FINANCIAL TIMES

معضلات استراتيجية ومالية تحاصر أردوغان

معضلات استراتيجية ومالية تحاصر أردوغان

الصفقة التي أبرمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، التي ستعمل على الأقل على تأجيل الهجوم الذي تدعمه موسكو على إدلب، آخر جيوب الثوار السوريين، تبدو ظاهريا كأنها جواب عن واحد من الأسئلة الكثيرة المتصادمة التي يواجهها الزعيم التركي. وجميعها تنطوي على وقوع أزمة.
دعونا نبدأ بالسؤال الأكثر وضوحا: تركيا تواجه أزمة مالية طارئة.
أساسيات أزمة العملة التي عملت على إغراق الليرة كانت موجودة أصلا قبل أن يقع الخلاف المذهل في الشهر الماضي بين أردوغان والرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي كان حتى الآن معجبا كثيرا بالزعيم التركي لدرجة أنه حياه بقبضة يده خلال اجتماع قمة حلف شمال الأطلسي في تموز (يوليو). أنموذج أردوغان الاقتصادي القائم على الإنشاءات والاستهلاك اعتمد لفترة زمنية طويلة فوق الحد على الائتمان الأجنبي الذي عمل على إبقاء الاقتصاد في حالة تجعله عرضة للسخونة الزائدة، لكنه الآن يمر بحالة من الجفاف.
تعاني تركيا تضخما مرتفعا "في حدود 18 في المائة"، وعملة متراجعة "خسرت ربع قيمتها الشهر الماضي، لكنها الآن متراجعة 40 في المائة تقريبا مقابل الدولار هذا العام"، وعجز كبير في الحساب الجاري، يصل إلى نسبة سنوية تبلغ 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يزيد من احتمال حصول أزمة في ميزان المدفوعات.
انهيار الليرة يعني أن الشركات والمصارف الرائدة التي تتحمل 295 مليار دولار من القروض الأجنبية ـ يستحق نصفها خلال الـ 12 شهرا المقبلة ـ تواجه خطر التعثر. تركيا بحاجة إلى المال على وجه السرعة.
زادت حدة هذه الأزمة بسبب ترمب الذي عمل على تعجيل الهبوط الحر لليرة من خلال فرض عقوبات على وزيرين تركيين ومضاعفة الرسوم الجمركية المفروضة على الصلب والألمنيوم التركيين. وكان مرجل من المظالم المتبادلة بين أنقرة وواشنطن بدأ في الفوران حتى قبل انتخاب ترمب. الأمر الذي جعل الوضع ينقلب هو استمرار احتجاز أندرو برونسون، وهو قس بروتستاني إنجيلي أمريكي تحتجزه تركيا بسبب ادعاءات متعلقة بالتواطؤ مع المتآمرين الذين نفذوا الانقلاب الفاشل في تموز (يوليو) 2016، الذي يلقي فيه أردوغان اللوم على شبكة غامضة من الكوادر الإسلامية بقيادة فتح الله جولن، حليفه السابق المقيم حاليا في بنسلفانيا.
بحلول الشهر الماضي أصبح من الواضح ما الذي يحتاج أردوغان إلى فعله لمنع أزمة العملة من التحول إلى كارثة مالية. كان يحتاج إلى رفع أسعار الفائدة، وإصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة، والسعي إلى الحصول على برنامج إنقاذ – وهي جميعا خطوات صعبة للغاية، تنذر بخطر فقدان ماء الوجه لرئيس يدعي أن الأزمة مؤامرة غربية تستهدف إسقاط تركيا ورمز طموحاتها العالية: هو نفسه.
أسعار الفائدة - التي يقول أردوغان إنها "المصدر الرئيسي لكل الشرور" - ارتفعت بشكل حاد الأسبوع الماضي. واستثار هذا خطبة رئاسية ملحمية، غير مذهلة بالنسبة إلى مشاهدي القنوات التلفزيونية الذين يتشبثون بكل فورة أعصاب لدى أردوغان. كانت هذه حركة إعلامية ذكية للالتفاف على الموضوع.
إصلاح العلاقة مع ترمب هو الخطوة التالية. وهذا يتطلب الآن الإفراج عن برانسون. وهذا أمر صعب لأن أردوغان أشار العام الماضي إلى أنه رهينة مقابل تسليم جولن. لكن ربما يكون هذا الأمر واردا "تم نقل المدعي العام في قضية برنسون".
احتمال توجيه تحية مودة أخرى بين أردوغان وترمب هي ربما جزء من السبب في توقف بوتين عن ضرب إدلب. سعى الرئيس التركي إلى إيقاف هجوم النظام السوري المدعوم من إيران والهجوم الروسي من خلال عقد قمة في طهران هذا الشهر. يخشى أردوغان من حصول أزمة لاجئين جديدة، ورد فعل عنيف من جانب المتطرفين ضد تركيا، وتهديد معقلين تركيين في شمال غرب سورية عمل على تأسيسهما خلال العامين الماضيين. رفض صديقه الروسي ذلك، لكن يبدو أنه يعيد النظر في الأمر في ضوء الخلاف الآخذ في التزايد في العلاقات الأمريكية التركية.
رغم ما تدل عليه الأمور، ورغم أن تركيا هي أحد حلفاء الناتو ومرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، إلا أنها إحدى الركائز القلقة لثلاثي السلطة الجديد في المشرق العربي الذي عملت موسكو على بنائه مع إيران. قد يكون من المسرف من ناحية الجيوسياسة بالنسبة إلى روسيا رفض ذلك الوضع في ساعة الشدة.
وهذا يُبقي مسألة إعادة تمويل الديون الكبيرة التي سيحتاج إليها المقترضون الأتراك - يمكن القول إنه التحدي الأكبر الذي يواجهه أردوغان. فقد تفاخر بوجود "أصدقاء وحلفاء جدد" سيساعدون تركيا كجزء من التحالف العالمي المعادي لترمب، بما في ذلك روسيا والصين وحتى الاتحاد الأوروبي. تعهدت قطر، الحليف العربي الأخير لتركيا، بتقديم استثمارات بقيمة 15 مليار دولار. وتعِد الصين بتقديم تمويل لمشاريع تبلغ قيمتها 3.6 مليار دولار. الاتحاد الأوروبي، المعتمد على تركيا في إيقاف تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، سيعمل بلا شك على زيادة المساعدات. لكن صندوق النقد الدولي فقط هو الذي يستطيع تقديم مثل هذا النوع من المبالغ المالية التي تحتاج إليها تركيا - رغم أن هذا ينطوي على شروط من شأنها أن تضع حدا لاستراتيجية حكومة أردوغان المتمثلة في النمو المدعوم بالائتمان بأي ثمن.
يقول مصطفى سينتوب، وهو زعيم برلماني في حزب العدالة والتنمية الحاكم "نعتقد أن هناك منظمة سرية أو مخفية تحاول إرغامنا على التوصل إلى صفقة مع صندوق النقد الدولي". ويضيف "هذا لن يحصل".
مختص استراتيجي في حملات حزب العدالة والتنمية يؤكد على تاريخ الحزب الناجح سياسيا في التنديد بوصاية الصندوق، يقول "اللجوء إلى صندوق النقد الدولي من شأنه أن يشكل تحديا كبيرا"، لكنه يستطرد، معترفا ضمنيا بأن ذلك خيار مطروح: "أردوغان جيد في شرح الأمور إلى الناس". ويضيف "نحن بحاجة إلى المال الآن".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES