أخبار اقتصادية- عالمية

مصداقية «منظمة التجارة» وبقاؤها في خطر بفعل الحرب التجارية

مصداقية «منظمة التجارة» وبقاؤها في خطر بفعل الحرب التجارية

حذر عدد من السفراء لدى منظمة التجارة العالمية من أن هذا الكيان التجاري العملاق "في لحظة فاصلة"، معتبرين أن مصداقية المنظمة وبقاءها باتا تحت "تهديد خطير".
وشدد هؤلاء على ضرورة إصلاح النظام المتعدد الأطراف "وإلا فإنه قد ينهار"، غير أنهم قالوا إن وجهات نظرهم لا تلقى صدى على نطاق واسع جدا.
يأتي هذا التحذير وسط نزاع تجاري عميق بين الصين والولايات المتحدة ما لبث أن اجتاح بسرعة الشركاء التجاريين الرئيسين الآخرين على شكل حواجز حمائية وحرب تعريفات انغمست فيها الاقتصادات الكبرى، حتى أنها وصلت إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حذر من أنه قد يفرض في نهاية المطاف رسوما جمركية على السلع الصينية تصل قيمتها إلى أكثر من 500 مليار دولار - أي ما يقرب من إجمالي الواردات الأمريكية من الصين في العام الماضي- لمكافحه ما تعده واشنطن انتهاكات تجارية من قبل بكين.
ومن جانبها، تعهدت الصين بالانتقام عبر رسوم جمركية مماثلة في كل خطوة تأخذها الولايات المتحدة.
وردا على ذلك، قالت الولايات المتحدة لمنظمة التجارة الأسبوع الماضي إن "تسوية حساب السياسات التجارية غير العادلة للصين أمر ملح، لكنه كبير جدا على منظمة التجارة للتعامل معه".
وفي ظل هذه الأجواء، أشار دبلوماسي غربي إلى أن المنظمة "دخلت فترة جديدة. لا يمكنها معها القيام بعملها كالمعتاد. بعض الأعضاء على الأقل يفهمون أن هناك خطرا حقيقيا بأن كل شيء ينهار. هذا هو الشيء الذي يشعر به عدد مهم من الدول. غير أن عددا كبيرا من الدول لم يصل بعد إلى هذه الصفحة".
وذكر دبلوماسي آخر "هناك حقيقة جديدة بدأت في الظهور، وهي أن منظمة التجارة في حاجة إلى البحث بعمق عن حلول لوقف هذا التدهور التجاري، والإتيان بأفكار جديدة ووضعها في تيار العمل".
فيما تحدث دبلوماسي آخر، عن زيادة مستوى التوتر في اجتماعات المجلس العام، الذراع التنفيذي للمنظمة، وأضاف: "قبل اجتماع أو اجتماعين للمجلس العام، لم نكن نتصور أبدا أن يصل الحديث بين الدبلوماسيين إلى صياح، وفي بعض الحالات رفع بعض الدبلوماسيين أصابعهم في وجه آخرين، فيما تتصاعد أصوات أخرى تدعو إلى ضبط النفس".
وبخلاف النزاع التجاري الأمريكي - الصيني، يرى دبلوماسيون، أن هناك هوة كبيرة في المنظمة بين أعضاء يريدون التقدم بالإصلاحات إلى الأمام والدخول في دورة جديدة من المفاوضات، وأولئك الذين يريدون من المنظمة أن تركز على قضايا بعينها فقط.
ويقول دبلوماسي غربي: "عندما تستمع إلى عديد من الدول النامية ودول أمريكا اللاتينية، يتولد لديك انطباع أن هوَّةً ساحقة تفصل بين تفكير عالمين متناقضين.. وباستثناء الهند وجنوب أفريقيا، فكل عضو في مجموعة الـ20 يدرك أهمية الإصلاح وتعديل جدول الأعمال بإضافة قضايا جديدة مستجدة لم تكن موجودة في عام 2001".
وتتركز الانتقادات الرئيسة لمنظمة التجارة على أنها لم تتمكن من تحقيق تقدم كاف في المفاوضات متعددة الأطراف، ما دفع الولايات المتحدة إلى القول بأن المنظمة على شفا "عدم الاعتداد بها" وستصبح "غير منطقية تماما" إذا لم تتمكن من بدء عملية الإصلاح.
لكن الانتقادات الحادة للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، دفعت بعض الأعضاء إلى الإعتقاد بأن المنظمة في محنة أكثر بكثير مما كانت عليه من قبل.
وذكر دبلوماسي لـ"الاقتصادية"، أن هناك وعيا متزايدا بأن هذه المرة مختلفة.. إما أن تترك الولايات المتحدة المنظمة أو تهزأ بقواعدها".
وأمام خطورة هذا الوضع، أبلغ روبرتو آزفيدو المدير العام لمنظمة التجارة اجتماعا لسفراء المنظمة أنه ينبغي على الدول الأعضاء أن تعمل الآن لدرء أضرار طويلة الأجل ستلحق بالنظام التجاري متعدد الأطراف، مضيفا أن الدول الأعضاء على بينة تامة بالأزمة المتعاظمة التي تلحق النظام التجاري العالمي، لكن رغم ذلك، فإن التوترات تتزايد.
وأشار آزفيدو محذرا: "هناك أيضا مكامن لآثار سلبية منهجية تفرض تهديدا عظيما على المدى الطويل، ولا سيما إذا بدأت الدول في قبول مبدأ الانتقام في التعامل التجاري - ضربة بضربة، وواحدة بواحدة.. أنت فرضت رسوما على بضائعي.. حسنا أنا أفرض رسوما على بضائعك".
وعد آزفيدو، أن "الوضع يتطلب استجابة عاجلة، فالتجارة تمس مناحي حياتنا كافة، وعليه ندعو كل شخص يعتقد أن التجارة هي قوة من أجل الخير أن يعمل لمنع الحرب التجارية. حان الوقت الآن".
غير أن بعض الدول الأعضاء لا تزال تتصارع مع مبدأ: كيف يمكن أن تكون طبيعة هذه الاستجابة التي دعا إليها المدير العام للمنظمة "ولا يوجد هناك توافق في الآراء بشأن ما هي القضايا التي ينبغي أن تتعامل معها المنظمة"، بحسب ما أوضح لـ"الاقتصادية"، شيبال جودري، عضو الوفد التجاري الهندي لدى المنظمة.
وذكر دبلوماسي آسيوي لـ"الاقتصادية" أن روبرت لايتزر، الممثل التجاري الأمريكي، يعتقد أن المنظمة غير ملائمة لمعالجة سياسات الصين التجارية غير العادلة، في حين أن الولايات المتحدة تعيق تعيين أعضاء هيئة تسوية المنازعات بدلا عن القضاة المنتهية صلاحيتهم، مستشهدا بتجاوزات قضائية بين قضايا أخرى.
وتفيد مصادر في المنظمة أنه "إذا لم يتم حل مسألة إعاقة الولايات المتحدة تعيين القضاة في هيئة تسوية المنازعات، فإن الهيئة ستتقلص من سبعة قضاة إلى ثلاثة بنهاية أيلول (سبتمبر)، وهو الحد الأدنى اللازم للنظر في الاستئناف، وستتوقف عن العمل في نهاية 2019 عندما يخلو منصب اثنين من القضاة".
لكن أعضاء آخرين في المنظمة أدانوا استخدام الولايات المتحدة التعريفات الواردة في القانونين 232 و301 باعتبارهما ينتهكان أحكام منظمة التجارة، كما انتقدوا استمرار تطبيق واشنطن طريقة "التصفير" في حساب رسوم الإغراق ضد المنتجات الأجنبية، على الرغم من وجود حكم قضائي من هيئة تسوية المنازعات يؤكد أن "طريقة التصفير" التي تعتمدها الولايات المتحدة تتعارض مع أحكام منظمة التجارة.
ويرى هؤلاء، أنه يجب أن يكون هناك شيء مربح للجميع، فالعمل التجاري هو "رابح - رابح"، وهذا هو الجزء الصعب في إصلاح المنظمة. وأضافوا أن الزراعة لا يمكن أن تترك خارج جدول الأعمال في المستقبل، مثلما تطالب الدول الصناعية الكبرى، لأنه إذا ما حصل ذلك، فسيكون هناك "رابح وخاسر"، مشددين على ضرورة التركيز على ماهية القضايا التي يمكن الاستفادة منها. في المقابل، ترفض بعض الدول النامية الذهاب إلى ما وراء جدول الأعمال، ما جعل بعض أعضاء الدول الصناعية الكبرى في المنظمة يعتقدون بأن إجراء إصلاحات متعددة على القواعد والأحكام هو أفضل رهان للمنظمة للمضي قدما.
وتقول الدول الصناعية إن ربط الدول النامية التقدم في الملف الزراعي مع الملفات الأخرى يشل المنظمة ويغل يدها عن الإصلاح.
ويرى بعضهم أن معالجة الأمر والتقدم إلى الأمام لن يكون بإعادة إطلاق المفاوضات أو بإعلان وزاري منمق، لكن عبر قيام عدد قليل من الأعضاء "الدول الصناعية الغربية تحديدا" بأخذ زمام المبادرة بإجراء مفاوضات جانبية فيما بينها لإبرام اتفاقيات جديدة على أن تترك الباب مفتوحا لمن يريد الانضمام إليها من الدول الأخرى.
لكن الدول النامية تحارب هذا الرأي بشدة، حسب ما أكدته مناقشات المنظمة على مدى السنوات الماضية.
ويقول الاتحاد الأوروبي إن التقدم في عمل المنظمة عادة ما يتم إعاقته من قبل مجموعة صغيرة من البلدان "لها مصالح ضيقة"، وبدلا من أن نبقى في حالة شلل ينبغي أن تكون الدول الأخرى حرة لـ"التحرك بسرعات مختلفة وأن تواصل التقدم في المجالات الرئيسة".
وحدد الاتحاد الأوروبي ثلاث خطوات ينبغي على الدول تبنيها من أجل إعادة تنشيط المنظمة، وتشمل إجراء تغييرات في نظام هيئة تسوية المنازعات لحل مشكلة إعاقة الولايات المتحدة تعيين قضاة جدد في الهيئة، والتفاوض على قواعد جديدة تعالج الممارسات التجارية غير التنافسية والمجحفة، وأخيرا تحسين عملية التفاوض في المنظمة عن طريق شفافية أفضل.
غير أن 14 خبيرا، بقيادة برنارد هوكمان، حثوا الدول الأعضاء الـ 164 على الاتفاق على برنامج عمل جديد يعالج السياسات المشوهة للتجارة ويحافظ على النظام التجاري المتعدد الأطراف.
وأوضح هؤلاء في تقرير "يجب تنشيط إدارة النظام المتعدد الأطراف في منظمة التجارة العالمية". إن "التمسك بأساليب العمل الراهنة هو وصفة لزوال المنظمة تدريجيا".
وأشاروا إلى أنه من الملح تجنب "مزيد من تدهور مصداقية منظمة التجارة، وذلك بمنع الدول الأعضاء من استخدام السياسات التجارية الحمائية من جانب واحد، وضمان حل النزاعات بفعالية وكفاءة".
ويقول الخبراء إن مشاكل المنظمة تتجاوز فشلها، إذ تشوه بعض السياسات الوطنية التجارة وتهدد بتقويض النظام، ويشير هؤلاء، كمثال رئيس على ذلك، إلى أن الولايات المتحدة تتذرع بعوامل "الأمن القومي" لفرض تعريفات وحصص على وارداتها من منتجات مختارة.
من جهتهما، تشعر الصين والهند بأن منظمة التجارة غير متوازنة وتتعامل معهما بشكل غير عادل.
وأكد الخبراء أن عدم الاتفاق على عقد اتفاقيات جديدة متعددة الأطراف دفع الدول إلى إبرام أكثر من 400 اتفاقيه تجارية تفضيلية منذ عام 2000، وتم تقديم أكثر من 500 نزاع تجاري إلى المنظمة منذ 1995.
وقدم التقرير أربعة مقترحات "لتنشيط منظمة التجارة كمنبر متعدد الأطراف للتعاون التجاري وحل النزاعات، من ضمنها النظر فيما إذا كان ينبغي مشاركة الدول كافة في إطلاق مفاوضات جديدة أو مبادرة جديدة، وهو مقترح أثار لغطا واحتجاجا لدى الدول النامية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية