FINANCIAL TIMES

المصارف تقفز على عربة التكنولوجيا المالية

المصارف تقفز 
على عربة 
التكنولوجيا المالية

قولوا عني إني من الطراز القديم الذي يكره التطور، لكني دائما كنت أتفق مع بول فولكر، الرئيس الأسبق لمجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي، بأن جهاز الصراف الآلي هو الابتكار الأكثر فائدة في قطاع التمويل خلال العقود القليلة الماضية.
لذلك سأتابع جلسات استماع اللجنة المصرفية التابعة لمجلس الشيوخ هذا الأسبوع حول التكنولوجيا المالية بكل ترقب وخوف. هذه الجلسات ستكون الفرصة الأولى للنظر إلى داخل تقرير الصيف الخاص بوزارة الخزانة حول هذا القطاع، الذي يتحدث باستحسان عن مشاركة البيانات بين شركات التكنولوجيا والمصارف الكبرى لإيجاد الكفاءة، وتوسيع النطاق، وتخفيض الأسعار الاستهلاكية.
كذلك يركز التقرير بشكل أقل على المخاطر النظامية والتغول في التسعير الذي يمكن أن يظهر في حال أقدمت أكبر شركات التكنولوجيا في العالم وأكبر المصارف في وول ستريت على مشاركة بيانات المستهلكين. (تخيل فقط أن صفحتك على فيسبوك مرفق بها حساب جارٍ، ما الخطأ الذي يمكن أن يحصل؟).
نظرا للتحرر التنظيمي المتخذ من قبل إدارة ترمب حتى الآن، هذا ليس مستغربا. مع ذلك، هو أمر مثير للقلق. الرسوم البيانية الواردة في تقرير وزارة الخزانة، التي توضح الطريقة التي ربما تعمل من خلالها المنصات والمصارف على تبادل ومشاركة المعلومات المالية الخاصة بالمستهلكين، من أجل تقديم خدمات ومنتجات "مفصلة بحسب كل شخص"، تذكرني بالرسوم التوضيحية المعقدة لعقود التأمين ضد الإعسار، التي استثارت الأزمة المالية في عام 2008. هذا النوع من التعقيد دائما ما يجعلني أشعر بالتوتر – لأنه يتيح مجالا واسعا للغاية أمام الطرف الذي لديه قدر أكبر من المعلومات لتشويش البيانات.
عملية المزج بين تكنولوجيات المنصات والبيانات الكبرى والذكاء الاصطناعي والتمويل الاستهلاكي هي فقط أحدث وأقوى عملية جمع بين العمل المصرفي والعمل التجاري. عمليات المزج السابقة التي أصبحت ممكنة بسبب التحرير المالي في فترة التسعينيات، لم تنته بشكل جيد.
لنأخذ تجربة "جولدمان ساكس" مع تخزين كميات كبيرة من الألمنيوم، التي ظهرت للعيان في عام 2013. كان المصرف قد اشترى آلاف الأطنان من الألمنيوم وكان ينقلها بين المستودعات (اشتراها أيضا) من أجل التحكم في مواعيد عرض السلعة. وفقا لبعض تقديرات الصناعة، أضاف ذلك ما بين 3.5 مليار دولار وخمسة مليارات دولار من التكاليف على المتسوقين الأمريكيين على مدى ثلاث سنوات.
سولي أوماروفا، الأستاذة في جامعة كورنيل التي استثارت أعمالها في البداية اهتمام وسائل الإعلام الجادة والمهتمة بهذا الموضوع، ستتحدث في جلسات الاستماع الخاصة بالتكنولوجيا المالية هذا الأسبوع. ويثير أحدث البحوث التي أجرتها تساؤلات حول ما إذا كانت عملية المزج بين شركات التكنولوجيا الكبرى والتمويل تصب في المصلحة العامة.
تتساءل البروفيسورة أوماروفا قائلة: "إن كان باستطاعة أمازون رؤية بياناتك المصرفية والأصول التي تخصك، فما الذي يمنعها من بيعك قرضا بأعلى سعر وهي تعلم أنك قادر على دفعه؟".
هذا تساؤل مشروع، نظرا لتاريخ المصارف الكبرى، وفي الآونة الأخيرة، الطريقة التي تستخدم من خلالها شركات التكنولوجيا الكبرى البيانات لجني ما يعتقد كثيرون أنها مزايا غير عادلة. تستخدم أمازون أسلوب "التسعير الديناميكي" لجني الأرباح من عقود القطاع العام، وتستخدم شركة أوبر "أسلوب التسعير المرتفع" لتحديد أجرة الركوب استنادا إلى استعداد العملاء للدفع، وفيسبوك تجمع بيانات حول المستخدمين لم يعملوا هم على مشاركتها فيما بينهم. وجوجل تتعقب المستخدمين حتى وإن كانت إعدادات الخصوصية ينبغي أن تحول دون ذلك.
بعض الناس لا يشعرون بالقلق إزاء أي من هذه الأمور. يرون أنها مقايضة عادلة أن يتم تبادل البيانات مقابل الحصول على سلع وخدمات مواتية. لكن من المستحيل تحديد ما هو عادل في مثل تلك الحالات. لا أحد منا يستطيع تحديد ما هو موجود داخل الصناديق الخوارزمية السوداء الموجودة لدى أكبر شركات التكنولوجيا. من الممكن أن تعرف شركة ما عن أنماط تسوقي أثناء العطلة، أو نوع الوسائط الإعلامية التي أحبذها، لكن هذا يختلف عن كون الشركة قادرة على الوصول إلى تاريخي المالي بأكمله، بما في ذلك الاستثمارات الخاصة بي.
يفتقر كثير من الناس بالفعل إلى الثقة في إجراء المعاملات المالية وفي عمليات إدارة الثروات الخاصة. لماذا إذن لا يزال الكثير منهم يدفع رسوما تفوق المتوسط مقابل الخدمات التي من هذا القبيل؟ تخيلوا مدى انكشاف بعض المستهلكين في حال لاحظ المصرف الخاص بهم أن لديهم تسعة آلاف دولار في حساب الادخار الخاص بهم. كيف سيرد الكثيرون على إعلان مفاجئ يشجعهم على نقل أموالهم إلى أداة استثمار جديدة رائعة تحقق أرباحا أعلى؟
من المؤسف أن إدارة ترمب ألغت مكتب الحماية المالية للمستهلكين الذي يعتني بالعملاء الأفراد ممن يعانون نزاعات مع المصارف. وتشير مقترحات التكنولوجيا المالية المقدمة من وزارة الخزانة إلى أنه سيكون لديها كثير من القضايا الجديدة التي يتعين البحث فيها وتمحيصها.
قابلية نقل البيانات – أي قدرة المستهلكين على تشارك البيانات مع مؤسسات متعددة في القطاعين العام والخاص – لها بالتأكيد بعض المزايا. لكن المخاطر المصاحبة لها، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالمجالات الحساسة، مثل البيانات المالية أو بيانات الرعاية الصحية، تدعو إلى الحذر.
بدأ الاتحاد الأوروبي بالسماح بمشاركة البيانات بين المصارف الكبيرة وشركات التكنولوجيا في وقت مبكر من هذا العام، لكنه فرض أحكاما واضحة تماما حول خيار الدخول والخروج من أجل حماية المستهلكين.
حتى الآن، عدد قليل جدا من المصارف الأوروبية استخدم بالفعل القواعد الجديدة لمشاركة البيانات لإبرام صفقات مع أكبر شركات التكنولوجيا. السبب في ذلك هو ربما لأن المصارف لا تزال تتذكر الدروس التي تعلمتها خلال الأزمة المالية، حول كيف أن تعقيد وغموض ما يبدو وكأنه معاملات يومية يمكن أن ينفجر بعنف (من كان يعتقد أن الديون المتعثرة يمكن أن ترتد من آيسلندا إلى ولاية آيوا؟). لكني أشك في ذلك.
على الأرجح المصارف الأوروبية على بعد خطوات قليلة فقط وراء المصارف الأمريكية، التي كثير منها ركب منذ فترة موجة التكنولوجيا المالية بمنتهى الحماس. 
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES