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون