Author

إدارة الجودة والحمار في الساقية .. إدارة المخاطر أهم

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
ليأذن لي من يؤمن بنظم الجودة والتميز المؤسسي كافة، وما دار حولها من طرق ونماذج أن أنتقد هذه المدرسة بكاملها، وأقول إن الوقت قد فاتكم. لقد عملت سنوات وفقا لنظم الجودة ولم أجدها تنفع أكثر من نماذج لتقارير لن تقرأ، بل أراها نماذج للتكسب والمتاجرة بالمعايرة والنمذجة، والحقيقة أن واقع وحال العمل الإداري أكبر من أن تستوعبه هذه النظريات الميتة في الواقع، نعم أقسو على هذه النماذج جدا، بل أراهن على أنها من مخلفات القرن الـ 20 التي يجب نبذها من الفكر والدراسة والبحث، ذلك أن من يتبعها لن يكون أفضل حالا ممن يربط الحمار في الساقية ويأمل أن يجني العسل بدلا عن الماء، وليته يضمن عدم تلوث مائه قبلا، ولا أعرف كيف لمن يكرر عمله نفسه كل يوم يتوقع أن يبتكر جديدا أو يكتشف خطيرا؟. نماذج الجودة خداعة، لأنها تضع معايير نموذجية يجب أن تلاحقها المؤسسات، ويقف خلفها آلاف مؤلفة ممن يدعون وصلا بها حتى يحققوا من خلالها مكاسب استشارية وإدارية، لكن من يعمل وفقا لهذه النماذج فعليا يجد نفسه كمثل القبطان في السفينة يقف بخيلاء ينظر من العالي على موظفيه وعماله وهم يقومون بالأعمال نفسها يوميا وفقا لمعايير وضعها، وهناك من يقف خلفهم ويراقبهم ويعدل سلوكهم كلما غيروا أو بدلوا، لكن بعد أن ينظر في أوراقه ومعاييره التي وضعها القبطان، ويعتقد كل من في السفينة ومن يراقبها أنهم بعملهم هذا في مأمن من عواصف البحر العاتية، عندما يعمل الجميع على أساس أن الأوقات السعيدة دائمة، فإنهم ينهارون مع أول عاصفة، لأن العواصف حتمية ولكل عاصفة اتجاهاتها وصفاتها ولا بد من اكتشاف سريع لمخاطرها وأين تهب وكيف يمكن تغيير اتجاهات السفينة؟، ولو ضاعت السفينة في عرض البحر بعد العاصفة فستبقى قدرات القبطان وفريقه قادرة على اكتشاف طرق جديدة مرة أخرى والوصول إلى الشاطئ المنشود. هذا التشبيه، رغم كل التحفظات عليه، فهو يقرب الصورة الذهنية للفرق بين إدارة الجودة وإدارة المخاطر، فالأهداف في الجودة ثابتة لا تتغير وهشة تنهار أمام أول عاصفة، بينما هي في إدارة المخاطر متغيرة حسب كل الظروف المحيطة، وتبقى القدرة على الاستدامة والاستمرار والبقاء والصلابة هي المحكات الرئيسة في عالم القرن الـ 21. الأهداف جزء مهم جدا لكن ليس لدرجة أن تضيع المؤسسة والناس والعمال من أجل الحفاظ على هدف. البقاء أهم والاستمرار أهم. تغيير الأهداف ممكن وتغير الظروف وارد، وتقلص الموارد أو كثافتها متوقع، المهم هو القدرة على الاستفادة من الظروف المواتية وتغيير قواعد اللعبة والبقاء لاعبا مهما، رغم كل التحديات وتغير المسارات، هنا لن ينجح إلا من يؤمن بالتغيير وتحدي المخاطر. القواعد الجديدة تقتضي فهم الأهداف القائمة والموارد المحددة، من ثم بناء نماذج العمل وفقا للتصورات القائمة ثم تتبع واكتشاف المخاطر التي تهدد هذه الأهداف بدءا من اختلاس الموارد أو تلفها أو سوء استخدامها، حتى التهديدات الخارجية الكبرى مثل الأزمات المالية والاقتصادية أو تغير السياسات الحكومية، يجب على كل من يحمل حقيبة تنفيذية مهما صغرت أو كبرت أن تكون له "عند مستواه الاستراتيجي" هذه هي القدرة الفائقة على اكتشاف المخاطر وتحليلها وتتبعها ومن ثم معالجتها قبل وقوعها وليس بعد الكارثة، ومن يفشل في تحديد هذه المخاطر، ووفقا لمستواه، فإنه خطر بذاته ويجب على من يعلوه إداريا أن يقوم بتغييره فورا. لا يمكن قبول مدير مستودع لم يدرك بعد مخاطر التدخين على مستودعه أو لم يدرك أن -أصلا- ما قد يفقد أثناء كتابة نموذج تسلم عهدة وفقا لقواعد الجودة، وبينما يكون الأصل قد فقد أو تلف يكون التقرير عن إجراءات الجودة قد أكمل مسيرته، والجميع قد وضع عليه علامة "تم". لقد تعلمت خلال مسيرتي في العمل التنفيذي أن مخاطر تتبع قواعد الجودة مع كل إشارة "تم" تأتي دائما ممن وضع تلك الإشارة على التقرير، وبينما نحصل على العلامة الكاملة في تتبع إجراءات الجودة كانت المؤسسة تتعرض لمخاطر جمة أشعر بها شخصيا، بينما التقرير في يدي كمن يبتسم. التحول إلى نماذج المخاطر يجعل الفكر منفتحا على كل جديد، ويبذل الجميع جهودهم في رصد المخاطر واكتشافها، في ابتكار نماذج جديدة للدفاع عن الأهداف التي نسعى كي نحققها والموارد التي نستخدمها، وبينما ينمو العمل وتنمو الأفكار ينمو لدى متخذ القرار ثقة أكبر بقراراته، وتأتي التوقعات دائما مبكرة والإنذارات حول تبدل الظروف وهو ما يدعوه إلى إعادة النظر في جميع الإجراءات وترتيب الأولويات ومواجهة التغيير، هنا يجد الشباب فرصا هائلة للعمل والابتكار والتغيير حسب الأنماط الجديدة، وعليهم بذل جهد أفضل في اكتشاف الأدلة والمراهنة على الابتكارات الجديدة، وبينما تتوقف الشركات التي تتبع نماذج الجودة مثلما توقفت "نوكيا" وغيرها أو انهارت فعليا مثل "ليمان براذرز"، أو تعرضت لعاصفة الإفلاس مثل "جنرال موتورز"، فإنه هناك عمالقة اكتشفوا رياح التغيير، فمنهم من نجا ومنهم من تصدر القمة. لهذا كله أقول، اتركوا نماذج الجودة ولنبدأ عصر إدارة المخاطر والتغيير بقوة.
إنشرها