FINANCIAL TIMES

التدخين .. فوائد ليست في الحسبان

التدخين .. 
فوائد ليست 
في الحسبان

عندما أذهب إلى العمل كل صباح أعبر في طريقي منطقة أسمنتية سيئة عند المدخل الخلفي لصحيفة "فاينانشيال تايمز" يجلس فيها آخر من تبقى على قيد الحياة من مدخني المبنى، حيث يمكنهم تدخين سيجارة بهدوء.
مرت سنوات منذ شعوري برغبة ملحة في الانضمام إليهم، لكن قبل فترة ليست طويلة كان علي إنجاز عمل مع اقتراب موعده النهائي البغيض لدرجة أني طلبت سيجارة من أحد الأشخاص القلائل الذين أعرف أنهم لا يزالون يدخنون وتوجهت إلى الخارج.
رجل لم ألتقه من قبل قدم لي ولاعة، وبينما كنا ندخن سويا، بدأ يخبرني عن عمله في جزء بعيد من المبنى. كان الناس يعملون هناك على مؤتمرات ومناسبات "فاينانشيال تايمز".
بينما كنت استمع إليه وهو يتحدث حول كيف كان الجميع يعملون بكل جد من أجل الترويج لمؤتمر قريب يخشى من فشله، بدأت تتشكل لدي فكرة مفزعة: كان يتحدث عن مؤتمر من المقرر أن أترأسه.
كانت تلك لحظة، ولو أنها قاسية، بمنزلة تذكير بفائدة التدخين في العمل. إنها أحد أرخص الطرق وأكثرها فعالية لمعرفة ما يحدث بالفعل في المكتب.
ما لا يمكن إنكاره أنه يمكن أن يكون في بعض الأحيان فعالا للغاية. كنت أعمل في واشنطن عام 1994 عندما اهتزت المدينة بعد القبض على ألدريتش أميس، ضابط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، الذي تبين أنه جاسوس سوفياتي تسبب في ضرر كبير، بخيانته لعدد من عملاء المخابرات الأمريكيين من أجل المال.
كان أميس مدخنا شرها. لجوؤه إلى عيادات الأسنان ذات التكلفة العالية لإصلاح إنيابه المصفرة أثار شكوكا مبكرة حول ظروفه المالية المتحسنة. لكن عادته في التدخين ساعدته أيضا في الحصول على معلومات مفيدة حول عمليات وكالة المخابرات المركزية ضد روسيا - من مكاتب لم تكن قريبة من مكتبه أبدا. عندما كان يذهب إلى الخارج للتدخين في المقر الرئيسي لوكالة المخابرات المركزية في لانجلي، كان يجتمع مع زملائه الآخرين في الوكالة وينهمكون في القيل والقال.
كان هذا مثالا خطيرا غير معتاد على كيف يساعد التدخين في المكاتب في تعزيز تدفق المعلومات، ولكنه أيضا مهم على نحو لا يخلو من الغرابة. في الوقت الذي تتصارع فيه الشركات مع معدلات نمو كئيبة في إنتاجية القوى العاملة، هناك اهتمام متزايد بالأحاديث العشوائية التي تدور في المكاتب. من الناحية النظرية، كلما زادت حالات التقاء الأشخاص صدفة ببعضهم وتبادل الحديث العشوائي، زاد احتمال تبادلهم الأفكار وعثورهم على الحلول ويصبحوا بشكل عام أكثر إنتاجية. قبل سنوات ليست بعيدة، كثير من هذه اللقاءات كان يحدث بشكل طبيعي.
في التسعينيات أخبر موظفو المكاتب الأمريكية الباحثين أنهم يقضون ما يصل إلى 70 في المائة من يومهم في التحدث وجها لوجه مع زملائهم. تغير ذلك بوضوح في عصر القوى العاملة المنتشرة على نطاق واسع؛ التي تعمل من المنزل وعبر الهاتف. تمتلئ المكاتب اليوم بالأشخاص الذين يحدقون في شاشاتهم في المكاتب ذات التصميم المفتوح، مع سماعات رأس ملتصقة بشكل غير اجتماعي على آذانهم لمنع الضجيج. وعدد أقل بكثير، لحسن الحظ، يدخنون.
وهكذا نرى عددا من "الحلول" الخاصة بتصميم أماكن العمل لجعل العاملين يلتقون ببعضهم عرضا بشكل أكبر، بدءا من تصميم الدرج. فكرة أن يكون هناك درج واسع يتيح لشخصين تبادل الحديث جنبا إلى جنب فكرة يقدمها المهندسون المعماريون لزيادة تبادل الأحاديث في المكاتب. إنها فكرة لا بأس بها إذا كنت تبني مكتبا جديدا، أو إذا كان بإمكانك تحمل تكلفة الحصول على درج جديد، لكن لا فائدة منها بالنسبة لمعظمنا.
هناك فكرة أخرى أبسط: آلة لصنع القهوة على عجلات يمكن تحريكها بشكل استراتيجي لجذب جماعات مختلفة من العاملين إلى المكان نفسه لتشجيع الأحاديث المنتجة. سمعت لأول مرة عن ذلك من بن وابر، أمريكي التقيت به في العام الماضي، يدير شركة اسمها "هيومانيز" ترصد طريقة تنقل الناس في المكتب.
أنا شخصيا أحب أن أعرف من أين سأحصل على القهوة كل يوم. أن تصبح مضطرا للبحث عن آلة مكانها غير معلوم يبدو أمرا متعبا.
أنا مدينة بالفضل لقارئ بالحيلة المفضلة لدي: ثلاجة في المكتب. كتب لي رجل من الولايات المتحدة أنشأ وأدار العديد من الشركات، ليخبرني أن وضع المشروبات في المكتب له العديد من المزايا المجربة. قال إن الجميع تعرفوا على بعضهم بسرعة "من عامل الإنتاج إلى المدير التنفيذي"، ما أحدث فرقا كبيرا الطريقة التي يعملون بها.
قال مصدري إنه لم يخسر أي إنتاجية أبدا مع هذه الميزة. وهو يخطط لقياس ما إذا كان الناس أكثر إنتاجية في الواقع عند وجود ثلاجة. أتحرق شوقا لرؤية النتائج.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES