FINANCIAL TIMES

«بريكست» .. من مجرد طلاق ودي إلى فراق قاس

«بريكست» .. من مجرد
طلاق ودي إلى فراق قاس

أثبت البريطانيون منذ فترة طويلة أنهم أساتذة سابقون في القراءة المغلوطة لأنجيلا ميركل، لكن في هذه المرة، وفي الوقت الذي أخذت تتوارد فيه التقارير حول تعليقات المستشارة الألمانية، كان هناك عدم تصديق يتسم بالذهول حتى في لندن. هل تريد السيدة ميركل الاحتفال بـ"بريكست"؟
جرت المناقشة في يوم بلسمي من شهر تموز (يوليو) الماضي في برلين، حيث كانت تيريزا ماي جالسة في مكتب المستشارة الجيد التهوية والمطلي باللون الأبيض.
كانت محادثات مغادرة بريطانيا عالقة. وكانت الحكومة البريطانية قريبة من الاحتراق الذاتي، لكن ميركل أرادت أن تثير شيئا آخر: قالت إنه حان الوقت للبدء بالتفكير في لحظة "احتفالية" من شأنها أن تحدد اتفاق مغادرة بريطانيا.
وسرعان ما أصبح من الواضح أن نوايا ميركل قد ضاعت في الترجمة: فكرة الاحتفال التي كانت في ذهنها هي احتفال رصين، أقرب إلى كونه قداسا في منه إلى احتفال صاخب بالاستقلال.
ومع ذلك كانت ملاحظاتها ذات دلالة مهمة. تدخل محادثات خروج بريطانيا، بعد عامين من الاستفتاء، مرحلة جديدة وحاسمة. القادة يمدون أبصارهم إلى خط النهاية. آلة تسوية بروكسل جاهزة. ويرى جميع الأطراف أن التوصل إلى اتفاق هو في متناول اليد، ربما بعد ثمانية أسابيع. يقول أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي: "الأمر واضح، نحن في مرحلة نهاية اللعبة".
سيكون تجمع قادة الاتحاد الأوروبي في سالزبورج هذا الأسبوع هو الخطوة الأولى فيما يمكن تصوره كحركة ثلاثية القمة لاتفاقية تاريخية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، حتى إن المفاوضين بدأوا يفكرون في تصميم الفصل النهائي، وهو خاتمة يتوقع أن تكون قمة خاصة في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
ستكون تلك هي الليلة التي يتخذ فيها القادة حول الطاولة الأوروبية العليا دورا عمليا أكثر. ستظل السيدة ماي بعيدة عن الزعماء الـ27 الآخرين، حيث ستكون جالسة في غرفة الوفد البريطاني الموجودة في الأعلى على بعد أربعة طوابق، وليس فيها مواد للراحة سوى صورة الملكة.
المصاعد في الأعلى من شأنها أن تنقل أعضاء الوفود بمن فيهم دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي، وجان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية.
إذا ثبت أن ليلة واحدة غير كافية، هناك إشارات حول عقد مؤتمرات قمة في كانون الأول (ديسمبر) المقبل أو حتى كانون الثاني (يناير) المقبل، لكن الجهود قوية من أجل أن تكون القمة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. مارك روتي، رئيس الوزراء الهولندي، يخبر الزملاء أنه يريد أن يحبس الجميع "إلى أن تتم الصفقة".
بعد إكمال الصفقة، تدعى السيدة ماي أخيرا إلى الانضمام إلى زعماء الاتحاد الأوروبي الـ27 الباقين من أجل الاحتفال الرسمي الرصين، الذي تمتزج فيه الابتسامات والإرهاق والارتياح.
يقول أحد كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي من الذين يعالجون موضوع "بريكست": "علينا أن نرجو أن نكون في الغرفة نفسها في النهاية".
حتى مع إعداد المسرح لنهاية ملحمة انفصال بريطانيا عن الاتحاد، إلا أن بعضهم يتزايد قلقه من عدم جاهزية الظروف الظاهرة. المحادثات حول أصعب القضايا – ولا سيما الحدود الأيرلندية – متوقفة من الناحية الفعلية، حيث يتمسك كل طرف بموقفه.
بالكاد بدأت صياغة مسودة خطة أولية للعلاقات المستقبلية، وهناك اختلافات جوهرية حول خطة تشيكرز من رئيسة الوزراء البريطانية، بشأن منطقة حرية الحركة للبضائع.
على الرغم من جدية هذه العقبات، إلا أنها تشكل الجزء الأسهل من محنة السيدة ماي بشأن "بريكست": المشكلة الحقيقية هي إقناع البرلمانيين البريطانيين الساخطين من المناهضين للتكامل الأوروبي بصفقة الخروج.
يقول باسكال لامي، الذي شغل من قبل منصبي مفوض الاتحاد الأوروبي ومدير منظمة التجارة العالمية: "الأمر بسيط جدا. هذا ليس تفاوضا بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. ما يجب التفاوض عليه تم التفاوض عليه. هذا تفاوض داخل لندن بين مؤيدي بقاء بريطانيا في الاتحاد ومؤيدي المغادرة".
ويضيف أن الأمر الذي يفي بالغرض في القمة النهائية هو تنظيم معركة في بروكسل لحل مشكلة في لندن. "إذا كنت بحاجة إلى رسائل تقول: أوه، لقد لويت أذرعنا بالفعل، إنه أمر فظيع، فهذا أمر سهل. يمكن أن يفعل يونكر ذلك بشكل جيد للغاية، وهو يتلوى من الألم والمعاناة. أنت في حاجة إلى (الكاتب الإيطالي لويجي) بيرانديلو للقيام بحركات رقص لهذا الأمر".
ومع ذلك، حتى في الوقت الذي يتم فيه إعداد المسرح لهذه النهاية، لا مجال لإخفاء هذا القلق. وضع لامي وعدد من كبار المفاوضين في الاتحاد الأوروبي احتمال أن يتداعى الاتفاق بنسبة 50 في المائة، حيث إن جميع مخاطر الفشل تأتي من عملية المصادقة في مجلس العموم البريطاني.
حذر السير إيفان روجرز، سفير بريطانيا السابق في الاتحاد الأوروبي، من أن الأسواق تحتسب أسعارا أدنى مقابل مخاطر "السير نياما نحو أزمة كبيرة". ويقول إن السبب ليس عدم وجود صفقة، "بل إن السبب بالضبط هو أن كل جانب يسيء فهم الحوافز الحقيقية والقيود السياسية لبعضهم بعضا".
يعترف أحد المشاركين المهمين في المفاوضات بأن خطر حدوث سوء تقدير خطير هو أمر حقيقي للغاية: "القطع تظل في مكانها، ولهذا السبب يشعر الجميع بالتوتر الشديد". بعبارة أخرى: الأحجية السياسية قد لا تكون ملائمة.
بنوع من التلذذ الواضح، يؤكد كبار المسؤولين في برلين وباريس وبروكسل منذ أشهر، أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس حتى ضمن الأولويات الـ20 الأولى لقادتهم. هذا، على الأقل، من المقرر أن يتغير في سالزبورج.
لن تظهر نتائج رسمية من المناقشة حول مائدة الغداء بين القادة الـ27. ولن تكون هناك إعادة تقييم كبيرة لموقف الاتحاد الأوروبي، لكن هذه ستكون اللحظة التي سيتم فيها تجميع القادة المجتمعين "للوقوف في الصف"، الذي سيهيمن على أجندة الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر القليلة المقبلة.
هناك ثلاثة أسئلة واسعة تلوح في الأفق سبق أن عرضها باختصار ميشيل بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي. أحدها تكتيكي: هل ينبغي توضيح أنه ستكون هناك قمة خاصة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل؟ تخشى فرنسا من أن هذا من شأنه أن يخفف الضغط على لندن، ويسمح لها بتعطيل المفاوضات حتى انعقاد القمة.
والثاني ذو طابع سياسي أكثر: الحدود الأيرلندية. كيف ينبغي على الاتحاد الأوروبي تعزيز دعمه لدبلن، وفي الوقت نفسه "يقلل من شأن" اقتراحه لتجنب حدوث حدود قاسية في جزيرة أيرلندا.
خطة "الدعم" المذكورة، التي تهدف إلى إبقاء أيرلندا الشمالية ضمن الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة للسلع في الاتحاد الأوروبي، يقصد منها أن تنطبق "ما لم أو حتى" يتم العثور على بديل أفضل.
أخيرا ستكون هناك مسألة استراتيجية التفاوض، وشكل "الإعلان السياسي" غير الملزم حول العلاقات المستقبلية. القضية موضوع الخلاف هي كيفية التفصيل والوضوح في البيان، خصوصا بشأن الجمارك و"كتاب قواعد أحادي" للسلع – وهي الأجزاء من خطة ماي في "تشيكرز" التي ينظر إليها في أوروبا على أنها غير قابلة للتطبيق.
هل ينبغي أن يرفع قادة الاتحاد الأوروبي من مستوى الترتيبات إلى اتحاد جمركي كامل، أو يتجهوا إلى اتفاقية تجارة حرة على النمط الكندي، أو أن يتركوا فقط القضية دون حل إلى ما بعد خروج بريطانيا؟
فيما يتعلق بهذا الشأن كان من رأي فرنسا وألمانيا في السابق الالتزام بالوضوح بالدرجة الأولى، وذلك لإعطاء الشعوبيين في جميع أنحاء أوروبا درسا لا غموض فيه بخصوص العواقب المترتبة على الخروج من الاتحاد الأوروبي.
السيدة ميركل هي الآن أكثر ميلا إلى التفكير فيما هو مطلوب للمساعدة في أن يتم إقرار اتفاقية الانسحاب في البرلمان البريطاني. يقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين على اتصال مع برلين: "تحول موقف الألمان".
على أن كبار المسؤولين الفرنسيين لا يزالون يصرون على "أنه لا يمكن أن يكون الأمر غامضا فوق الحد".
ومن المتوقع أن تظهر الدلائل على أية نتائج استنتاجات في الجزء الأخير من التوجيه لبارنييه، الذي سيتم اعتماده رسميا في قمة تعقد في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، الأمر الذي من شأنه أن يساعده على "القيام بالصفقة"، على حد تعبير أحد كبار الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي. ويضيف الدبلوماسي: "كل هذا يتوقف على ما يعتقد البريطانيون أنه يمكنهم إقناع جماعتهم به في الوطن".
الرسائل العامة من سالزبورج ستكون مشجعة، وطموحة، لكن غير محددة بالنسبة للسيدة ماي، وقد تمت معايرتها لتعزيز موقفها دون التنازل عن المواقف الأوروبية. يعلم الاتحاد الأوروبي أنه قبل صدور الحكم النهائي على ما هو "قابل للبيع"، يجب أن ينتظروا نتائج مؤتمري حزبي العمال والمحافظين في بريطانيا في نهاية هذا الشهر.
حين ينظر إلى السيدة ماي من العواصم الأوروبية، فهي تظهر بمظهر أسيرة في قبضة المتشددين الذين يراوح عددهم بين 50 و70 نائبا من أعضاء حزب المحافظين.
وقد ولّد بوريس جونسون، وزير الخارجية السابق، انطباعا بوجود فوضى من خلال مقالاته الصحافية الصارخة، حيث يتعهد بـ "التخلي عن اتفاق تشيكرز" مشيرا إلى أن السيدة ماي "ربطت حزاما ناسفا" حول بريطانيا، بذلك الاتفاق.
وبعيدا عن إقناعهم بأنها تسيطر على حزب يرفض الانصياع، يخشى حلفاء ماي من الانطباع بأن فوضى مؤتمر المحافظين يمكن أن تقنع الجانب الأوروبي بتأجيل اتخاذ القرارات إلى أن "تهدأ الأمور قليلا".
بناء على ذلك، فإن تجربتهم مع المناهضين للتكامل الأوروبي في الحزب تشير إلى أن مثل هذه اللحظة لن تأتي أبدا.
هذا الأمر أكثر ما يكون أهمية في شأن الحدود الأيرلندية – وهي أصعب قضية نهائية في معاهدة انسحاب بريطانيا. يقول أحد المسؤولين البريطانيين البارزين: "الأمر كله يتعلق بأيرلندا الشمالية"، مشيرا إلى رفض ماي الصريح لأي شيء يقسم الاقتصاد البريطاني على طول البحر الأيرلندي.
وكما يقول المسؤول: "ليس هناك أحد متهاون، ولن يكون الأمر سهلا، لكن يمكن إصلاحه. المشكلة الحقيقية التي نواجهها هي إقناع الجانب الأوروبي بأن رئيسة الوزراء مفاوض موثوق به".
