FINANCIAL TIMES

طردي من العمل جنبني الإحراج

طردي من العمل جنبني الإحراج

الذكرى السنوية العاشرة لإفلاس "ليمان براذرز" دفعت إلى مزيد من التفكير في الضرر الذي حدث. لكن كان هناك فائزون أيضاً. وكنت واحداً منهم: طردت من العمل. قبل عقد كنت محللا في صندوق تحوط. كنا نملك بعض الأسهم، ونراهن ضد الآخرين. وفي نهاية عام 2008، بعد خمسة أعوام من العمل في الصندوق ومع انهيار وول ستريت، فصلت من عملي.
أن يتم فصلك من وظيفتك ليس الطريقة المثلى للحصول على مكسب من انهيار السوق. سيجادل بعضهم بأن جون بولسون، مثلاً، الذي كسب أربعة مليارات دولار بشكل شخصي من المراهنة ضد القروض العقارية، حقق في النهاية أفضل مما حققته. هذا يبدو لي رأيا تقليديا نوعا ما. على أي حال، علمتني الأزمة أمرين مهمين. والأهم من ذلك، جنبتني كثيرا من الإحراج.
الأمر الأول الذي تعلمته هو أن فعل الصواب يكون تأثيره محدودا. كان مديرا المحفظة في الصندوق الذي كنت أعمل فيه يتسمان بالذكاء ويحتقران المخاطر، وكانا سريعين في إدراك أن شيئاً خطيراً يحدث. ولأنهما كانا يملكان أشياء من السهل بيعها، فقد باعا، وفي وقت مبكر. لم يفقد عملاؤهما أي شيء خلال الأزمة ونجا الصندوق. لكن العملاء سحبوا أموالهم على أي حال. لقد احتاجوا إليها ونحن كنا نملكها، لأننا لم نفقدها. لذلك كان لا بد من تقليص النفقات، وكنت أحد البنود التي تم تقليصها.
الاقتصاد – أو، إذا كنت تفضل، العالم – عبارة عن آلة كبيرة. مهما كانت درجة ذكائك أو حذرك يمكن أن تعلق في التروس. معظم الناس يتعلمون هذا في النهاية. أنا مسرور لأني تعلمت ذلك من خلال خسارة وظيفة بدلاً من، مثلا، أن أسقط ميتاً بسبب نيزك.
الدرس الثاني. في الأزمة، لا أحد يعرف أي شيء. طرح الكاتب ويليام جولدمان هذه النقطة حول هوليود: حتى تحصل على فيلم يعرض أمام الجهور، لا أحد يمكنه أن يقول بشيء من اليقين ما إذ كان الفيلم جيداً أم لا. في المقابل، في معظم الأحيان التمويل هو عمل يمكن التنبؤ فيه بالمتغيرات المهمة ضمن نطاق محدد. لكن عندما تأتي العاصفة يصبح التمويل ـ بغض النظر عما يقوله لك أي شخص في وقت لاحق – غامضا ومتقلبا كرعاع يتلهمون الفشار. لأنه كذلك في التحليل النهائي.
في وقت ما في عام 2007 كنت أعمل مع اثنين من زملائي على مهمة بسيطة: نحدد أيا من المصارف الأوروبية الكبيرة كان مكشوفا بدرجة كبيرة على قطاع الإسكان في الولايات المتحدة. لكن، لسبب ما، كانت المصارف مترددة في الإجابة عن أسئلتنا بعبارات واضحة جداً. وفي بعض الحالات كان يبدو أنها لا تريد بشكل غريب الرد على الهاتف.
ولم تشتمل آلاف من صفحات بيانات الإفصاح من جانب المصارف على أي شيء مفيد. التقارير السنوية التي كان تبدو لي في السابق أوصافا كمية دقيقة للأعمال التجارية بدت، فجأة، كهيكل علوي هش تم بناؤه على مستنقع مليء بالأمور المجهولة.
ومن المطمئن أن تفكر وكأنك سقراط في بداية عهده بالفلسفة. أن تعرف ما لا تعرفه هو بداية الحكمة. هذه فكرة مريحة عندما تجلس في قاعة المحاضرات في فترة ما بعد الظهر في خريف بارد. عندما تضيع في الغابة، معرفة ما لا تعرفه هو أمر مخيف للغاية.
يجب أن أشير إلى أن استيعاب هاتين النقطتين – أنني لست مسيطراً، ولا أعرف الكثير – قد كلفني المال. لقد جعلني هذا الأمر متحفظاً أكثر في كيفية استثمار مدخراتي، وبالتالي فاتني كثير من الانتعاش الحالي في سوق الأسهم. لكن في الوقت نفسه، أعتقد أنه جعلني شخصاً أفضل وكاتباً أكثر وضوحاً. إنها مقايضة يمكنني قبولها.
تأثير الأزمة الذي جعلني متأملاً وشديد الحذر، يكشف أمراً آخر. ربما لم أكن أنتمي إلى عالم المال في المقام الأول. انخفاض أسعار الأسهم بعد الأزمة جعل المستثمرين الجيدين جشعين. وجعلني أفكر في الغرور الذي يسعى إليه البشر.
هكذا حمتني الأزمة من الإحراج. الذي حدث هو أنني فقدت وظيفتي عندما فقد كثير من الناس الآخرين وظائفهم. لم يكن هناك أحد متفاجئ وليس هناك أحد يطلب تفسيراً الآن. كان هذا واحدا من الأمور التي تحدث دائما. لو لم تكن هناك أزمة، أعتقد أن شخصاً ما كان سيجد طريقة لفصلي لكوني عديم الفائدة. وهو أمر سيكون محرجاً.
التمويل، مثل القانون، مهنة تجذب كثيرا من الأشخاص الأذكياء بشكل منطقي الذين يعملون بجد ويفضلون المال إلى حد ما. الأشخاص مثلي. لكن معظمنا ليسوا مناسبين في الواقع لهذه المهنة، وهذا ما يجعل الحياة العملية لكثير من الأشخاص غير سعيدة. الأزمة المالية أنقذتني من ذلك، وأنا أشعر بالامتنان.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES