Author

استراتيجية الغذاء الصحي في حاجة إلى أدوات

|
يوما بعد يوم تترسخ فينا "رؤية المملكة 2030" بكل طموحاتها الكبيرة، وندرك أن الرؤية لن تكون طموحا ما لم تكن كبيرة فعلا وتنقلنا إلى مرحلة أكثر تطورا، وبالتأكيد فإن الجميع يدرك أيضا أن هذا الأمر يتطلب مواجهة جادة للتحديات وعملا حقيقيا وإنتاجا كبيرا، فالرؤية لن تتحقق بمجرد كتابتها أو نشرها أو حتى تسويقها والاقتناع بها، بل تتحقق بالعمل والإنتاج في أرض الواقع، ويوما بعد يوم تظهر الأدلة صادقة على العمل الجاد من جميع القطاعات وفي جميع محاور الرؤية نتابع اليوم الإنجازات في واحدة من أهم محاور الرؤية وهو العيش بحالة صحية، وهذا المحور ضمن محور المجتمع الحيوي العامر وبيئته، وفيه يجد النمط الصحي والمتوازن للغذاء وضعه كأهم مقومات جودة الحياة، وفي واقع التنفيذ نقرأ أن تسع شركات أغذية عالمية تعمل في المملكة قد تعهدت بتقليل محتوى السكر والدهون في منتجاتها الغذائية، وهذا التعهد جاء مرافقا مع إطلاق هيئة الغذاء والدواء لاستراتيجية تنظيم الغذاء الصحي في الرياض مع إلزام الهيئة لجميع الشركات والمطاعم والمقاهي وجميع المحال، التي تسوق منتجات غذائية بوضع قائمة بـ "السعرات الحرارية" في نهاية عام 2018. هاتان المبادرتان تحتاجان منا إلى وقفات، فالمجتمع الصحي لا بد أن يأكل بشكل صحي، ولن يكون الأكل صحيا ما لم يكن متوازنا، ومهما بذلنا من جهد في منازلنا لتبني عادات صحية في الأكل، فإننا أمام مشكلتين الأولى هي عدم تقيد كثير من منتجي الغذاء بنشر المحتويات الغذائية أو السعرات الحرارية والدهون بطريقة بارزة وواضحة على المنتجات، والثانية أن بعضا من هذه الشركات حتى لو قامت بتوضيح هذه المعلومات بشكل بارز فإنها لم تزل تمثل خطرا على الصحة بما تحتويه من كميات هائلة من السكر أو الدهون أو الملح، لهذا فإن مبادرة واحدة لا تكفي بذاتها لتعزيز ونجاح مبادرة الأكل الصحي، بل لا بد من نشر المعلومات والسعرات الغذائية وفي الوقت نفسه يتم العمل على تقليلها في المنتجات وفي الطعام. الخطة الاستراتجية التي تبنتها الهيئة العامة للغذاء والدواء تمثل حجر الأساس في معركتنا ضد الإفراط في السكريات والسعرات الحرارية والدهون المتحولة، واللائحة الفنية الملزمة للمطاعم والمقاهي ستسهم في وضع معايير يتم المحاسبة والمراقبة على أساسها، وعلى الرغم من الطموح الحقيقي فعلينا ألا نغرق في التفاؤل فالتحدي كبير جدا، ذلك أن السلوك الغذائي للمجتمع لن يتغير بمجرد لائحة ولو كانت ملزمة، والرقابة لن تكون سهلة لأن كثيرا من أفراد المجتمع ــــ فيما لو استطعنا تطبيق اللائحة بصرامة ــــ لن يهتم كثيرا بمعرفة كميات السعرات بقدر ما يهمه الحفاظ على أسلوب غذائه ولأن تغيير أنماط الغذاء الشخصي قد يتسبب في أعراض الانسحاب من تناول الكميات الضخمة من السكريات والدهون، وهذا سيجعل المهمة أكثر صعوبة. وفي هذا الوضع بالذات ولأن الاقتصاد يحركه الطلب أولا وأخيرا فإن الشركات التي قد تسهم في تخفيض نسب السكر والأملاح والدهون معرضة إلى فقدان حصصها السوقية وقد تتراجع بعد فترة تحت ضغوط الملاك لرفع الأرباح والإيرادات. لكن إذا رافقت الخطة التنفيذية مزايا للشركات الملتزمة كتخفيضات ضريبية معينة أو تم فرض ضرائب معينة على الشركات غير الملتزمة، فإن مسارات العرض والطلب ستتغير وفقا لذلك.
إنشرها