يتوقع الجانبان التوصل إلى حل وسط نهائي بشأن أيرلندا في القمة الأخيرة. كل طرف من الطرفين واثق تماما من أن الآخر سيتراجع. ساحة المعركة الرئيسة: كيف ترتبط خطة الدعم لأيرلندا الشمالية بالترتيبات المستقبلية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
من وجهة النظر البريطانية، يمكن أن يتم فك معضلة الصفقة إذا وافقت بروكسل على أن تتضمن أحكام الدعم الأيرلندي عنصرا جمركيا على مستوى المملكة المتحدة – ما يلغي الحاجة إلى إجراء عمليات تفتيش جمركية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، التي هي في انتظار التفاوض حولها للتوصل إلى اتفاقية تجارة نهائية.
في هذه الظروف، ستقدم بريطانيا تنازلات لبروكسل بقبولها أن جزءا كبيرا من اقتصاد أيرلندا الشمالية، سيعامل كجزء من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي. هذا من شأنه أن يزيل الحاجة إلى عمليات تفتيش منفصلة على معايير البضائع التي تعبر الحدود الأيرلندية.
يعتقد فريق رئيسة الوزراء أن مثل هذه الصفقة يمكن أن تتم بوساطة، شريطة أن يعطي الاتحاد الأوروبي ضمانات إلى السيدة ماي – وإلى السياسيين في حزب "الوحدويين في أيرلندا الشمالية" الذين يدعمون حكومتها – بأن الدعم لن يكون مطلوبا أبدا.
بعبارة أخرى، صفقة تجارية مستقبلية ستكون طموحة بما فيه الكفاية لجعلها زائدة عن الحاجة.
بارنييه مستعد لتقديم مثل هذه الملاطفات، لكن ضمن الإعلان السياسي غير الملزم فحسب، الذي يصاحب معاهدة الانسحاب الملزمة. تسعى بريطانيا إلى الحصول على ضمانات قانونية أكثر متانة، كحد أدنى على الترتيب الجمركي على نطاق المملكة المتحدة. وكما يقول أحد المسؤولين في المملكة المتحدة: "لا نستطيع أن نكتفي بالوعود".
وفي اتصالات مع قادة أوروبيين آخرين، صرحت السيدة ماي أيضا بأن أي إعلان حول المستقبل يجب أن يكون مفصلا وواضحا، على نحو يمهد الطريق لترتيبات السلع التي تقدم كثيرا من حرية الحركة كما جاء في صفقة تشيكرز.
ويشك المسؤولون على جانبي القنال في أن هذه الأهداف النبيلة ستستمر عندما تلوح المهل الزمنية النهائية، ويمكن للقادة أن يختاروا التشويش على النقاء. يقول أحد كبار المسؤولين فير الاتحاد الأوروبي بشأن "بريكست": "سيتعين على البريطانيين المضي في العملية، واكتشاف أن من مصلحتهم عدم الخوض في التفاصيل، لكنهم لم يصلوا إلى هذه المرحلة بعد. سنحتاج إلى منحهم بعض الوقت".
مثل هذه النتيجة ستترك المملكة المتحدة، في يوم المغادرة، مع دليل بسيط وغامض لعلاقتها المستقبلية مع أكبر شريك تجاري لها. يتساءل المسؤول: "ماذا يتوقعون غير ذلك؟ ديناميكية التفاوض ستتغير 35 مرة، قبل أن نصل إلى الصفقة النهائية بشأن المستقبل. هذا هو الواقع الفج للأشياء".
بعض مؤيدي مغادرة بريطانيا، بما في ذلك وزير البيئة مايكل جوف، سيدعمون خطة السيدة ماي ببساطة، لمجرد التأكد من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في آذار (مارس) المقبل – ما يؤدي إلى ترك التفاصيل المراد التعامل معها إلى وقت لاحق. وقال جوف يوم الأحد: "يمكن لرئيس وزراء مستقبلي أن يختار دائما تغيير العلاقة". السيدة ماي، التي حذرت من أن "البديل سيكون عدم وجود اتفاق"، تراهن على أن منتقديها من المناهضين للتكامل الأوروبي، سيصطفون وراء أي اتفاق تؤمنه.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES