FINANCIAL TIMES

«الشركات المفتوحة» .. تكشف غموض أخطبوط أعمال مترابطة

«الشركات المفتوحة» .. تكشف غموض أخطبوط أعمال مترابطة

خلال هذا الأسبوع، سيطر كشف مفاجئ حول عائلة ساكلر الأمريكية صاحبة المليارات، على الأخبار والسوق. منذ فترة طويلة العائلة موصومة بامتلاكها لشركة بيردو فارما، وهي إحدى أكبر الشركات المنتجة للأدوية الأفيونية في الولايات المتحدة، لكن زميلي في "فاينانشيال تايمز" ديفيد كراو كشف أن عائلة ساكلر تمتلك أيضا شركة أدوية كبيرة ثانية تصنع المواد الأفيونية: هي رودز فارما. هذه حقيقة كان من الصعب اكتشافها. تم تأسيس شركة رودز فارما قبل عقد من الزمن، تماما بعد أن بدأت الدعاوى القضائية بالتحليق فوق شركات صناعة الأدوية بسبب دورها في تأجيج الوباء الأفيوني في أمريكا – باسم محامي عائلة ساكلر، وليس العائلة نفسها.
إضافة إلى ذلك، باعتبارها شركة خاصة، كانت وثائق الإيداع الخاصة بها مبعثرة بين مختلف السلطات القضائية المختلفة.
هل هذا النوع من التعتيم لا مفر منه في عالم الشركات؟ حتى الآن، كانت الإجابة الواقعية الوحيدة هي "نعم".
خلال القرن العشرين، عندما انتشر المفهوم الحديث للشركة، كان من المسلم به أنه بقدر ما كانت بيانات الشركة موجودة، فإنها تقبع في سجلات مختلفة حول العالم، تديرها مجموعة مذهلة من الكيانات التابعة للدول والهيئات التنظيمية والهيئات المحلية.
وبما أن معظم هذه المعلومات كانت محفوظة في ملفات ورقية، فقد كان من الصعب للغاية اكتشاف كيف يمكن أن تترابط الشركات من خلال الحيازات المتقاطعة، ولا سيما أن كيانات الشركات المذكورة كانت في الغالب مملوكة لجهات خاصة - و/أو توجد في ملاذات ضريبية حيث تطبَّق القيود على الإبلاغ.
حاولت بعض الشركات في القطاع الخاص تسليط ضوء على ذلك من خلال إجراء أبحاث مكثفة في هياكل الشركة ومن ثم بيع البيانات – مقابل رسم باهظ.
بعض المحققين الخاصين ومحللي سوق الأسهم كانوا يفعلون الشيء نفسه، لكن لأن البيانات كانت باهظة الثمن، لم يكن لدى معظم المستثمرين العاديين – ناهيك عن المصوتين – سوى فكرة قليلة عن كيفية ترابط الشركات، على الأقل إلى أن تحدث فضيحة أو أزمة.
على سبيل المثال، عندما انهار بنك ليمان براذرز أثناء الأزمة المالية عام 2008، تبين أن المصرف "مثل مصارف أخرى كثيرة" أنشأ شبكة واسعة من الشركات الصورية المترابطة.
مع ذلك، هناك علامات تدل على أن إدراكنا لهذا العالم الزلق قد يكون في تحسن. كتبت سابقا عن الكيفية التي كان فيها كريس تاجارت، المخضرم في مجال البيانات المفتوحة، مفتونا منذ نحو عقد من الزمن بفكرة محاولة إنشاء قاعدة بيانات رقمية واحدة للشركات. وقد جمع التمويل من مصادر خيرية "مثل مؤسسة ألفريد بي سلون"، وقام بتجميع 12 عالما من علماء البيانات، وشارك في تأسيس موقع على شبكة الإنترنت باسم أوبن كوربريتز OpenCorporates "الشركات المفتوحة" للتنقيب عن معلومات متينة عن الشركات وترابطاتها.
هذه مهمة شاقة. لا يصعب فيها تعقب البيانات فحسب، لكن "الشركات المفتوحة" واجهت دعاوى قضائية من قادة الأعمال الأغنياء "الراغبين في حماية خصوصياتهم" وبعض الولايات "التي تعترض من باب ملكية البيانات".
أخبرني تاجارت أن "بعض المجموعات لا تريد أن تذاع البيانات"، مشيرا إلى أن "الشركات المفتوحة" تواجه حاليا صراعا في المحاكم الكندية. اليوم يحتوي الموقع على بيانات لأكثر من 150 مليون شركة، إلى جانب بعض وظائف البحث الأساسية.
إذا كتبت في هذا الموقع اسم "جولدمان ساكس"، على سبيل المثال، ستظهر قائمة مكونة من 1897 هيئة مؤسسية من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك 450 في ولاية ديلاوير و172 في أستراليا.
يشرح الموقع: "لم تعد الشركات منشآت مكونة من أصول ثابتة على الأرض، بل شبكات معقدة بشكل متزايد من الكيانات القانونية التي تمتد عبر بلدان ومناطق متعددة". يواصل الموقع القول إن "العالم يحتاج إلى طريقة لجلب المعلومات ووضعها في مكان واحد... بحيث تكون متاحة للجميع".
لا تزال المجموعة بعيدة عن الوصول إلى هذا الهدف النبيل. يعترف تاجارت أن الموقع لا يحتوي سوى على جزء من عالم الشركات: فهو يقدر أن هناك حاليا 400 مليون شركة في العالم، ويعتقد أن هذا الرقم سينفجر في السنوات المقبلة.
وفي حين أنه يرجو أن يستخدم التعلم الآلي للكشف عن الروابط بشكل أكثر سهولة – وبناء "خرائط" لشبكات الشركات تظهر كيف تترابط الشركات ورجال الأعمال الرئيسين – إلا أن هذا لا يزال قيد التطوير. البحث عن شركة بيردو فارما، على سبيل المثال، لن يكشف عن رابط مع شركة رودز فارما "حتى الآن".
على أن المضامين الأوسع نطاقا لما تحاول "الشركات المفتوحة" وغيرها من المشروعات الأخرى المماثلة تحقيقه موجودة من قبل بشكل يمكن رؤيتها.
خلال العام الماضي، سمعنا قصصًا مثيرة للقلق حول الطريقة التي تعمل بها شركات البيانات الكبيرة، على تمكين الشركات والحكومات من مراقبة الناس والتأثير فيهم والسيطرة عليهم. في عالم تكون فيه المعرفة قوة، عادة ما يبدو كما لو أن البيانات في الواقع ترسخ قوة النخب.
ما يجعل هذا الموقع رائعا للغاية هو أنه يقدم علامة واحدة حول كيفية قلب عامل القوة المذكور على رأسه. خلافا للتوقعات، إذا كان الناس يحصلون على بيانات أفضل عن الشركات أو حتى من الحكومات، فلربما يستطيعون البدء في تحديها بشكل أكثر فعالية. ليست لدينا القدرة على القيام بذلك حتى الآن: مع وجود مثل هذه المشاريع في مرحلة مبكرة نسبيا، لا نزال نعتمد على الصحافيين الدؤوبين الذين يجمعون بين قصاصات الورق.
في الوقت الحالي "الشركات المفتوحة" هي واحدة من سلسلة من مواقع الإنترنت التي تحاول توفير رؤية عامة أفضل في الزوايا المظلمة لعالم الأعمال الحديث. إذا كانت المعرفة قوة فعلا، فهناك معركة حقيقية تدور حول من سيسيطر على المعرفة التي يمكن أن تولدها البيانات الكبيرة والتعلم الآلي. على أنه نادرا ما تكون ملفات الشركات فاتنة إلى هذه الدرجة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES