FINANCIAL TIMES

ذكريات 2008 .. سقوط «داو» 777 نقطة لحظة عصيبة لا تنسى

ذكريات 2008 .. سقوط «داو» 777 نقطة لحظة عصيبة لا تنسى

كانت الأشهر من أيلول (سبتمبر) إلى تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 هي الأكثر رعبا في الذاكرة الحية للأسواق المالية. تحولت الأحداث بسرعة مخيفة وكان الانهيار الشامل للنظام المصرفي العالمي يبدو وشيكًا بشكل مخيف.
بينما كان الصحافيون يحاولون تغطية الأحداث من غرفة الأخبار في مكتب "فاينانشيال تايمز" في نيويورك، كنا من ناحية نحظى بفرصة العمر. فإذا كنت ستصبح مراسلا ماليًا، فمن المستحسن أيضًا أن تحجز لك مقعدا في الصف الأمامي لمتابعة أزمة مالية تاريخية. ومن نواح أخرى كان الوضع مرعباً. كان يحدث الكثير في الوقت ذاته، وكان من السهل تفويت شيء ما - أو الأسوأ من ذلك، ارتكاب خطأ وتضليل الناس في وقت يتزايد فيه القلق. كنا جميعا على علم بذلك وكان هذا الأمر يترك فينا شعورا غير مريح.
كان علينا أن نفسر خطورة الموقف. كانت هذه مسؤوليتنا. اندلعت الأزمة في الأسواق وكالعادة كانت غير مرئية بالنسبة إلى الجميع، باستثناء بعض المتداولين. لكننا - ومنافسينا - أدركنا أنه في الجو الحماسي، قد يؤدي أي سوء تقدير إلى إثارة الذعر وإلحاق الضرر ببعض المؤسسات الكبيرة، أو إدانة نظام المدفوعات نفسه.
بعد عقد من الزمان، إليكم الصفحات الأولى التي أنتجناها بعد بعض من أكثر نقاط التحول تعقيدًا في الأزمة. لقد قدمت بعض الملاحظات المختصرة لشرح كيفية اتخاذنا القرارات التي اتخذناها ولماذا. ضع في الحسبان أن هذه الصفحات هي الصفحات الأولى لطبعات الولايات المتحدة، وأنه قبل عشر سنوات أنتجنا عديدا من الطبعات يوميًا وفي مناطق مختلفة. كان هناك كثير من القصص التي حفظها التاريخ التي تصدرت الصحيفة في طبعات مبكرة واختفت تماما في الطبعة النهائية اليوم. لكن تذكر أن إطلاق هذه الأحكام بعد عشر سنوات من وقوع الكارثة أسهل كثيرا من إطلاقها تحت وطأة الحدث اللحظية.
16 أيلول (سبتمبر):
في ذلك اليوم، أهمية اللحظة كانت حاضرة في الطريقة التي أعددنا بها تقريرنا عن انهيار "ليمان". كانت أزمة الائتمان مستمرة منذ أكثر من عام، لكن بحلول أيلول (سبتمبر) 2008 كانت الأسهم الأمريكية متراجعة نحو 20 في المائة عن ذروتها. لقد ضلل هذا المقياس كثيرين وجعلهم يعتقدون أن الأمر ليس شيئاً مقارنة بانهيار شركات الإنترنت عام 2000.
كان "ليمان" حدثا ضخما، بالطبع. لكننا اضطررنا أيضاً إلى أن ندس في الأخبار صفقة بيع "ميريل لينش" بأسعار متهاوية، والمحاولات المستميتة من المجموعة الدولية الأمريكية للتأمين AIG، التي كانت تسعى للحصول على أموال إنقاذ بعد ضمان غير حكيم لكثير من القروض السيئة. هذا هو السبب في أن كلمة "ليمان" ليس لها وقع صادم.
قد يبدو واضحا الآن أن السوق ستنهار من جراء هذا الخبر. لكن المستثمرين افترضوا أنه سيكون هناك إنقاذ لـ "ليمان"، مثلما كان الحال بالنسبة إلى مصرف بير ستيرنز في وقت سابق من ذلك العام. وحتى إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد كان "ليمان" ودائنوه ومستثمروه يملكون أشهرا للتحضير لما حدث للتو. كان بعض الأشخاص الذين تحدثنا إليهم في ذلك اليوم يشعرون بالهلع. لكن كثيرين افترضوا أن الاحتياطات قد اتخذت، وأن الضرر سيكون محدودًا. لقد كانوا مخطئين.
18 أيلول (سبتمبر):
كان هذا هو اليوم الأكثر رعبا في الأزمة بكاملها، عندما عانت سوق المال الحديثة والمتطورة للغاية مما كان في الواقع عملا مصرفيا كارثيا من الطراز القديم. كانت الشرارة على ما يبدو هي خبر فني مفاده أن "ريزيرف برايمري فند"، وهو صندوق مشترك في أسواق المال، كان عليه أن يتكبد خسارة بسبب مقتنياته من سندات مصرف ليمان. لكن لأن المستثمرين كانوا يعاملون الصندوق كما لو أن الخسارة مستحيلة، أثار ذلك حالة من الذعر.
في جهودنا للإبلاغ عن هذا الخبر، كانت مشكلتنا تكمن في شرح مدى خطورة الوضع، وفي الوقت نفسه تجنب إثارة حالة من الذعر وإيجاد نبوءة تحقق ذاتها بذاتها. مع مرور اليوم واستمرار تدفق الأموال على الملاذ الآمن لسندات الخزينة وخروجها من جميع الأدوات الأخرى تقريباً، ازدادت صعوبة معرفة عدد الأرقام القياسية التاريخية التي كانت تهبط. ذكر موضوعنا الرئيسي أن المستثمرين كانوا خائفين لدرجة أنهم دفعوا عائدات سندات الخزانة إلى أدنى مستوياتها منذ بيرل هاربر.
20/21 أيلول (سبتمبر):
قد تكون هذا إجابة لأحد الأسئلة الرائعة لكن غير المهمة في المستقبل: سوق الأسهم الأمريكية اختتمت، على نحو مثير للدهشة، أسبوع إفلاس "ليمان" أعلى مما بدأت به الأسبوع. ما أثار الانتعاش هو خطة الحكومة الأمريكية المسماة "برنامج إغاثة الأصول المتعثرة" Tarp التي بدأت تتسرب أخبارها إلى الأسواق يوم الخميس. بعد ظهر يوم الجمعة، يمكنني حتى أن أتذكر بعض الاتصالات التي كانت تتحدث عن الأزمة بالفعل الماضي.
مع التزام الحكومة الأمريكية على ما يبدو بشراء الأصول المتعثرة وإخراجها من دفاتر المصارف، ومع فرض قرار بحظر البيع على المكشوف لأسهم المصارف، سارع المستثمرون إلى الاستفادة مما اعتبروا أنه فرصة شراء رائعة.
كان يجدر بهم أن يتذكروا أن برنامج Tarp كان لا يزال بحاجة إلى موافقة الكونجرس.
30 أيلول (سبتمبر):
أكدت الديمقراطية نفسها وعويل الأسواق كان عاليا. كارثة أصابت مديري Tarp السياسيين، حين صوت مجلس النواب ضد خطة إنقاذ بقيمة 700 مليار دولار. تبين أن أعضاء الكونجرس من الحزبين كانوا أكثر تردداً بكثير في دعم الإنقاذ مما كان يتوقعه قادتهم. كانت خطة الإنقاذ مكروهة تماما، وأغرق الناخبون الغاضبون نوابهم بمكالمات تطالب بعرقلتها، لكن في الأسواق "وفي غرفة الأخبار لدينا" كان الافتراض هو أن القادة في الحزبين لن يدعوا القضية تأتي للتصويت ما لم تكن لديهم أغلبية مضمونة.
تم إجراء التصويت في وقت متأخر من صبيحة ذلك اليوم، حيث أضيف عداد لإحصاء الأصوات ذو خانتين "نعم" و"لا" في زاوية شاشات التلفزيون في غرف التداول. وبعد الظهر بقليل انتهى التصويت وفاز الرافضون. وشهدت الدقيقة التالية التداول الأكثر كثافة في التاريخ، خلال جلسة منتصف النهار - وأوجدت حركة محمومة في غرفة الأخبار في "فاينانشيال تايمز" كون الحدث وقع قبل دقائق فقط من الموعد النهائي للطبعة الأولى من الصحيفة. وبحلول نهاية اليوم انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة قياسية "لا تنسى" بلغت 777 نقطة. وفقدت الرسملة السوقية للشركات الأمريكية أكثر بكثير من الـ 700 مليار التي أرادت الإدارة إنفاقها على إنقاذ المصارف.
4/5 تشرين الأول (أكتوبر):
من منظور زمني بعد الأحداث، الشكل النهائي للكارثة كان واضحا، لكن كان من الصعب التعرف على ملامحه أو تفسيره. الإعلان عن أكبر حالة إفلاس في التاريخ الأمريكي؛ إفلاس "واشنطن ميوتشوال"، بنك التجزئة الضخم، أخفق في الوصول إلى الصفحة الأولى. تمكن مراسلونا من نشر الموضوع "عاجلا" في الليلة السابقة وسجل عودة قصيرة إلى الصفحة الأولى في طبعة مسائية في اليوم السابق. وبحلول موعد إقفال السوق يوم الجمعة انتقل التركيز إلى "ويلز فارجو"، الذي انقض على منافسه المعتل "واتشوفيا"، ليقتنصه من براثن "سيتي"، المصرف الذي كان يفترض أن يكون المنقذ، لكنه أصبح لاحقا في حاجة إلى مبلغ ضخم لإنقاذه هو نفسه. منذ ذلك الحين كان "ويلز فارجو" ينتقل من قوة إلى أخرى، ولا يزال سعر سهم "سيتي" أدنى كثيرا مما كان عليه قبل الأزمة.
كان هناك مزيد من نذر السوء في منطقة اليورو، التي كانت تئن من الألم. كانت البلدان تسيطر على أنظمتها المصرفية الخاصة بها، واتخذت قرارات مختلفة حول التأمين على الودائع، وبالتالي تدفق المال بشكل جامح عبر الحدود. كانت تلك هي أول علامات خطيرة على أن منطقة اليورو عبارة عن هيكل مالي معيب بشكل قاتل – وهو ما سنتعلمه من أزمة السندات السيادية التي اندلعت بعد ذلك بسنتين. في تلك الأثناء، كان لدينا موضوع عن أزمة الميزانية في كاليفورنيا. خشي كثيرون من انهيار السندات البلدية الأمريكية، لكنها كانت كارثة لم تحدث. الأمر الأهم هو أن برنامج Tarp استطاع أخيرا المرور في الكونجرس، مدعوما بسخاء فيدرالي كبير مع النواب المترددين – لكن سوق الأسهم هبطت على أي حال. والثقة تحطمت.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES